وزير الزراعة الجديد: جزء من الحل أم جزء من المشكلة؟

عرف مقعد وزير الزراعة خمسة وزراء، خلال الفترة ما بين 5 يوليو 2019 و5 يوليو 2023، في ظاهرة تكشف تنامي الشعور الحكومي بالمستوى الكارثي لفشلنا الزراعي، الذي ألقى بنا في ذيل دول غرب إفريقيا.

 

فهل سيكون تعيين المهندس الزراعي المخضرم اممه بن احماه الله على رأس وزارة الزراعة بداية لتحقيق موريتانيا نهضة ملموسة في الزراعة على الأرض، أم سيكون مجرد حلقة جديدة من حلقات الزراعة على أمواج الأثير، التي ألفتنا وألفناها؟ وماذا يحيط بالرجل من عوامل النجاح والفشل؟

 

عرفت "صديقي اللدود" اممه منذ 2009، وأقول "صديقي اللدود" لأننا كنا خلال هذه الفترة نمثل موقفين متقابلين في كل اللقاءات التلفزيونية والاجتماعات الرسمية التي كانت تجمعنا، وهي كثيرة جدا.

 

فقد كان الرجل يمثل بصفته مستشارا لوزير الزراعة الموقف الرسمي للوزارة، الذي يرى أنه "ليس بالإمكان أبدع مما كان"، بينما كنت أمثل الجانب الأكثر راديكالية وصراحة، في النقد بين نقابيي القطاع، وهو ما جعل "شعرة معاوية" بيني وبين وزراء الزراعة تنقطع، أو توشك على الانقطاع من حين لآخر.

 

وإذا كنا نقدر الزمالة التي جمعتنا بالوزير الجديد فترة طويلة، فإن لنا في عبارة الفيلسوف اليوناني آرسطو أسوة حسنة، عندما قال: "عزيز علي افلاطون ولكن الحق أعز" مشيرا إلى مخالفته لبعض آراء أستاذه الفلسفية التي أصبح يراها غير صائبة.

 

وقبل أن نتطرق إلى ما قد نعتبره مآخذ على الرجل، جدير بنا أن نشير إلى صفات يتمتع بها الرجل قد تساعده، إذا أحسن استغلالها، في إقناع حكومته بتبني سياسات زراعية جادة تضع حدا للانكشاف الاستراتيجي في موقفنا الغذائي.

 

وهذه الصفات جعلتني كنت أتوقع دخوله أول حكومة يشكلها الرئيس غزواني سنة 2019.

 

فالرجل يتمتع بخبرة طويلة في القطاع، وتقلب في المناصب الأكثر التصاقا بالعمل الميداني في الزراعة.

 

فقد عين مندوبا للزراعة في الترارزة، ومستشارا للوزير مكلفا بالحملات الزراعية طوال سنوات كثيرة، وهو الذي كان يعد التقارير التي تقدم إلى مجلس الوزراء حول مخططات هذه الحملات، وما تتطلبه من اعتمادات، وما يتوقع منها من نتائج.

 

كما تولى ابن احماه الله الأمانة العامة لوزارة الزراعة قبل أن ينتقل إلى الإدارة العامة لشركة صونادير.

 

وهو يتمتع بقدرة عالية على الإقناع، وهي قدرة كان وزراء الزراعة يستغلونها في أوقات الضيق؛ سواء في اللقاءات التلفزيونية مع منتقديهم، أو في الاجتماعات مع المزارعين، أو مع مسؤولي القطاعات الحكومية المرتبطة بالتمويل.

 

هذا بالإضافة إلى تمتع الرجل بقدر ملحوظ من سعة الصدر مع الرأي المخالف، وقدر من برودة الأعصاب لا تخطئه العين.

 

ويتمتع اممه، بالإضافة إلى هذا، بشخصية قوية، وجرأة في طرح آرائه على رؤسائه.

 

لكن قطاعا عريضا من المزارعين في شمامه يحملون الوزير الجديد، جزئيا على الأقل، مسؤولية السياسات المتخبطة في القطاع، وذلك بحكم موقعه في مطبخ وزارة الزراعة، الذي رسم هذه السياسات، ونفوذه الكبير على وزراء القطاع.

 

ففي عهد مسؤولية ابن حماه الله عن الحملات الزراعية تم اعتماد توزيع الوزارة بذورا للأرز غير صالحة تم شراؤها من تجار مصانع تقشير الأرز مما أسفر عن تلويث المزارع ببذور الأرز البري، ومختلف الأعشاب الضارة، وهي ظاهرة ما يزال المزارعون يدفعون فاتورتها الثقيلة حتى اليوم.

 

كما تم في هذه الفترة ذاتها اعتماد التوصية بخمسة لترات فقط من مبيدات الأعشاب للهكتار، خلافا لكل التوصيات الفنية التي تنص على استخدام كمية تتراوح بين عشرة لترات وثلاثة عشر.

 

وما زالت الوزارة حتى اليوم، تصر على هذه الكمية الضئيلة من المبيدات، مما نتج عنه انتشار الأعشاب الضارة في المزارع، وتراجع المحاصيل، وهي المشكلة التي اعتبرتها إحدى الدراسات الفنية السبب في هجر ثلث المزارعين لمزارعهم، بعد أن تراجعت مردوديتها.

 

ومن ناحية أخرى ظل - وما يزال - مشروع الواحات الذي كان اممه يترأس مجلسه التوجيهي "دولة بين الأغنياء" من أصحاب النفوذ، وإكراميات للسياسيين والوجهاء، لا تصل إليه أيدي سكان آدوابه، وغيرهم من المستضعفين، الذين لا يستطيعون ضربا في أرض الوجاهة والسياسة.

 

كما ظل هذا المشروع يصرف القروض التي تأخذها الدولة في مناطق لم يجر فيها أي سبر لطبقات التربة، وهو ما يتناقض مع أبجديات الطرق العلمية لزراعة الفاكهة، المقررة في مناهج كليات الزراعة، عبر العالم.

 

وببساطة، هنالك، في أوساط المزارعين، من يعتبر ابن احماه الله أحد مهندسي الفشل الذي ميز السياسات الزراعية الموريتانية خلال الفترات الماضية. وهم يعتمدون في ذلك الحكم على موقعه المتميز داخل دهاليز وزارة الزراعة، ونفوذه الكبير على وزراء القطاع.

 

أما الآن، وقد أصبح اممه صاحب القرار، لا مجرد معاون، فإن خطواته التالية هي التي ستسمح لنا بإصدار حكم بات، ونهائي عليه.

 

فإما أن تسيطر عليه الثقافة السائدة بين مهندسي هذه الوزارة، والمتميزة بضبابية الرؤية الزراعية، وانخفاض سقف الطموح عند رسم سياسات القطاع، وبذا يختم الرجل الموشك على التقاعد حياته المهنية بفشل مهين، بعد أن يصبح، وهو المهندس المخضرم، الذي لاذت به الحكومة لإنقاذها من التخبط في سياساتها الزراعية يصبح مجرد حلقة من حلقات زراعة الكذب، التي أبدعت فيها حكوماتنا المعاقبة.

 

وإما أن يحزم أمره، ويستجمع شجاعته، ويقدم لحكومته تقريرا صريحا ومؤلما، يقارن بالأرقم بين الوضع البائس لبلادنا، والقفزات الكبيرة التي حققتها دول الجوار في إنتاجها الزراعي، كما يقارن بين الانفاق السخي لدول الجوار على الزراعة والإنفاق الهزيل لموريتانيا عليها، (راجع لهذه المقارنات مقالنا على جوجل: موريتانيا تنتحر: نصف ميزانية الدولة واردات غذائية).

 

وينبغي أن يشير التقرير إلى الفاتورة الضخمة لوارداتنا الغذائية التي تصل إلى ما يقرب من نصف ميزانية الدولة.

 

على أن يرفق التقرير بالخطوط العريضة لخطة طموحة، تحقق لموريتانيا سيادتها الغذائية خلال بضع سنين.

 

فإن وجد وزير الزراعة الجديد أن حكومته "من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه" مضى في تنفيذ خطته، أما إن أخذتها العزة بالإثم فالاستقالة تسعه، وفي كلا الحالتين سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه، إما بصفته أول وزير زراعة ينجح في أن يحقق لموريتانيا سيادتها الغذائية، وإما باعتباره أول موريتاني يرفض أن يكون وزيرا لزراعة الكذب.

 

أما نحن، فإن ما نستطيع أن نساعد به "صديقنا اللدود" في مهمته "الانتحارية" هذه هو مواصلة تعرية عورات سياساتنا الزراعية الكارثية، سواء كان المسؤول عنها اممه أو غيره، لأن فشلنا الزراعي أصبح يشكل خطرا على الاستقرار والسلم الاجتماعي في بلادنا.

 

فدولة فقيرة مثقلة بالديون تنفق ما يقابل نحو نصف ميزانيتها السنوية في استيراد الغذاء هي دولة سائرة في طريق الهاوية.

 

فهل سننقذ بلادنا قبل أن "يقع الفأس في الرأس" فنندم ولات حين مناص، أم على قلوب أقفالها؟ 

 

اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكنا نسألك اللطف فيه..!

 

يحيى ين بيبه - رئيس رابطة التطوير والتنويع الزراعي

 

12 August 2023