حديث قد يهم وزير الخارجية
قبل أن أخوض يا معالي الوزير في موضوع سياستنا الخارجية أستطيع بشكل آمن أن أقول لكم باسمي وباسم عامة الشعب الموريتاني إن القضية الفلسطينية هي قضية كل موريتاني، وبالتالي فدعم الأشقاء في فلسطين ثابت أساسي وركن هام من أركان سياساتنا الخارجية مهما تغيرت الظروف والأنظمة.
معالي الوزير،
رغم عدم الاختصاص، إلا أنني أعرف أن رسم السياسات الخارجية هو اختصاص دستوري حصري لرئيس الجمهورية، لكن رسم هذه السياسات يحتاج إلى مستشارين مختصين من ذوي الخبرات في الأمن والاقتصاد والعلاقات الدولية، بل يحتاج كذلك إلى التعاون مع مراكز الدراسات والبحوث، وهو أمر من شأنه أن يبعد دبلوماسيتنا عن الارتباك والتهور والمزاج في تبديل المواقف، كل هذا بالإضافة إلى الدور الذي ينتظر منكم يا معالي الوزير والذي يتمثل أساسا في:
- الحضور البارز والمرموق لكل الأنشطة الدولية التي تعزز الأمن والسلم والتعاون الدولي،
- اليقظة الدبلوماسية، وذلك بالاختيار النوعي والتكوين المستمر لأفراد البعثات الدبلوماسية، وبالتالي الرفع من جاهزيتها وتطوير قدراتها لتواكب نظيراتها من بعثات الدول المتحضرة،
- الحرص التام على المشاركة الفعالة في حفظ السلام، والتدخل الايجابي لحل الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية،
- الادراك الجيد للإمكانيات والاستغلال التام للفرص مثل رئاسة الاتحاد الإفريقي، والجامعة العربية من أجل أن تظهر دبلوماسيتنا بشكل لائق في المحافل الدولية،
- التملص بحذر شديد من كافة الضغوط التي تمارسها مختلف الاتجاهات السياسية والإديولوجية على سياساتنا الخارجية،
- الاهتمام الحقيقي بجالياتنا في الخارج، وتقريب الخدمات الإدارية والقنصلية منها، وجعل أفرادها يفتخرون بجواز السفر الموريتاني.
معالي الوزير،
لدي حدس يفتقر إلى أبسط دليل، لكنه حدس طالما ألح علي بأن تعيين السفراء في بلدي يشبه شراء "الفاست فود" بعد منتصف الليل لمن فاته العشاء الوزاري، وبعبارة أخرى يعتبر منصب السفير عندنا تعويضا عن حقيبة وزارية أو مكافأة ما قبل التقاعد لوزير آخر، بينما هنالك في مكان ما من خيالي صورة أخرى للسفير تُظهره رجلَ دولة له إلمام بالاقتصاد والقانون الدولي والتاريخ، وله ذوق جيد في الشعر والموسيقى والعطور والطعام، رجل ( أو سيدة) يجيد الانصات والاستماع مثلما يجيد إثارة الانتباه وجذب الاهتمام إن هو أراد الحديث، يعرف أصول البروتكول وفن الإتكيت، يقرأ جيدا ويتكلم على الأقل ثلاث لغات، ويستطيع نسج علاقات مع المجتمع المدني والصحافة وكبار المثقفين وأصحاب القرار في البلد الذي يعمل سفيرا به، كما يستطيع بكل حرفية أن ينقل للآخرين صورة ناصعة البياض عن مجتمعه وثقافته وتراثه، بالإضافة إلى تسويق إمكانيات بلده السياحية وفرص الاستثمار فيه، وأخيرا، وربما هي الأهم، يستطيع التعامل بكل حزم وحسم دون تهور أو تطرف مع ملفات أمن بلده القومي .
معالي الوزير،
بغض النظر عن الجدل المثار حول الدبلوماسية البرلمانية إلا أنها أصبحت واقعا اليوم، ومن أجل ذلك أرى أن تنسقوا مع فريقكم داخل البرلمان لإنشاء مزيد من مجموعات الصداقة مع دول من مختلف القارات، وفي هذا المجال أيضا يمكن للجان البرلمانية أن تفتح للبلد آفاقا جديدة وذلك بالتعاون مع نظيراتها في بلدان أخرى أكثر تقدما ولنأخذ المجالين البيئي والطاقات المتجددة مثالين على هذا النوع من التعاون.
معالي الوزير،
هنالك نوع آخر من الدبلوماسية أقل إثارة للجدل، يتمثل في الدبلوماسية الشعبية أو الدبلوماسية الموازية، وهو ما يمكن لوزارتكم تشجيعه من خلال تسهيل مهام الهيئات الخيرية وهيئات المجتمع المدني والنقابات من أجل ربط علاقات مثمرة بنظيراتها في الدول الأخرى.
السيد وزير الخارجية، ربما قرأتم في مذكرات السفير الأمريكي "بتروكواروني" وصفه للدبلوماسية بأنها كرسي من الدرجة الأولى في مسرح الحياة، لكنني بالفعل أخشى على دبلوماسيينا أن يتفرجوا من النوافذ أو الأروقة، و في هذا الموضوع أقترح أن - حسب الامكانيات - أن تكون لسفاراتنا تصاميم معمارية أو على الأقل واجهات لها علاقة بمعمار شنقيط وولاته ووادان، وأن تتوفر الإمكانيات المادية واللوجستية التي تجعل بعثاتنا في الخارج لا تشعر بأي نقص أو تقتير.
على ذكر المذكرات يا معالي الوزير، أقترح على وزارتكم تشجيع ودعم السفراء المتقاعدين على كتابة مذكراتهم لتكون مرجعا لكل العاملين مستقبلا في السلك الدبلوماسي.
لقد أكثرت عليكم من الاقتراحات، ربما لا يسمح وقتكم بذلك نظرا للتحديات الجسام والمرتبطة إلى حد كبير بالعامل الجغرافي مثل التغيرات غير الدستورية في بعض دول الجوار وما ينتج عن ذلك من قرارات ارتجالية وتبديل للحلفاء في هذه الدول، وتأثير ذلك على سياساتنا الخارجية، وكذلك الخطر الناتج عن التهريب والهجرة غير الشرعية في ذات المنطقة.
وبالرغم من سياسة الحياد الايجابي الناجحة إلا أننا معنيون بما يجري في الصحراء الغربية، ومعنيون كذلك بالشرخ الأمني المعقد في منطقة الساحل.
وفقكم الله معالي الوزير لما فيه خير البلاد والعباد.