حديث قد يهم وزير تمكين الشباب

بقلم بابه ولد يعقوب ولد أربيه - مهندس في مجال المياه والصرف الصحي

أسند رأسه إلى حائط ما، كأنه طفل أنهكه الجري أثناء فسحة مدرسية، لكنه ليس طفلا وليس شابا - على الأقل حسب البنك الدولي - بل هو على أعتاب الأربعين .
 

ذكّره العابرون لأرصفة الغربة بفوضى طالما عاش تفاصيلها  .
 

تكاثرت عليه الذكريات فابتسم كي لا يبك  !
 

تذكر كيف ترك نواكشوط متعبة مثل معيلات الأسر، ثرثارة مثل السياسيين وسط الحملات الانتخابية، كسولة قد أصابها الروماتيزم من جيرة البحر، قاسية تدخن سجائر غبارها يوم رحيله.

معالي الوزير،

لو أجبرت الإشارةُ الحمراء سيارتكم الوزارية ذات الصنع الصيني أن تتوفق قرب وكالة سفريات يتوافد عليها أمثاله، فماذا أنتم فاعلون كي لا يهاجر هؤلاء عن بلدهم؟ لحد الساعة أنا وأنت يا معالي الوزير لا نعرف شيئا عن ذلك الغريب، ربما هو جامعي درس داخل الوطن أو خارجه وقد اضنته البطالة، ربما لم ينجح أصلا في الباكلوريا الوطنية ذات نسبة النجاح المنخفضة دوما، ربما لم يكمل دراسته الاعدادية أو الابتدائية، ربما هو موظف كان يعيش بطالة مقنعة، لا يهم !
 

معالي الوزير،

في الأدب الحساني تمرين بلاغي يعجب نقاد اليوم، البعض يسميه "التروسي" والبعض يسميه اللف والنشر، ورغم أنه لا يعجبني بل أراه مجرد عدوى أصابت "لغن" من الشعر العربي في عصر انحطاطه إلا أنني سأحاول تطبيقه على فرضياتنا السابقة !
 

معالي الوزير،

لنفترض أن صاحبنا خريج جامعة بتقدير متوسط أو حتى حسن وأنه لا يملك وساطة! لا بد أن صاحبنا شارك منذ تخرجه في كل المسابقات المتاحة، لكنها قليلة بل هي تماما مثل كأس العالم تأتي كل أربع سنوات إلا أن كأس العالم يستقبل فرقا تتجاوز الثلاثين وفي المسابقات الوطنية يكون المطلوب أقل بكثير حتى إن أغلبها تطلب ما بين الواحد والخمسة، في كأس العالم قد يفوز يافع لا خبرة له مثل امبابي 2018 أما في مسابقاتنا وعروض العمل عندنا فشرط الخبرة ملازم لمعظمها لدرجة الشك في تفصيلها على مقاسات محددة سلفا .
 

معالي الوزير،

قد تسألون لماذا لا يسع صاحبنا للحصول على تدريب يعطيه خبرة ويؤهله للاكتتاب مستقبلا، طبعا هذا سؤال وارد والحصول على التدريب أسهل من الحصول على العمل، لكن التدريب في موريتانيا عبودية من نوع خاص فهو في القطاع العام غير معوض وتعويضه في القطاع الخاص زهيد زد على ذلك أن بعض المشغلين يتحايل على مدونة الشغل فيقطع فترة التدريب كي لاتصل إلى ستة أشهر وأحيانا يجزء الإفادات شهرا شهرا بالإضافة إلى العداء الجاهز الذي يستقبل به الموظفون المتدرب الجديد.

السيد الوزير،

لنفترض مجددا أن صاحبنا توقف عند الباكلوريا ثم قرر الذهاب للبحث عن قرض لفتح مشروعه الجديد، سيجد أمامه الجامعي صاحب الفرضية الأولى وسيطلب العاملون في ميدان تمويل قروض الشباب من الاثنين تقديم ضمان لقرضهما فيتحول حلم المشروع إلى خيبة أخرى .
 

ماذا لو كان صاحبنا متسربا من التعليم؟ وهذا وارد وموجود في دول العالم الثالث، قد يقول قائل أليس في بلدنا شواطئ غنية للصيد ومناجم كبيرة من الذهب والحديد والنحاس وضفة نهر خصبة للزراعة، طبعا لو كانت السياسات السابقة في هذا المجال ناجعة لما كان هذا السؤال لكن الكرة في ملعبكم يا سيادة المهندس اللامع ومن خلالكم في ملعب حكومة ولد اجاي، فحين تلائمون بين التكوين المهني الجاد وبين حاجيات البلد وحين تشترطون على المستثمرين في مجال التعدين والصيد تكوين وتشغيل نسبة معينة من الشباب الموريتاني وتراقبون بكل شفافية تطبيق هذا الاتفاق وحين تعطون قروضا زراعية لا تشترط على الشباب ضمانا سوى تعهد موثق وحين تبعدون بعض رجال الأعمال الجشعين عن هذه القروض وعن كل مساعدات الدولة للشباب ساعتها يمكننا فعلا أن نتحدث عن إمكانيات دولتنا ذات الشواطئ الغنية والضفاف الخصبة والمناجم متنوعة المعادن .

لنعد إلى فرضيتنا الأخيرة وهي أن صاحبنا موظف كان يعيش بطالة مقنعة، طبعا أنا لا أشجع ترك الموظف لعمله دون علم مشغله ولا أتعاطف أبدا مع الذين أخذوا قروضا من خلال عملهم وهربوا ولكنني بالمقابل أتفهم جيدا أن الراتب الهزيل الذي لا يسد ربع الحاجيات الشهرية مجرد خدعة غير رحيمة بصاحبه قد تغرقه في بحر من الديون لا ساحل له .
 

معالي الوزير،

ماذا لو أراد صاحبنا العودة يوما ما إلى نواكشوط؟
بعض البلدان تعايشت مع هجرة شبابها وتواصلت معهم وهم في المهجر وحرصت على ربطهم بأوطانهم وسهلت لهم فرص الاستثمار فيها تمهيدا لعودتهم والاستقرار في بلدهم .
حلم الرجوع  إلى المرابع لا يفارق خيال كل مهاجر وقد يستبد  الحنين بالغرباء فيصبح الإياب وحده كافيا من الغنيمة !
 

وَقَد طَوَّفتُ في الآفاقِ حَتّى *** رَضيتُ مِنَ الغَنيمَةِ بِالإِيابِ

معالي الوزير،

أعرف جيدا أنك تجيد الرياضيات ما شاء الله ومن أجل ذلك سأعتبر صاحبنا  "dx"وأجري عليه تكاملا أطرافه كافة الشباب الموريتاني ساعتها سيكون الحل الدقيق في ملتقى شبابي برعاية فخامة رئيس الجمهورية، أقترح أن يكون عنوانه "موريتانيا تصغي لشبابها"، خلال هذا الملتقى يشخص الشباب بكافة اتجاهاته حاجياتهم ومطالبهم ويقترحون حلولا لها، ساعتها ستحصلون على بنك معلومات ثمين يمكنكم من رسم سياسات ناجعة وواقعية للنجاح في مهمتكم إن شاء الله .
 

معالي الوزير،

حين شرعت أختم هذه الأسطر تخيلت صاحبنا يلوح لي وقد ذبلت ابتسامته ثم يقول: "سلم لي على نواكشوط واحك لها بيت ابن زريق المسكين :
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ *** وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ

 

19 August 2024