مستقبل العلاقات الموريتانية الروسية في ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية الموريتانية
أتمنى لكم النجاح وموفور الصحة والازدهار” .. بهذه الكلمات هنأ الزعيم الروسي فلاديمير بوتين نظيره الموريتاني المنتخب للولاية الرئاسية الثانية محمد ولد الشيخ الغزواني .
وأضاف بوتين- في برقية التهنئة التي بعث بها إلى ولد الغزواني- أنه يعول على أنشطة ولد الغزواني “رئيسًا للجمهورية الإسلامية الموريتانية، من أجل الإسهام في تطوير التعاون الثنائي البناء في مختلف المجالات”، ووصف العلاقات بين بلاده وموريتانيا بـ”الودية” تقليديا.
تاريخ العلاقة بين البلدين
علاقات من التاريخ الودي ربطت بين البلدين، حيث ساعد الاتحاد السوفيتي الدولة الموريتانية الحديثة آنذاك، إذ تكوّنت أغلب الأطر والكوادر البشرية في مختلف التخصصات داخل الاتحاد السوفيتي، وكذلك كان التعاون في مجال الصيد والصحة من المجالات المهمة التي أدّى فيها الاتحاد السوفيتي دورا بارزا في تقوية الدولة الموريتانية الخارجة من استعمار فرنسي تركها في حالة لا دولة، واضطلع الآباء المؤسسون والقادة الموريتانيون الأوائل بحكمتهم أدوارا تاريخية مكّنت موريتانيا من توطيد مكان لها تحت الشمس.
واقع العلاقة
تبدو العلاقات الموريتانية الروسية تشهد تطورا ملحوظا أثمر كثيرا من الاتفاقيات في مجالات مختلفة، كالتعليم، والتجارة، والصيد، والنقل، وغيرها.
كذلك كانت روسيا- وتحديدا سوتشي- ضمن الزيارات الخارجية الأولى للرئيس الموريتاني السيد محمد ولد الشيخ الغزواني فور تسلمه مقاليد السلطة سنة 2019، وكانت بمناسبة انعقاد القمة الروسية الإفريقية.
تراجع التمثيل الموريتاني في القمة الروسية الإفريقية الثانية التي انعقدت في سانت بطرسبورغ، حيث ترأس الوزير الأول الموريتاني الوفد المشارك في القمة، لكن يبدو أن موسكو فهمت الضغوط التي مارسها الغرب على كثير من القادة الأفارقة وحثهم علي عدم المشاركة في القمة، لكن الطرفين حافظا على مستوى تنسيقي معقول؛ إدراكا منهما لأهمية كل طرف للآخر.
جاءت بعد ذلك زيارة مهمة قادها رأس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف إلى نواكشوط، التقى خلالها الرئيس الموريتاني، مؤكدا حرص موسكو على مواصلة التعاون مع نواكشوط، وتطوير العلاقات بين البلدين.
يبدو الجانب العسكري غير غائب في العلاقة بين الدولتين، حيث زار وزير الدفاع الموريتاني حننا ولد سيدي موسكو، وشارك في مؤتمر موسكو للأمن، وترأس جلسة نقاشية فيه، كما وقع مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري بين البلدين.
مستقبل العلاقة
مع الحضور القوي لروسيا في الدول المحيطة بموريتانيا، مثل مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، برز الضلع المفقود الذي يمكنه إكمال مربع الدول المناهضة للهيمنة الغربية على إفريقيا، وسيطرتها- عقودا- على الثروات الطبيعية في البلدان الغنية بها، وشعوبها تئن تحت وطأة الفقر والتخلف في مختلف مجالات التنمية.
مع قدوم الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني إلى السلطة 2019، سعى إلى تنويع سياساته الخارجية، وعدم الاتكال على طرف دون الآخر، وتصفير المشكلات مع الجيران، وتنويع الشركاء الدوليين، ومن بينهم روسيا، وقد مكنت تلك السياسة موريتانيا من المحافظة على علاقات التعاون مع جميع اللاعبين الدوليين، وجعل منها محل اتفاق بينهم، على الأقل إلى حد الآن.
تحديات العلاقة
السيولة الأمنية في منطقة الساحل، وخاصة الحدود الموريتانية المالية التي تشهد بين فترة وأخرى توغلات من الجيش المالي داخل الحدود الموريتانية راح ضحيتها مواطنون موريتانيون، وحضورا متزايدا من مجموعة فاغنر هناك، كما يقول بعض الشهود، تمثل تحديات قد تواجه العلاقة الطيبة بين البلدين، وهو ما يستدعي مزيدا من التعاون والتنسيق بين البلدين، وفي اعتقادي أن الولاية الثانية للرئيس الموريتاني ستشهد مزيدا من الانفتاح على القادم الجديد لمنطقة روسيا؛ ما سيساعد على المحافظة على متانة العلاقة، واحترام كل طرف لمصالح الآخر .
الخاتمة
تبدو نواكشوط وموسكو حريصتين على تقوية العلاقة وتعزيزها، كان آخر معالم ذلك الاهتمام احتفالية رسمية أقيمت في نواكشوط بمناسبة الذكرى الستين لإقامة علاقاتها مع روسيا، في خطوة لم تعرفها التقاليد الدبلوماسية الموريتانية من قبل، وكذلك تكوين فريق برلماني للصداقة بين موريتانيا وروسيا، وهو ما يؤكد استمرار السياسة الخارجية الموريتانية في تنويع الشركاء، وتصفير المشكلات .