أيها الموريتانيون.. حجوا قبل أن تمنعكم الوزارة
في تنظيم وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم لموسم الحج هذا العام، والذي اكتمل – بحمد الله ومنه يوم أمس - حدثت معاناة تفوق الوصف، وفوضى عارمة، ومنع لكثير من المسلمين من تأدية ركن عظيم من أركان الإسلام، وهذا المنع انقسم إلى نوعين:
1. منع من الوصول إلى الحرمين،
2. منع بعد الوصول إلى الحرمين بسوء الخدمات والإرهاق الشديد وسوء التغذية مما يجعل الحاج عاجزا عن تأدية مناسك الحج
2. منع قبل الوصول إلى الحرمين:
يتمثل هذا المنع في غلاء ثمن الحج مقارنة بالخدمات المقدمة، فالوزارة لا تحدد تكلفة الحج بطريقة شفافة، ولا تعطي تفاصيل تكلفة الحج، مع أن حساب تكلفة الحج لكل حاج عملية سهلة، وينبغي أن تكون معلنة، لأن جميع صفقات الوزارة يجب إعلانها للعموم، سواء أكانت عن طريق منافسة أم عن طريق صفقات تفاهم مباشر، ومن خلال تبيين تكلفة الحج يتضح هل الحج التي تتفضل به الوزارة على أشخاص تختارهم وفق معايير غير معلنة هل هو على حساب المواطن أم من ميزانية الحج العمومية التي تصل إلى 840 مليون أوقية.
ومن طرق المنع أيضا بيع المواطن للوكالات، فالوازرة تعطي جزء من حصتها للوكالات الخصوصية، وهنا يتبادر سؤال وجيه هو: هل رأيتم وزارة أخرى تسلم المواطن للقطاع الخاص ليكون هو المسؤول عنه، ودون اختيار منه (حصة موريتانيا من الحجاج هذه السنة – وفق المعلن – هي 3500، أخذت الوزارة منها 2000 حاج، وسلمت للوكالات 1500 حاج، ولا خيار أمامهم سوى الحج من خلال هذه الوكالات رغم غلاء أثمانها، وتكرر تحايل بعضها على المواطنين)، هل يمكن لوزارة التهذيب مثلا أن تقول للآباء: سنأخذ جزء من التلاميذ والبقية يلزمكم الذهاب بهم إلى المدراس الحرة؟ أو أن تخاطب وزارة الصحة المستشفيات العمومية بكونها لا تعالج إلا جزء من المواطنين والبقية تذهب إلى العيادات؟
ثم إن الوزارة لا توقع مع الحاج دفتر شروط تبين فيه الخدمات التي ستقدمها له، فالحاج أمام عقد إذعان، عليه أن يستسلم لما تمليه عليه الوزارة.
بينما الوزارة تفرض على كل من يقدم لها خدمة أن يوقع عقدا فيه شروط تقديم الخدمة ولا يمكن أن تدفع له أجره إلا بعد تقديم الخدمة، أما الحاج فتأخذ الوزارة منه الأجرة مسبقا، وتفرض عليه بعد ذلك شروطها، وليس لديه حق الاعتراض، فأي تطفيف هذا؟
2. منع بعد الوصول للحرمين:
ومن مظاهره منع الحجاج من تأدية مناسكهم في ظروف طبيعية، ويتجلى ذلك في الزحام الشديد داخل الغُرف، فبعض الغرف فيها ستة أشخاص، وبعضها فيه خمسة، والوجبات رديئة، وتبقى في غالبها في الممرات لا تستعمل، للتعفن هناك، وتتحول إلى مصدر معاناة مضاعفة.
الفندق الذي تم اختياره في مكة فندق قديم، وهو في الحقيقة ليس فندقا، بل هو عمارة للإيجار تنقصها النظافة، وتكييفها ضعيف جدا، وأغلب الغرف لديها مشاكل في التكييف، وفي سابع ذي الحجة حدث فيه تماس كهربائي، تدخل عقبه الدفاع المدني السعودي وأخرج الحجاج من المبنى، وبقوا في الشارع لساعات، هذا التماس الكهربائي نتج عنه تعطل المصاعد، وأصبح الحجاج مفروضا عليهم صعود السلم إلى الطوابق العليا، ترى الشيوخ والنساء يلهثون على السلالم في مشهد يدمي القلب.
في هذه الظروف أرسل المشرفون رسائل على الواتساب بضرورة الذهاب إلى منى منتصف الليل، وأن الأمين العام للوزارة قال لهم إن من تأخر عن الوقت المحدد فالوزارة ليست مسؤولة عن نقله، ويمكن للسلطات السعودية أن تمنعه من دخول منى، وهو ما أثار الرعب والهلع في صفوف الحجاج، فنزلوا في الوقت المحدد، وغص بهم الشارع العام، لكن الحافلات – ككل خدمات الوزارة ووعودها - لم تأت في الوقت المحدد، ولا قريبا منه.
وهو ما جعل الأمن السعودي يتدخل، ويطلب من الحجاج العودة إلى غرفهم رغم تعطل المصاعد، وقد بات الحجاج ليلة صعبة، حيث لم ينعموا بالراحة بسبب تهديد الوزارة، ولم يتمكنوا من النوم بسبب ترقب السفر أي لحظة، غير أن حافلات الوزارة لم تصل إلا بعد طلوع الفجر.
وهنا بدأت رحلة معاناة أخرى في مخيم منى (وهي فضيحة لم تستطع الوزارة تغطيتها ولا السكوت عنها، ويبدو أنها تريد من خلال التركيز عليها التغطية على بقية فضائحها)، فقد كان المخيم مزدحما جدا، والحجاج متكدسون في الخيام، بعضهم فوق بعض، كأنهم في مخيم فارين من حرب أهلية.
وجاءت ليلة عرفة لينتقل مسلسل الفوضى الشديدة إلى النقل، فقد تخلت الوزارة – وبشكل يرجح أنه متعمد لإدخال بعض المتسللين الذين ربما بيعت لهم الخدمة - عن نظام المجموعات، وأصبحت الباصات تنقل الحجاج بشكل عشوائي، وبات الحجاج ليلتهم دون نوم، وفي ظروف عصية على الوصف، من التجمهر في الشوارع في درجات حرارة مرتفعة، وضغط، إلى التكدس في باصات ستمضي ساعات في الطريق، وعندما وصلوا إلى مخيم عرفات، بعد إرهاق وتعب كانت بعض المخيمات خالية من التكييف، خصوصا مخيمات النساء، ووجبة الغداء قد مستها النار أكثر من اللازم، (شايطة)، وعند الخامسة مساء بدأت معاناة الذهاب إلى المزدلفة، وعادت فوضى النقل سيرتها الأولى أو أشد.. فلم تحصل بعض المجموعات على حافلات، وأغلبهم تخلت عنه الحافلات في المزدلفة وتركوهم، وفيهم النساء والمسنون وأصحاب الهمم العالية، ففرضت عليهم الظروف السير على الأقدام إلى منى، فبعضهم ضل الطريق ولم يعثر عليه إلا بعد يوم، وبعضهم وصل مخيم منى بعد منتصف اليوم الموالي في إرهاق شديد، ولم يتمكن من رمي جمرة العقبة الكبرى، إلا بعد العصر أو بعد المغرب، مع معاناة قاسية.
المخيم الموريتاني في منى قريب من الجمرات، لكن طريق العودة إليه بعيدة جدا، حوالي 7 كلم، وهو ما يجعل هذا القرب الذي فاخرت به الوزارة يأتي بنتيجة عسكية.
أمام كل هذه الظروف السيئة؛ مخيم مزدحم لا يجد المرء مكانا يناما فيه، وممرات ضيقة وممتلئة، وازدحام شديد على وجبات لا تسمن ولا تغني (لكن الجوع إدام)، ثلاث ليال من عدم النوم والإرهاق الشديد والوجبات الرديئة والازدحام شديد في مخيم مثل علب السردين، قضى الحجاج نسكهم، تقبل الله منهم وأثابهم، والبعثة الرسمية في فندق محترم وظروف حسنة، وتجاهل وتفريط في واجبها تجاه ضيوف الرحمن.
وختاما، تبرز هنا أسئلة جوهرية، من واجب وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، والحكومة بشكل عام الإجابة عنها حتى لا تتكرر هذه المأساة كل عام، من بينها:
- لماذا لا تعلن الوزارة عن تكلفة الحج بصفة شفافة؟
- لماذا تتنازل الوزارة عن بعض من حصتها للوكالات؟
- على أي أساس يتم منح الحج لبعض الأشخاص وبشكل مجاني، وما هي معايير اختيارهم؟ ومن يتحكم تكلفتهم؟
- لماذا تتخلى الوزارة عن نظام المجموعات في منى، كل مجموعة تتكون من 50 شخصا لديها مشرف ولديهم مجموعة على الواتساب، (نظريا المشرف مسؤول عن هذه المجموعة، وهو صلتها بالوزارة، لكن بمجرد الوصول لمنى اختفى نظام المجموعات، وأصبح كل شخص عليه أن يتحمل مسؤولية نفسه في منطقة مغلقة لا يدخلها أي شيء وإن وجدت محلات تجارية فهي غالية الثمن؟)، وفي العودة من المزدلفة إلى منى ضل كثير من الحجاج الطريق، فيما ذهب مشرفوهم إلى منى وناموا ملئ جفونهم، وكأن الأمر لا يعنيهم؟