بعد 60 عاما على "زيارة شوان لاي".. إفريقيا والصين تعاون مثمر وتحديات متزايدة

د. يربان الحسين الخراشي

قبل 60 عاما، شكلت الجولة الإفريقية لرئيس الوزراء الصيني تشو أن لاي، والتي شملت 10 دول محطة تاريخية هامة أرست دعائم العلاقات الصينية الإفريقية، ففي مصر أعلن عميد الدبلوماسية الصينية عن المبادئ الخمسة للعلاقات بين الصين وإفريقيا والعالم العربي، كما أعلن من مالي عن المبادئ الثمانية للمساعدات الخارجية الصينية، أما من الصومال فقد أعلن أن "إفريقيا جديدة مستقلة ومزدهرة يجب أن تظهر للعيان". وبعد عودته من الزيارة الأولى من نوعها، تحدث تشو أن لاي في تقريره أمام مجلس الشعب الصيني عن الخطوط العريضة الكبرى لسياسة بلاده تجاه إفريقيا، والتي تمحورت حول أربعة مجالات رئيسية للتعاون، شملت تعزيز الوحدة والتضامن الآسيوي الإفريقي، ودعم إفريقيا بشكل شامل، والالتزام بمبادئ الاحترام المتبادل والمعاملة المتساوية، بالإضافة إلى تعزيز التبادل الثقافي والتواصل الشعبي. اليوم ما تزال هذه المحاور تتمتع بأهمية توجيهية كبيرة في المستقبل الواعد للعلاقات المشتركة، وذلك رغم تعقيد الوضع العالمي الراهن والتحديات المتزايدة التي تواجهها.

 

(1)

مستقبل واعد

كان تعزيز الوحدة الآسيوية الإفريقية الهدف الاستراتيجي الأول للزيارة، وخاصة تعزيز الوحدة الصينية الإفريقية، وقد تم إنشاء العديد من منصات وآليات التضامن والتعاون الآسيوي الإفريقي، وخاصة التعاون الصيني الإفريقي، حيث أصبحت اليوم 53 دولة إفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين بدل 12 دولة أثناء الزيارة، كما باتت إفريقيا القارة الأكثر مشاركة بنشاط في مبادرة الحزام والطريق بعد انضمام 52 دولة، وقد دفعت الصين بقوة من أجل التوسع التاريخي لمجموعة البريكس، حيث وصل التمثيل الإفريقي فيها إلى ثلاثة دول يمثلون شرق إفريقيا وشمالها وجنوبها، هذا بالإضافة إلى أن إفريقيا باتت ممثلة في منظمة شنغهاي للتعاون عن طريق مصر بصفتها شريك حوار، والأهم من ذلك إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة أو علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين وحوالي 30 دولة إفريقية، وانضمام أكثر من 20 دولة إفريقية إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.

 

اليوم وبعد مرور ستين عاما، ما يزال تعزيز الوحدة الآسيوية الإفريقية المهمة الأساسية للتعاون الصيني الإفريقي، وما تزال المبادئ الأساسية للوحدة الآسيوية الإفريقية قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام خصوصية البلدان، ولكن في سياق جملة التوترات الجيوسياسية التي تجتاح العالم قد يكون من المهم وجود توازن بين عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واللامبالاة وغض الطرف عن جرائم الحروب والإبادات الجماعية والتطهير العرقي. أما على مستوى تطوير الاقتصادات الوطنية فقد تحسن مستوى التنمية في آسيا وإفريقيا بشكل ملحوظ مع تفاوت كبير، حيث أصبحت آسيا صاحبة أكبر اقتصاد في العالم بحجم ناتج محلي إجمالي يصل إلى حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بينما تساهم إفريقيا بأقل من 3%، وقد ساهم  تطور التعاون الآسيوي الإفريقي في بروز قوى جديدة تعتبر الصين أبرزها نتيجة لتحقيقها لمعجزة الصعود السلمي، التي كسرت أسطورة التحديث يساوي التغريب، ومكنتها في أقل من 70 عاما من قطع الطريق التي قطعها الغرب في أربعة قرون محققة بذلك التحول من مجتمع زراعي إلى مجتمع رقمي، ومن دولة تساهم بأقل من 1% في حجم الناتج الصناعي العالمي في الأربعينيات من القرن الماضي إلى دولة تشكل مصنع العالم، وتستحوذ على أكثر من 30% من حجم  الناتج الصناعي العالمي، وفي الواقع لم يعد التحديث الصيني النمط مجرد مثال لإفريقيا تستلهم منه الدروس، بل أصبح أيضًا قوة دافعة لتعزيز التحديث الإفريقي النمط، وهو ما بات يفتح الطريق أمام مستقبل واعد وشراكة حقيقية جنوب جنوب تساهم في ميلاد منظومة عالمية جديدة أكثر شمولية وعدالة وفعالية.

 

(2)

تعاون مثمر

المتابع لمسيرة العلاقات الصينية الإفريقية يرى أنها بدأت مع تأسيس منتدى التعاون الصيني الإفريقي تأخذ مسارا جديدا، فمنذ نشأة المنتدى تطور حجم التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا بشكل كبير، حيث قفز من 10.6 مليار دولار سنة 2000  إلى 282.1 مليار دولار سنة 2023، وظلت الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا لمدة 15 عاما على التوالي، ومع ذلك ما تزال التجارة مع إفريقيا تمثل 5% فقط من إجمالي التجارة الخارجية للصين، كما شهدت الاستثمارات المباشرة الصينية في أفريقيا قفزة كبيرة، حيث انتقلت من 50 مليون دولار سنة 2000 إلى أكثر من 40 مليار دولار بحلول نهاية عام 2022، وحاليا هناك أكثر من 3000 شركة صينية تستثمر في إفريقيا، وخلال السنوات الأخيرة حدثت تغيرات هيكلية في طبيعة التجارة البينية، حيث زادت صادرات الصين من مركبات الطاقة الجديدة، وبطاريات الليثيوم إلى إفريقيا بواقع 291%، و109% على أساس سنوي، كما زادت صادرات المكسرات والخضروات الإفريقية إلى الصين بنسبة 130%، و32%، وأصبحت الصين ثاني أكبر وجهة لصادرات المنتجات الزراعية الإفريقية، ولعل تزايد المناطق الصناعية الصينية في إفريقيا ميزة جديدة لتعاون رابح - رابح الصيني الإفريقي، حيث باتت تساهم في نقل التكنولوجيا وتفتح الباب أمام توطين الصناعة في إفريقيا، وخلق المزيد من فرص العمل للقارة الشابة، إذ توجد حاليا حوالي 25 منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجاري في 16 دولة أفريقية، منها على سبيل المثال لا للحصر المنطقة الصناعية الصينية في مدينة العين السخنة بمصر، ومنطقة الصناعية الشرقية على بعد 40 كم جنوبي العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، ومنطقة هيسنس الصناعية بجنوب أفريقيا، كما توسعت مجالات التعاون في مجالات الاقتصاد الرقمي، والاقتصاد الأخضر منخفض الكربون، والخدمات المالية باستمرار، مما بات يضخ حيوية جديدة في التعاون التجاري والاقتصادي بين الصين وإفريقيا.

 

(3)

تحديات متزايدة

بشكل عام يواجه التعاون الصيني الإفريقي تحديات متداخلة على رأسها التحديات الخارجية، التي تعكس الصراعات الراهنة والتغيرات الجارية في موازين القوة على الصعيد العالمي، حيث أصبحت إفريقيا، التي كانت في السابق على الهامش مركز التنافس والصراع  بين القوى الكبرى، وقد استضافت العاصمة الأمريكية النسخة الثانية من القمة الأمريكية الإفريقية نهاية 2022 وذلك بعد مرور 8 سنوات على القمة الأولى، وتعهدت واشنطن بتقديم 55 مليار دولار إلى إفريقيا على مدار ثلاثة أعوام ؛ وخلال العام الجاري نظمت دول متعددة مثل إيطاليا، وكوريا الجنوبية، وبريطانيا، والهند قمماً متعلقة بإفريقيا، وأدى ذلك إلى تكثيف جهود القوى الكبرى الخارجية لجذب إفريقيا والتنافس عليها، مما بات يشكل تحدياً إضافياً لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي. أما التحديات الداخلية فهي تداعيات طبيعية للمكانة الجديدة التي باتت تحتلها كل من الصين وإفريقيا في الاقتصادي العالمي، قبل 24 عاما عند تأسيس منتدى التعاون الصيني الإفريقي كان نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الصين وإفريقيا متقاربا لكن بحلول عام 2023 تجاوز نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الصين ستة أضعاف نظيره في إفريقيا، ولعل التحدي الأكبر يأتي من إفريقيا نفسها، ففي الوقت الذي تتبنى فيه الصين استراتيجيات دقيقة وواضحة الأهداف في كل المجالات تفتقر إفريقيا إلى التفكير الاستراتيجي الإقليمي أو الموحد للقارة كلها تجاه الصين. وقد تكون الدورة الرابعة لقمة منتدى التعاون الصينى الإفريقي (فوكاك) التي ستعقد في بكين مطلع الشهر القادم فرصة للارتقاء بالعلاقات الصينية الإفريقية من علاقات المساعدات إلى علاقات الشراكات والتنمية الصناعية وتطوير سلاسل القيمة الإفريقية خاصة بعد إعلان الصين مؤخرا عن مبادرة لدعم التصنيع في إفريقيا، وأخرى لدعم التحديث الزراعي وتدريب الكوادر الإفريقية، وهو ما قد يؤسس لمرحلة جديدة من البناء لمجتمع المصير المشترك الصيني الإفريقي العالي المستوى.

 

26 August 2024