ثلاث سنوات من حكم ولد غزوانى/ بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن

فى المجال السياسي استطاع الرئيس غزوانى صنع تهدئة مع المعارضة مكنت من التقليل من الاحتجاجات فى الشارع و قللت أيضا من الاحتقان فى خطاب المعارضة،غير أن توقيف التشاور بدأ يحرك الامتعاض لدى بعض الأطراف المعارضة،رغم أن إصرار البعض على نقاش بعض الملفات المثيرة للجدل ليس مقنعا لدى أوساط معتبرة من الموريتانيين،و خصوصا ملفي الإرث الانساني و الرق،و عموما ظلت فى الأغلب الأعم العلاقة بين الموالاة و المعارضة هادئة فى السنوات الثلاث المنصرمة من هذه العهدة الرئاسية.
و فى الميدان الإعلامي رغم عدم تطبيق الإصلاحات فى هذا المجال و رغم تمرير قانون حماية الرموز المثير للجدل،إلا أن حرية الصحافة لم تتمكن الجهات المتبرمة منها،من الحد منها،و أدت الظروف المادية و كساد سوق الإعلام الورقي،لتركيز الكثير من الزملاء على الفضاء الألكتروني،كما انتشرت المنصات الألكترونية،و أصبحت الفوكالات طريقة سريعة لتداول الأخبار و التعبير عن مختلف الآراء السياسية و الاجتماعية و غيرها.
و مع الواتساب و فوكالاته المنتشرة أصبحت الكثير من الملفات و الفضائح سهلة التناول و سريعة الانكشاف.
و على الصعيد الاجتماعي بدأ يعانى المجتمع الموريتاني من احتمال التأثر العميق بصعود الأسعار و البطالة و المعطيات الدولية،مثل آثار كورونا و حرب أوكرانيا،و جاءت زيادة سعر الوقود لتتوج هذه التحديات الاقتصادية و الاجتماعية،و رغم ما تبشر به "تآزر" و تبذل من جهود فى أوساط الفقراء،إلا أن آثار كورونا و الحالة العالمية و زيادة الوقود يتوقع أن تزيد من معاناة المواطن الموريتاني و خصوصا الفقير،و قد أثرت هذه الأوضاع على ملامح الطبقة المتوسطة،حيث بدأت تضمر و تضيق،و هي صمام أمان و توازن بين الأقلية الباذخة و الأغلبية المحرومة.
و على الصعيد الأمني تراجعت نسبيا أعمال السرقة و القتل و الاغتصاب،رغم أنها مازالت تمثل تحديا مزمنا.
و فى باب المحاكمات و ادعاء الحرب ضد الفساد،ظل تعيين المفسدين من الاعتراضات ضد نظام ولد غزوانى،و أصدرت المحكمة أحكام براءة بحق بعض رجالات نظام العشرية،حازوا أموالا طائلة و اشتهروا بملفات مثيرة،و أخيرا رجعوا للرئاسة ،حيث عين بعضهم فى وظائف عالية فى مؤسسة الرئاسة،و بقي بالدرجة الأولى الرئيس السابق،محمد ولد عبد العزيز هو المستهدف قضائيا،و إن كان امتلاكه لثروات ضخمة يبرر مساءلته،دون أن يكون التركيز عليه وحده،منصفا على رأي البعض.
فمحاربة الفساد ملحة و استعجالية و قد ردت للمال العام بعض هيبته،إلا أنها تجرى بطريقة لا تخلو من الانتقائية و التناقض.
إن إعادة تعيين من اتهموا لا يشجع على الحكم بجدية هذا المسار،لأن مجرد الاتهام لا ينبغى أن يعود صاحبه بسهولة لمجال الثقة،لكنها موريتانيا و طريقتها الخاصة،المتأثرة بالمعطيات القبلية و الجهوية و المصالح الانتخابية.
و رغم إصدار القانون التوجيهي لإصلاح القطاع التربوي،و رغم محاولات الإصلاح التعليمي المتعددة،إلا أن الخلاف مازال يطبع هذا المجال،و ليس من الغريب فى الأفق المنظور أن تتأكد كل الجهات أن تعليم و تعميم اللغات الوطنية لا معنى له و لن يكتب له النجاح،لأنه باختصار يشكل فائضا لغويا،لن يساهم إلا فى الإرباك و صرف الكثير من المقدرات البشرية و المادية،فى وجه غير ضروري و غير مقنع،و هو أمر سيزيد العملية التربوية الموريتانية تعقيدا و تعثرا.
و فى المجال الصحي رغم عشرات ضحايا كورونا،تجاوزنا لله الحمد إلى حد معتبر هذه الموجات الوبائية المتتالية،و قد استغرب الكثيرون تعيين جمركي سابق و كاتب صحفي على رأس وزارة الصحة،و مازالت الأدوية تحتاج المزيد من الجودة عند الاستيراد،و إن كانت استيرادات "كامك" تحظى برضا المستهلكين و شهادة الخبراء الدوائييين.
و تحتاج الزراعة من أجل خطوات معتبرة نحو الاكتفاء الذاتي للمزيد من الجدية و محاولة تحويل الشعارات المعلنة إلى واقع،رغم أهمية ما عبر عنه الرئيس من اهتمام كبير بالزراعة المطرية و المروية،إبان خطابه الافتتاحي للحملة الزراعية، لسنة 2022-2023 بتامشكط.
و بالنسبة للبنية الطرقية تعثر بناء جسر شارع المقاومة و أصبح ذلك الإغلاق شمال نواكشوط بتيارت معرقلا لجزء معتبر من الحركة المرورية،كما أن طريق أكجوجت -أطار مازال يحصد الضحايا لتدنى حالته، منذو سنة تقريبا،دون إصلاحات ذات بال،و كذلك طريق نواذيبو و أجزاء معتبرة من طريق الأمل،و عموما شبكة الطرق بحاجة ماسة للمراجعة،و خلال هذه السنوات الثلاث كانت منشآت البنية الطرقية متباطئة،رغم ما يدعى من تقدم جسر "باماكو" بمقاطعة الرياض بنواكشوط،و ما زال جسر العبارة بروصو،الرابط بين ضفتي النهر،مجرد مشروع ينتظر التنفيذ،رغم انطلاق الأشغال بصورة ابتدائية.
و عموما خلال ثلاث سنوات من حكم الرئيس غزوانى اشتدت وتيرة الأسعار و تعقدت الحالة الاجتماعية و تحتاج الوضعية المعيشية للناس لمضاعفة الجهد على الزراعة و مختلف القطاعات المدرة للدخل و يلاحظ أن قطاع التنقيب الأهلي للذهب ساهم نسبيا فى تخفيف البطالة،بينما التنقيب الصناعي عن الذهب مردوده كبير لصالح المستثمرين الأجانب و نتيجته رمزية على الوطن و ساكنيه!.
و رغم هدوء ولد غزوانى و مسالمته إلا أن ظروف موريتانيا و الموريتانيين تحتاج للمزيد من التغيير نحو وضع مقبول،قبل فوات الأوان.
فثروات البلد عديدة و الغاز ينتظر استخراجه فى السنوات القادمة،إلا أن سوء التسيير و عدم تساوى الفرص يعتبر معوقا حقيقيا أمام تحسن الأحوال.

 

29 July 2022