عملية تشويش

نادرا ما تكون ردّة الفعل السريعة فكرة صائبة. كذلك فإن طبعي لم يدفعني إليها أبدا عندما يتعلّق الأمر بخرجة إعلامية مثيرة للجدل خاصّة إذا جاءت من شخص دمث الأخلاق رغم سمعته المكيافيلية الراسخة ضمن عالمنا السياسي المصغّر.

 

لكن يجب أن أعترف أن الخرجة الأخيرة لمحمد فال ولد بلّال أثارت دهشتي على الأقل، ما صعّب عليّ مقاومة محاولة دخول النقاش الذي اقترحه، وذلك لأن قراءة نصّه يثير أسئلة تآمرية، لا سيما حول اختيار وقت تقديم هذه المقترحات التي طفت فجأة على السطح دون أسباب سياقية ظاهرة.

 

لا شك أنه كان يدرك أن التلويح بشبح الإرث الإنساني سيثير ردود فعل تلقائية خاصّة أنه صرّح من البداية قائلا "لا أقترح حلا للمسألة ولا يمكنني ذلك". (المصدر: نحن.. والإرث الإنساني/محمد فال ولد بلّال/موقع الأخبار بتاريخ 31 ديسمبر 2022).

 

وهكذا فإنه مع هذه البداية السيئة للسباحة في هذا الموضوع فأي معجزة ستمكّنه من الوصول لهدفه أو نجاح محاولته التي حدّد هدفها بــ"فتح الباب أمام مناقشة الحل بجدّية وصدق وصراحة، والتطلع لإثارة مبادرة جديدة بخصوص هذا الملف". (المصدر السابق).

 

عملية تشويش كهذه، حول موضوع يود البعض أن يراه مدفونا في ثنايا الذاكرة الجماعية، لن يكون لها من تأثير سوى أن تندرج ضمن جوقة متنافرة ترتهن طبقتنا القيادية وتضع الرأي العام في حالة ترقب دائم.

 

والحال هذه؛ فما الذي يرمي إليه ولد بلّال حقيقة سوى أن يُظهر أنه على اطلاع تام، أكثر من غيره، بأبعاد هذا الملف الوطنية والدولية؟ هل يريد أن يقدم نفسه إذن كمرشح جديّ لخلافة ولد بوحبيني على رأس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، في حال أرادت السلطات العمومية أو أُجبرت على اتخاذ قرار كهذا؟

 

هل تعني "المبادرة الجديدة" التي تم إبرازها أعلاه ديناميكية جديدة تتميز بالطاعة الثابتة تجاه هذه السلطات، على عكس الموقف المتعنت المنسوب إلى الرئيس الحالي للجنة المذكورة؟

 

وإذا كانت هذه الرغبة ليست سوى مجرد تصور غير مؤسس؛ فلماذا يريد الكاتب أن يفتح نقاشا في هذا الوقت بالذات حول أحداث متلاحقة مؤلمة من تاريخنا القريب تجمع أكثر مما تفرق؟

 

ومع ذلك، من المثير للغاية على المستوى الفكري، هذه الرغبة في إبقاء الذاكرة الجماعية في حالة تشويق، لكن الأمر لا يعود إلى السياسي للضغط على الماضي المؤلم لمجموعة ما يؤدي حتمًا إلى وصم مجموعة أخرى بجعلها مسؤولة بشكل جماعي، لا سيما في جمهورية أو دولة تدّعى أنها دولة قانون وتحت سلطتها وقعت الأحداث المعنية.

 

على الرغم من أن هذه الأحداث نوقشت على نطاق واسع وكانت بالفعل موضوع العديد من المطالبات المعلنة هنا وفي أماكن أخرى، وفي جميع الهيئات المعنية، لأكثر من عقدين، حتى تحولت في هذه المرحلة إلى مطالب متكررة للغاية وربما ميؤوس منها، لأن المسؤولية تم شطبها بالعفو.

 

على أي حال، مهما كانت دوافعه الخفية، ميكافيلية أو صادقة، فإن النقاش الذي يود ولد بلال أن يفتحه سوف يتم رفضه بسبب عدم اهتمام السلطات العامة ولن يجد صدى لدى الرأي العام الذي ينشغل باهتمامات أكثر إلحاحًا في سياق صامت من الاستياء العام.

 

أحمدو ولد المصطفى

 

14 January 2023