حل الدولتين: الحل المستحيل

الهادي بن محمد المختار النحوي

بدأ الحديث عن حل الدولتين بعد هزيمة  عام 1967، وتجدد التذكير بهذا الحل بعد عملية طوفان الأقصى ، وهذا الحديث يتراوح في بعض صوره بين التسويق الإعلامي السياسي والتمويه  والقفز على الواقع. 

 

فقد سمعنا عددا من المسؤولين الأمريكيين والغربيين يكررون أهمية حل الدولتين، ومن قرأ ما بين سطور تصريحاتهم سيجدها محاولة لامتصاص جزء من الغضب الشعبي في الغرب بعد ما أعلن عنه الرؤساء والمسؤولون الغربيون من الدعم اللامحدود لإسرائيل  وغض الطرف عن جرائم الإبادة التي ترتكبها ضد الأطفال والنساء والمدنيين في غزة تحت عنوان "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". 

 

وهذه التصريحات موجهة أيضا للعرب من باب ذر الرماد في العيون في محاولة للتخفيف من إحراج حلفاء أمريكا العرب أمام شعوبهم. 

 

ولكن السؤال الذي ينبغي طرحه هو هل حل الدولتين يمكن تحقيقه على أرض الواقع؟ 

 

قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال، دعونا أولا نضع القضية في السياق الذي أراد الغرب أن يضعها فيه منذ وعد بلفور المشؤوم وربما قبله.

 

وفقا لما أراده الغرب يمكن تحديد المراحل الأساسية التالية  للصراع: 
كانت المرحلة الأولى هي البحث لليهود عن وطن خاص بهم وذلك محاولة من الغربيين للتكفير عما تعرض له اليهود على يد الألمان. 

أما المرحلة الثانية فكانت إقامة دولة إسرائيل عام 1948 على جزء من أرض فلسطين التاريخية وفي هذه المرحلة كان الغربيون يقرون، نظريا على الأقل، بوجود شعبان يتصارعان على أرض واحدة. 

 

ثم جاءت المرحلة الثالثة التي بدأت بعد احتلال إسرائيل لما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، ففي هذه المرحلة تحولت القضية تدريجيا وفق الرؤية الإسرائلية الغربية من صراع بين شعبين لتصبح   فلسطين كلها هي" أرض إسرائيل التاريخية" بمفهوم عقدي متوهم  قائم على القوة والترهيب، والغت إسرائيل عمليا حق الفلسطينيين في أرضهم وصنفتهم  مجموعة من الإرهابيين يريدون إزالتها من الوجود سواء قاوموا أم لم يقاوموا..  وهكذا حاولت إسرائيل ومن ورائها الغرب تحويل الضحية إلى إرهابي ومعتدي والمحتل المعتدي إلى ضحية يواجه إرهابيين يحق له أن يعاملهم بوحشية من باب "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس" . 

 

واكتملت هذه المراحل بمرحلة رابعة هدفها ومآلها تجاوز القضية الفلسطينية بشكل كامل واستبدالها باتفاقيات التطبيع والتعاون والتحالف بين إسرائيل وبعض الدول العربية. 

 

هذه المراحل  نقلت الصراع من قضية احتلال إلى قضية "دولة" تواجه إرهابيين ، وتأسيسا على هذا التحقيب فإن الحديث عن حل الدولتين يصبح أقرب إلى الأوهام أو مخادعة النفس، إذ أن عوامل استحالة أو صعوبة وجود هذا الحل متعددة منها ما يتعلق بإسرائيل وسلوكها ومن ورائها الغرب ومنها ما يتعلق بالعرب ومنها ما يتعلق بالفلسطينيين:

--  السلوك الإسرائيلي ومنهج التعامل مع الفلسطينيين 

 

مكن الغربيون (الأمريكان والبريطانيون وغيرهم) لإسرائيل حتى احتلت كل أرض فلسطين واقاموها  على أساس إنكار حق الفلسطينيين في أرضهم وجميع حقوقهم، واعتمد هذا الإنكار على ركيزتين أساسيتين : القوة والأمن وكل ذلك يعني بالضرورة استبعاد اي نوع من الحلول السياسية. 
لذلك قام السلوك الإسرائيلي على استخدام القوة بكل أشكالها ضد الفلسطينيين قتلا واغتيالا وتهجيرا وسجنا ومصادرة للأراضي وتوسيعا للمستوطنات. 

 

وموقف إسرائيل ومن ورائها الغرب بالنسبة لحل الدولتين يمكن تلخيصه فيما يلي:
- معارضة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم 
- القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل. 
- معارضة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وإن سمحوا بشيء من ذلك فإنما بكيان مشلول بدون جيش، منزوع السيادة مع السماح ببعض التطوير الاقتصادي كما في الضفة الغربية وبعض المساعدات الإنسانية في قطاع غزة. 

 

وقد حدد نتنياهو شروطه لإقامة الدولة الفلسطينية وهي أن تكون منزوعة السلاح وان تتمركز قوات إسرائيلية على أراضيها وأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل باعتبارها “الدولة القومية” للشعب اليهودي.

 

وهو يرى أن حل الصراع على أساس دولة واحدة سيقوض الشخصية اليهودية الإسرائيلية إذ سيسمح باستيعاب ملايين من الفلسطينيين.

 

جاءت  تصريحات نتنياهو هذه خلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، حيث نقلت عنه هيئة البث الإسرائيلية قوله إن "على إسرائيل قطع الطريق على تطلعات الفلسطينيين بدولة مستقلة لهم". 

 

و لم يكتف نتنياهو بالتعبير عن هذا الموقف في الجلسات المغلقة بل صرح أمام الأمم المتحدة أسابيع قليلة قبيل بدء معركة طوفان الأقصى بأن حل الدولتين أصبح من الماضي. 

 

وكان أكثر وضوحا في موقفه عندما أظهر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خريطة لإسرائيل متجاهلا  الإشارة إلى فلسطين. 

 

هذا هو الموقف الرسمي الإسرائيلي  من حل الدولتين وان كانت بعض الأصوات قد تظهر اهتمام إسرائيل بحل الدولتين، فقد دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، يائير لابيد، في وقت سابق أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى حل الدولتين 

وقال لابيد إن "الاتفاق مع الفلسطينيين على أساس دولتين لشعبين هو الشيء الصحيح لأمن إسرائيل واقتصاد إسرائيل ومستقبل أطفالنا "،مضيفا أن أي اتفاق سيكون مشروطا بدولة فلسطينية سلمية لا تهدد إسرائيل. 

وتصريحات لابيد هنا تختلف في ظاهرها مع تصريحات ومواقف نتنياهو لكنها تتفق معها في المآلات فقوله  إن أي اتفاق سيكون مشروطا  بدولة فلسطينية  سلمية لا تهدد إسرائيل إنما هي صياغة ملطفة لفكرة نتنياهو  عن دولة فلسطينة منزوعة السلاح. 

وهذه التصريحات عموما تدخل في باب التسويق الإعلامي الذي يهدف إلى  إظهار "اهتمام" إسرائيل بالسلام والحلول السياسية وإن كانت الوقائع على الأرض تناقض ذلك، فحسب بعض الاستطلاعات الحديثة فقد بلغ عدد المستوطنين في مستوطنات الضفة، بما فيها القدس، 726 ألفا و427 مستوطنا، موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية وذلك حتى بداية 2023.

علما بأن عدد سكان المستوطنات كان في حدود  250 ألف نسمة عند توقيع اتفاقية اوسلو سنة 1993. 

 

موقف الولايات المتحدة وأوروبا من حل الدولتين:
يكرر القادة والمسؤولون الغربيون دعواتهم لحل الدولتين واهتمامهم بهذا الموضوع ليس من باب السعي لإرجاع بعض حقوق الفلسطينيين والعرب بل هو الحرص على دعم إسرائيل من زاوية أخرى ظاهرها البحث عن حلول سياسية سلمية للصراع وحقيقتها تخفيف المخاطر التي تواجهها إسرائيل. 

فالولايات  المتحدة هي التي رعت ما يعرف بمسيرة السلام بين العرب وإسرائيل بدءا بكامب ديفيد ومرورا باتفاقية أوسلو ثم مرحلة دينس روس ثم المحطات العرجاء الأخرى من هذه المسيرة. 

وقد أظهرت إدارة بايدن مثلها مثل الإدارات الأمريكية السابقة اهتمامها، على الأقل إعلاميا، بما يسمى حل الدولتين، فقد صرح الرئيس الأميركي جو بايدن خلال شهر نوفمبر 2023 أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لضمان الأمن على الأمد الطويل للفلسطينيين والإسرائيليين. 

وأضاف بايدن عبر منصة «إكس» أن الولايات المتحدة لن تتوقف عن العمل من أجل تحقيق حل الدولتين «لضمان تمتع الفلسطينيين والإسرائيليين بالحرية والكرامة على حد سواء».

وكذلك صرح عدد من الزعماء الأوروبيين بدعوتهم لحل الدولتين منهم الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني والمستشار الألماني وبعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي. 

لكن الولايات المتحدة ومعها أوروبا تقتل حل الدولتين بأكثر من وسيلة، منها الدعم المطلق لإسرائيل وتبني مواقفها من الصراع وتغطية جرائمها في حق الفلسطينيين بحجة انها تدخل في إطار الدفاع عن النفس والتعامل مع حركات المقاومة بصفتها حركات إرهابية. 

والدول الغربية التي تكرر تمسكها بحل الدولتين  تعمل على تقويضه وتعترف باستحالته. 

فمثلا اعترفت الولاياتت المتحدة أيام رئاسة ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها إليها وبعد ذلك ركزت الولايات المتحدة على صفقة القرن قبل أن تتحول إلى الاتفاقية الابراهيمية وكلها وسائل لتصفية القضية الفلسطينية. 

وبايدن الذي أعلن  أن الولايات المتحدة لن تتوقف عن العمل لتحقيق حل الدولتين كان صرح قبل ذلك خلال زيارته العام الماضي للضفة الغربية ان الظروف غير ملائمة للحل "the ground is not ripe"

وهذا آرون ديفد ميلر الذي عمل مستشارا لقضايا الشرق الأوسط في إدارات ديمقراطية وجمهورية يصرح بأن تركيز بايدن على حل الدولتين يعد بمثابة نقاط حديث طموحة aspirational talking Points 
ويجزم بأنها مهمة مستحيلة. 

أما الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل فقد ذكر  أن العالم فشل في الجهود الرامية إلى إيجاد حل لدولتين إسرائيلية وفلسطينية.

وقال بوريل خلال حديث له في بكين يوم  14 أكتوبر 2023  إن "العالم فشل  فشلاً ذريعاً" مشيراً إلى أن جهود حل الدولتين فشلت على مدار 30 عاماً.

وأقر أيضاً بأنه على الرغم من أن إقامة دولتين منفصلتين هو هدف مرغوب فيه للإسرائيليين والفلسطينيين في المستقبل، فإنه لن يحل الصراع الحالي، الذي اندلع في  السابع من أكتوبر
 

 

المبادرة العربية للسلام 
قدمت الدول العربية سنة 2002 ما عرف بالمبادرة العربية للسلام التي تضمنت عدة بنود منها :

- يطلب المجلس من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي أيضا.
كما يطالبها القيام بما يلي:

- الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، والأراضي التي ما ما زالت محتلة في جنوب لبنان.

- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو (حزيران) في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

 

وفي مقابل ذلك:
-  تقوم الدول العربية بما يلي:

اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.
- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.

قد يفهم في سياق التعامل مع الواقع ان تقدم هذه المبادرة المتضمنة الاعتراف باسرائيل لكن لعل مما يستدرك على المبادرة انها لم تتضمن عرض أوراق قوة تملكها الدول العربية لتفهم إسرائيل ان المبادرة لا تعني غض الطرف عن سبل أخرى للتعامل مع الصراع. 

 

ومن الأوراق التي كان ينبغى التذكير بها عند عرض المبادرة:
- التلويح بتجميد أو إلغاء المعاهدات القائمة بين بعض الدول العربية وبين إسرائيل 

- التلويح بتشديد برامج المقاطعة الاقتصادية 

- التلويح بالورقة الاقتصادية في علاقة الدول العربية مع الدول الداعمة لإسرائيل 

- التلويح بأن الخيار العسكري قد يكون خيارا مطروحا في حال رفض إسرائيل الاعتراف بالحقوق الفلسطينية والعربية. 

- الإعلان عن أن المبادرة متاحة لفترة محددة وأنها ستسحب إذا لم تلق التجاوب المطلوب

 

والظاهر أن إسرائيل تجاهلت المبادرة العربية ولعل من أسباب ذلك أنها وجدت فيها غنيمة باردة تمثلت في اعتراف الدول العربية مجانا بإسرائيل دون دفع ثمن. 

وضاعت على العرب فرصة استغلال مبادرة السلام الاستغلال الصحيح بما يخدم إدارة الصراع بأقل التكاليف وبالحد المعقول من المكاسب. 

فجاءت المبادرة العربية للسلام دون مرحلة تدرج مقارنة بقمة الخرطوم التي عقدت سنة 1967 وعرفت بقمة اللاءات الثلاثة  وعقدت في 29 أغسطس 1967 على خلفية هزيمة عام 1967 .  

وخرجت القمة بإصرار على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاثة: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه.

حصل عكس هذه اللاءات تماما فاعترف العرب أو معظمهم بإسرائيل وتصالحوا معها وتفاوضوا معها في السر والعلن دون مكاسب تذكر للفلسطينيين، واكتمل الأمر بمسيرة التطبيع وما عرف بالاتفاقيات الإبراهمية التي تعني اتفاقيات السلام الموقعة بين بعض الدول العربية وبين إسرائيل برعاية الولايات المتحدة، وخطورة هذه الاتفاقية انها تمنح إسرائيل فرصة الاندماج في المحيط العربي على حساب الفلسطينيين وقضيتهم

ما يتيح لإسرائيل أن تجني ثمار التطبيع مع العرب دون  التنازل عن الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين وقد عبر نتنياهو عن لك بصورة واضحة عندما قال : "السلام مقابل السلام" بعد أن كان الحديث عن الأرض مقابل السلام.. 

وبلغ الأمر ذروته بإقامة بعض الدول العربية شراكة استراتيجية مع إسرائيل. 

 

 

موقف الفلسطينيين
قاوم الفلسطينيون مثلهم مثل أي شعب تحتل أرضه طلائع الغزاة والمستوطنيين الذين تسللوا إلى أرض فلسطين برعاية ودعم بريطانيا واستمرت مقاومتهم للاحتلال منذ الإعلان عن قيام دولة إسرائيل سنة  1948 وكذلك  بعد هزيمة 1967 واحتلال ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية. 
إن الموقف الطبيعي لأي فلسطيني واي عربي ومسلم هو أن فلسطين كلها لأهلها مع ما تمثله من رمزية خاصة لكل المسلمين، ففلسطين للفلسطينيين من البحر إلى النهر. 

لكن الفلسطينيين تعاملوا مع الواقع انطلاقا من ان إسرائيل تدعمها الولايات المتحدة والدول الغربية ويحرصون على تفوقها عسكريا لاستمرار احتلالها للأرض والهيمنة على المنطقة هذا فضلا عن التخاذل العربي وتخليه التدريجي عن ان يمثل عمقا استراتيجيا للمقاومة الفلسطينية. 

انخرط الفلسطينيون بقيادة الرئيس ياسر عرفات في مفاوضات "الحل السلمي" مكرهين لا مختارين فكانت اتفاقيات أوسلو التي اتاحت فرصة تشكيل السلطة الفلسطينية وكان المؤمل ان تؤدي إلى قيام كيان فلسطيني على ما يمثل 22% من أرض فلسطين التاريخية لكن الضفة الغربية  تآكلت أراضيها بفعل تزايد الاستيطان وعنف المستوطنيين إضافة إلى تعمد إسرائيل إضعاف السلطة الفلسطينية وتحويلها إلى مجرد كيان

للتنسيق الأمني يخدم المصالح الإسرائيلية وكأن السلطة استسلمت لهذا الواقع وتخلت عن أي أوراق قوة تمكنها من إدارة الصراع بشكل صحيح مع المحتلين.وهكذا استمرت سيطرة جيش الاحتلال على الضفة الغربية فهو  يقتل  ويختطف ويأسر  كل يوم متجاهلا وجود السلطة وما نصت عليه اتفاقيات أوسلو. 

ومع تضاؤل نتائج اتفاقيات اوسلو وما أصاب الفلسطينيين من خيبة امل ارتفعت اسهم المقاومة وزادت القناعة لدى غالبية الفلسطينيين بأن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لاسترداد الحقوق. 

 

 

موقف جمهور الفلسطينيين والمستوطنين
وفقا لاستطلاع أجراه مركز  بحوث Pew   Research قبل 7 أكتوبر فإن  ثلثي الفلسطينيين والإسرائليين لا يؤيدون  حل الدولتين وهذا يمثل تراجعا بنسبة 15% مقارنة بعشر سنوات مضت حسبما ذكر موقع  القناة الفرنسية الخامسة. 
  أما عرب إسرائيل فإن 33% منهم ليسوا مقتنعين بالفكرة مقارنة بما كان عليه  الحال سنة 2013 مقارنة ب  14% من  نظرائهم اليهود خلال الفترة نفسها. 

 

طوفان الأقصى والعدوان على غزة
تعمدت إسرائيل محاصرة أهل غزة وشنت عليهم عدة حروب خلفت آلاف الشهداء والإصابات  وتحول قطاع غزة إلى أكبر سجن في العالم. 

انتفضت المقاومة يوم السابع من أكتوبر لتذيق المحتلين نسبة ، ولو قليلة، من الآلام التي تجرعها أهل غزة واهل فلسطين على مدى عقود من الزمن. 

جرمت أمريكا والغرب المقاومة ووصفتها بأنها منظمات إرهابية. 

ووصل الأمر  مثلا بالرئيس الفرنسي ماكرون إلى الدعوة إلى إقامة تحالف دولي لمحاربة حماس، وكأن حماس ليست حركة مقاومة تمنحها كل شرائع الدنيا حق مقاومة الاحتلال. 

جاء عدوان إسرائيل على غزة بوحشية غير مسبوقة فكانت الحصيلة حتى الآن أكثر من 16 ألف شهيد وحوالي 40 ألف جريحً معظمهم من الاطفال و نزوح اكثر من 80% من سكان القطاع  مع تدمير أكثر من 60%من الوحدات السكنية  في غزة إضافة إلى تدمير البنى التحية الصحية والتعليمية وغيرها، بحيث أصبح قطاع غزة غير قابل للحياة الآدمية. 

ولم يكتف الاحتلال بكل هذه الجرائم بل تعامل مع الأسرى من غزة بصفتهم مقاتلين غير شرعيين عاملهم بكل وحشية وحجب أخبارهم عن ذويهم فلا يعرف لا مصيرهم ولا عددهم ولا يعني هذا انه يعامل أسرى الضفة والقدس معاملة إنسانية، ويكفي من ذلك شهادات الأطفال والنساء الأسرى الذين خرجوا من السجون الإسرائيلية في إطار التبادل الذي فرضته المقاومة خلال الأيام الماضية. 

ويصر الاحتلال وقد استأنف عدوانه بعد الهدنة على استمرار الحرب بهدف تدمير حماس كما يزعم لكن الهدف الحقيقي هو تهجير سكان غزة.. 

فهل بعد كل هذا البطش والظلم يمكن الحديث عن دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في امان؟ 

في سياق هذه المعطيات الموضوعية يتضح أن الدول الغربية وإسرائيل عندما يتحدثون عن حل الدولتين إنما يذكرون ذلك للاستهلاك الإعلامي ورفع العتب لا غير فقد قتلوا حل الدولتين واقعيا وعمليا فالضفة الغربية احتلها المستوطنون اما قطاع غزة فتشن عليه إسرائيل حرب إبادة شاملة  وهي إما انها تنوي احتلاله أو تقطيع أوصاله وتهجير سكانه اما القدس فقد اعلنتها إسرائيل عاصمتها "الأبدية" وأيدتها الولايات المتحدة في ذلك. 

فأين ستقام الدولة الفلسطينية؟ مع أن حل الدولتين هو في مصلحة إسرائيل أكثر من الفلسطينيين فهي ستسيطر بشرعية جديدة على معظم أرض فلسطين التاريخية وستبقي مسيطرة أمنيا، حسب شروطها، على الدولة الفلسطينية المفترضة، ومع ذلك فإن إسرائيل غير مستعدة لحل الدولتين لأن منهجها هو منهج المبادلة الصفرية : ومآل هذا المنهج أن أرض فلسطين لا تتسع إلا لدولة واحدة، وقد تجلى ذلك في سلوك الإسرائليين مع الفلسطينيين إذا يعاملونهم بصفتهم ليسوا بشرا وقد اتضح ذلك من خطاب المسؤولين الإسرائليين خلال إعلان عدوانهم على غزة إذ وصفوا سكان غزة بانهم حيوانات البشرية. 

إذا كان المفكر الفلسطيني وائل حلاق يتحدث عن الدولة المستحيلة نظرا لصعوبة مواءمة  مفهوم الدولة الحديثة للفكرة الإسلامية -حسبما يرى -التي تنهض على مفاهيم مغايرة تماماً، وتتكئ في مجملها على فكرة الحكم الإسلامي القائم على البعد الأخلاقي، فإن هذه الاستحالة تناسب أكثر ما يسمى حل الدولتين لظروف موضوعية وواقعية، وخاصة بسبب أن إسرائيل تفتقد أبسط المقومات الأخلاقية والقيمية في تعاملها مع الفلسطينيين ومع غيرهم وإن كان قادتها يدعون أن جيشهم هو الأكثر أخلاقية ضمن جيوش العالم لكن صور أشلاء أطفال غزة تؤكد عكس ذلك تماما..

هذه الحل - حل الدولتين كل أحد يتحدث عنها ولا احد يريده فلا الفلسطينيون يرونه يلبي  الحد الأدنى من حقوقهم ولا إسرائيل على استعداد لهذا الحل لأنها ترى أن كل فلسطين هي أرض لليهود، أما العرب فغير راغبين أو غير قادرين على الضغط بشكل جاد للوصول إلى  اقل الحقوق الفلسطينية.

أما الغرب فليس له سوى بعض التصريحات السياسية الإعلامية وإن أحسنوا قدموا بعض المساعدات للفلسطينيين خدمة لأمن إسرائيل ويكررون قبل ذلك وبعده حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مع إدانتهم المستمرة لأعمال المقاومة لأنهم يرونها أعمالا إرهابية. 

هذا الحل يعترف الجميع باستحالته عمليا وقد أفشله ووأده الإسرائليون والغربيون الذين يكررون رياء تمسكهم به، فأنى لحل الدولتينن، مع كل هذا أن ينهض أويستقيم؟

 

16 December 2023