البناء الحتمي

يحي ولد اكاي

سأقترح خطوات عملية لبلوغ ما أسميته بالبناء الحتمي. ولكن قبل ذلك أقول إن لهذا البناء أساسا لا بد منه، وهو البقاء والاتحاد. فالبقاء شرط لإمكانية الاتحاد، والاتحاد أساسي لحدوث البناء، ولا بناء حقيقيا بدون توفر الإثنين.

 

ومن هنا فإنه على كل سياسي موريتاني أن يتجنب في خطابه التعبوي ما قد يؤدي إلى الاختلاف الحاد المهدد للبقاء. وعلى كل طامح لتبوء مكانة في هذا المجتمع أن يحرص على ما يوحده ويجعل جهد أهله يسير في بوتقة واحدة تخدم بناءه وتطوير مكتسباته نحو الأفضل. ونحن اليوم، والحمد لله نملك الوجود، وقدرا لا بأس به من الوحدة والتماسك، ونؤمِل البقاء، وتعزيز الوحدة، ونطمح إلى البناء.

 

لكن هذا المطمح الأخير هو الذي ينبغي أن يكون مرتكز الاهتمام الآن، إذ أن البناء الذي نطلب ليس كأي بناء، فهو يشكل طوق النجاة، والضمانة الوحيدة لصيانة وبقاء ما سواه، وهو بذلك حتمي، وبدون حصول حد أدنى منه فلا نأمن على أي شيء مما اكتسبنا. ومن هنا فعلينا جميعا، وخاصة من يملكون منا وسائل التأثير بإحدى القوتين: الناعمة، كالمال والجاه، أو الخشنة، كالسلطة والسلاح أن نبذل الجهد المضاعف لفعل شيء ما لإحداث هذا البناء، وعلى نحو سريع أيضا يُطمئن الخائفين من أبناء هذا البلد على مستقبله، ويزيل أسباب ريبة المرتابين منهم. ولحسن الحظ فإن هناك مستوى من البناء والتحسين في حياة المواطن اليومية يمكن الوصول إليه دون الحاجة إلى إنفاق مال كثير، أو استخدام تقنيات عالية غير متاحة. بل يكفي فقط قليل من حسن التدبير، وأن تتوفر إرادة جادة نسبيا لذلك. وكي نوضح الفكرة، نقول إن تجويد الخدمات مثلا في مجالات حيوية كالأمن، والصحة، والتعليم، والطرق، والصيد، والإعلام، والثقافة.. وغيرها يمكن أن يتم على نحو أيسر بكثير مما يتصور البعض.

 

ونعطي أمثلة على ذلك: فمجرد توفير سيارة أمن، على سبيل المثال لكل مربع سكني تقوم بدوريات ليلية فيه سيكون له أثر على شعور المواطن بالأمن.. وبناء مستوصف نموذجي، أو اثنين لكل مقاطعة، ومستشفى مركزيا متعدد التخصصات لكل ثلاث ولايات تتوفر كلها على خدمات صحية جيدة، وسهلة، ومتاحة لكل المواطنين بلا حاجة لوساطة أو رشوة، سيتداوله الناس ويبعث لديهم الإحساس ببعض الأمان الصحي.. وبناء مركب تعليمي نموذجي، أو اثنين من الابتدائي إلى الثانوي لكل مقاطعة، يكونان نظيفين ومرتبين شكلا ومضمونا، سيشيع روح الجدية لدى فئة معتبرة من المعنيين بقطاع التعليم والتربية… وإصلاح التقشرات والثقوب في الطرق وإزاحة الرمال عنها، والمواظبة على صيانة ما هو موجود منها، وإزالة أكوام القمامات عن جنباتها، ومن بعض الأماكن العمومية، سيريح مستخدمي الطرق يوميا، والمارة، ويُطيِب مشاعرهم النفسية.. وهلم جرا في بقية القطاعات المذكورة آنفا.

 

بل إن هناك ما هو أيسر مما ذكرنا بكثير، كتنظيف مكاتب المرافق العمومية والإدارات مثلا، وكتابة أسماء الوظائف على أبواب مكاتب أصحابها، وفرض بشاشة الوجه على مستقبلي المواطنين من الموظفين العموميين، وإنشاء نظام تتبع إلكتروني لمراحل الملفات.. إلخ إجراءات كلها بسيطة، وبلا تكلفة كبيرة، لكنها ذات أثر مهم علي جودة حياة المواطن اليومية، والقيام بها يبعث الأمل في نفوس الشعب، ويُشَجِع على ما سواها، ومقدمة لما هو أرقي منها. فلا مبرر للتقاعس عن هذا القدر من البناء الذي لا غني عنه، وهو حتمي لصيانة الأساس الذي بحوزتنا، ولكي نستطيع التطلع إلى ما هو أفضل، بإذن الله في مستقبلنا.

 

حفظ الله بقاء موريتانيا ووحدة شعبها، ووفق وأعان ولاة الأمر فيها، وخاصة الرئيس في هذه المأمورية الجديدة، لما يُصلح به حالها ويُسعد مواطنيها وكل من على أرضها.\

 

 

16 July 2024