المؤثرون
برت فلم أعد أغامر كثيرا، تنازلت عن بعض هواياتي الرائقة - على الأقل بالنسبة لي - لم أعد أستمتع بالسير منتصف الليل في الشوارع الخلفية قرب سفارة المغرب القديمة وأنا أسترق السمع لذلك الحارس السبعيني أثناء تشغيله لإذاعة موريتانيا، كثيرا ما اتفق مروري قرب الحارس مع سيداتي ولد آب وهو يغني عبر الراديو في "لبياظ" لابن الفارض :
حديثه أو حديث عنه يطربني *** هذا إذا غاب وهذا إن حضرا
كلاهما حسن عندي أسر به *** لكن أحلاهما ما وافق النظرا
الآن، وبعد سنوات من آخر رحلة عبر تلك الدروب السعيدة أكاد أختنق مللا وأنا أجلس تقريبا في ذات التوقيت على كرسي أمام طاولة بأحد مقاهي نواكشوط أسامر هاتفي الذكي .
ذكاء هاتفي لا يعني بالضرورة ذكاء ما يصطاده لي حين نبحر معا في وسائل التواصل الاجتماعية بنسختها الموريتانية .
في الفيس بوك تجتمع البذاءات والقذف والنعرات القبلية والجهوية في كيس من الأخطاء الإملائية مربوط بتاء الفعل تتطاير فيه الهمزة بطريقة لا تراعي ما اتفقت عليه العرب .
وفي جزيرتي السناب شات والتيكتوك الموريتانيتين يحرص "المشاهير" على زيارة صالونات الفيلتر التجميلية قبل الظهور لمتابعيهم كما يحرصون بذات الانضباط على قول لازمتهم المعهودة "هاي كايز".
يروج معظم هؤلاء المشاهير لكل ما يحاربه الأطباء من أكل غير صحي، ومن مستحضرات تجميل مسرطنة، وبين الفينة والأخرى يخترعون لأنفسهم فضيحة أو مشاجرة لزيادة عدد المتابعين .
لو كنت من أنصار نظرية المؤامرة لذهبت إلى الرأي القائل بأن معظم مشاهير التواصل الاجتماعي في موريتانيا يحاربون قيم المجتمع و أخلاقه وعاداته الجميلة، فمن وقت لآخر يطالعنا في الفيس بوك مدون يتحدث بشكل غير لائق عن فقهائنا وعلمائنا ومحاظرنا، وفي الفيس بوك أيضا يقنعنا المدونون بأن كل موظف فاسد وسارق مما قد يربط في أذهان المراهقين والشباب بين العمل الحكومي وبين الثراء السريع، أما في السناب شات والتكتوك فتُرسم للمعلم والمتعلم صورة كادرها الفشل وألوانها السخرية، بينما يكفي فقط ليصبح أحدهم نجما أن يصور أمام مقود سيارة فارهة، أو في مطار أجنبي، أو في مطعم وهو يتناول فطوره بطريقة بدوية .
لندع نظرية المؤامرة جانبا، لكن لا يمكننا أن نعتم على حقيقة مفادها أن أهل نواكشوط إلا من رحم ربي يعانون من مرض معد يسمي بسوء الذوق .
سوء ذوق في الملبس وفي توقيت اللباس حين يذهبون إلى البحر بلباس الحفلات الاجتماعية، ويذهبون إلى المسجد بلباس النوم، ويذهبون للمكتب بلباس المقهى، وللمقهى بلباس المكتب، وفي الصيف يحرصون على لباس الشتاء .
سوء ذوق في المأكل، فنحن من بين العواصم العربية القليلة التي تتزاحم فيها العائلات وقت العشاء عند المطاعم وسط الأسبوع، ونحن تقريبا الشعب الوحيد الذي يأكل المشوي بعد منتصف الليل متبوعا بالمشروبات الغازية، وذلك طيلة أيام الأسبوع .
سوء ذوق في السيارات، فسيارتنا رغم أنها غالية إلا أنها تخالف تماما قائمة السيارات المتعارف عالميا على جودتها ورفاهيتها، أذكر في هذا المجال أن بعض الشباب الأثرياء من نواكشوط اختاروا سيارة هي القمة عندنا للذهاب إلى الدار البيضاء وأمام مكان راقي في كازا طلب الحراس من الشباب أن يركنوا سيارتهم بعيدا عن صف السيارات الفارهة لأنها ببساطة سيارة سفر في البراري والصحراء، وليست سيارة أماكن راقية .
ما زالت في جعبتي أمثلة على ذوق النواكشوطين، ولكني لا أريد الإكثار عليك عزيزي القارئ فقط القطرة التي أفاضت الكأس والقشة التي قصمت ظهر البعير هي أن يستقبل معالي وزير تمكين الشباب في بداية مأمورية الشباب مجموعة من هؤلاء المؤثرين وكأنه باسم الدولة معجب بمحتوياتهم، ويريد لها أن تكون مثالا يقتدي به الشباب الموريتاني .
أتمنى أن يكون مقالي هذا مليئا بالأخطاء .
بقلم بابه ولد يعقوب ولد أربيه - مهندس في مجال المياه والصرف الصحي