فقه بناء الإنسان في القرآن

" فقه بناء الإنسان في القرآن " للدكتورة الكاتبة الأردنية من أصل فلسطيني كفاح أبو هنود، كتاب بنكهة خاصة، ولغة تنساب كالشلال فتأخذ بالألباب، تقف مع الآيات المكية فتحاول النهل من معينها الذي لا ينضب، تتلمس اللبنات الأولى في مسيرة الإسلام الخالدة، بادئة ب" اقرأ "لبنة أولى، ثم:" وعلم آدم "لبنة ثانية، ثم: " اقرأ باسم ربك " لبنة ثالثة، ثم: " علم الإنسان مالم يعلم " لبنة رابعة، ثم : " يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر "... وتستمر الكاتبة في تفيء ظلال السور المكية حتى اللبنة الأخيرة من مقالاتها المبهرة، وهي اللبنة الثالثة والخمسون: "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه"...

تحاول الأستاذة في كلية الشريعة في جامعة العلوم التطبيقية في الأردن أن تفهم كيف استقبل الجيل الأول من المسلمين تلك الآيات لأول مرة، والتحولات التي شهدتها حياتهم، وصولا إلى ذلك الإنجاز الكبير الذي ميز الأمة العربية الإسلامية، ألا وهو الحضارة الإسلامية التي شهد القاصي والداني بعظمتها وأثرها البناء في مسيرة البشرية..

لا تخفي الكاتبة تأثرها بكتابات وأفكار المفكر الجزائري مالك بن نبي، وهي التي قالت في إحدى المقابلات إنها قرأت له كثيرا، بل وقرأت بعض مؤلفاته أكثر من مرة، ويطغى الأسلوب الأدبي على كتابتها وكذا الأسلوب الإنشائي حيث النداء والتعجب والاستفهام... فتأخذك في رحلة أدبية ممتعة، يشدك فيها التعبير الأنيق والفكرة النبيلة، وذلك في مقالات أقرب لجزر متنوعة يربط خيطها القرآن الكريم والآيات المكية على وجه الخصوص.

لا تشعر وأنت تقرأ هذا الكتاب بالوقت،إذ لا يتسلل الملل إليك، وتذهلك دقة العبارات وتناسقها، جمال الصور البلاغية وتفردها، تنهي قراءة الكتاب " 326" صفحة، فتشعر بالرغبة في إعادة قراءته من جديد، تبحث عن مؤلفات جديدة للكاتبة، وكما بحثت في المرة الأولى تبحث من جديد وعن طريق نفس التطبيق " تلغرام " حيث لاتوجد كتبها بكوكل.

وفي مقابلة سابقة سردت الصحفية على الأستاذة أسماء مؤلفاتها ولعل أهمها: "في صحبة الأسماء الحسنى"، " على خطى إبراهيم" ، "في صحبة الحبيب " وطبعة الأخير يوليو 2023..

لقد كان اكتشافي لكتابات الدكتورة الكاتبة كفاح أبو هنود بالصدفة، وذلك في لحظة نادرة من لحظات تصفحي لفيسبوك، حيث اطلعت على صفحة من كتابها " فقه بناء الإنسان في القرآن " فشدني تعليقها على الآية "وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت" وأن الإسلام ارتفع بالمرأة إلى " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله"، فمن تلك اللحظة قررت تحميل كتابها على صيغة pdf، ولكن تفاجأت أنه غير موجود على الإنترنت، فنزلته عن طريق "تلغرام"، وكانت فرصة طيبة حيث خلاصة قراءة ومطالعات أستاذة التفسير بجامعات عربية وإسلامية، اطلعت لاحقا على سيرتها الذاتية وتابعت مقابلات تلفزيونية معها، جزاها الله خير الجزاء عن الدعوة الإسلامية الخالدة، وهي التي دعت الله كثيرا في العمرة والحج أن يرزقها الكتابة عن القرآن الكريم.

ولم تكتف الكاتبة الأردنية بالعمل الكتابي خدمة للمشروع الحضاري للأمة بل أسست مبادرات عديدة لعل أهمها: مبادرة سراج التطوعية للقراءة الواعية، كما أسست أيضا وأدارت برنامج مشكاة لبناء القيم القرآنية، وفي رسالتها لمنتسبات مشكاة تقول الدكتورة كفاح : "لأننا نؤمن بصناعة الإنسان وفق منهج قرآني لا تشوبه شائبة هوى أو خلل، ولأننا نؤمن بأن بناء الإنسان في القرآن كان صبغة ربانية خلقت إنسان الحضارة الإسلامية العظيمة، ولأننا نؤمن أن الإنسان هو مادة التغيير الحقيقي عبر مراحل التاريخ كلها؛ لذلك كانت مشكاة. 

حياكم الله في برامجها التي غاية ما تصبو إليه أن تسير على هدي القرآن في بناء رواحل تحمل دينها وتنشر مفاهيم الوعي وتضيء بصيرة الأمة وتكون رحمة للبشرية جمعاء".

زين العابدين علي بتيش 
أستاذ مادة اللغة العربية بثانوية تيكماطين

 

 

5 March 2024