كيف يمكن لموريتانيا أن تحسم صراع دول الساحل مع الجماعات الإرهابية
شهدت دول منطقة الصحراء والساحل الأفريقي وبشكل خاص النيجر، مالي، وبوركينا فاسو كثير من أحداث العنف المرتبطة بالحركات المسلحة والجماعات الإرهابية في السنوات الـ 10 الأخيرة، على الرغم من تواجد قوات حفظ السلام أممية أوربية، وقوات فرنسية منذ عام 2013 على أراضي تلك الدول.
وفقاً للباحث المالي المختص في الشؤون الأفريقية أمادو دومبيا، فإن القوات الفرنسية والأممية لم تقدم لسكان تلك الدول الأمن أو الحماية أو التنمية، بل على العكس ارتفع معدل العنف، وازداد السكان فقراً وجوعاً وزاد انتشار الجهل والإرهاب، مما دفع السكان للثورة ضد القوات الأجنبية.
وبحسب دومبيا، فقد قاد الثورة 3 شبان عسكريين تمردوا على النخب الحاكمة وخرجوا من عباءة فرنسا والغرب عموما، ولكنهم يواجهون الأن تحديات كبيرة أبرزها الجامعات المتطرفة مثل "القاعدة" و"داعش" التي تشن هجمات دامية ضد المدنيين والعسكريين.
قوة عسكرية مشتركة ضد الإرهاب
ووفقاً لدومبيا، لذلك وقعت مالي والنيجر وبوركينا فاسو ميثاق "ليبتاكو غورما" في 16 أيلول سبتمر 2023 والقاضي بإنشاء تحالف دول الساحل، والذي من ضمن أهدافه "محاربة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة الحدودية المشتركة بين الدول الـ3" والتعاون الاقتصادي. وتعتبر منطقة ليبتاكو غورما - حيث تتلاقى حدود الدول الثلاث مرتعاً للجماعات المسلّحة، التي تسببت في عدم الاستقرار طيلة السنوات الماضية، حتى في ظل تواجد القوات الفرنسية، كما "شنت هجمات واسعة ضد المدنيين والعسكريين.
وبعد هجمات مشتركة نفذتها قوات الدول الـ 3 ضد المجموعات المسلحة في المناطق الحدودية المشتركة، اجتمع قادة الأركان في العاصمة نيامي يوم 6 مارس/آذار 2024 وأعلنوا تشكيل قوة عسكرية دفاعية مشتركة لمحاربة "الجماعات الإرهابية والحركات المسلحة التي تنشط في الصحراء، وتقوض جهود الاستقرار والسلام في المنطقة". وقال قائد القوات المسلّحة في النيجر الجنرال موسى بارمو إن القوة ستكون جاهزة للعمل في وقت قريب.
دور مالي ودول الساحل بمكافحة الإرهاب
وفقاً للباحث المتخصص بشؤون الجماعات الإرهابية بجامعة باماكو محمد أغ إسماعيل، فقد اكتسبت مالي وقواتها العسكرية خبرة كبيرة في مواجهة التنظيمات الإرهابية وخاصة بعد مرور أكثر من 10 أعوام على المواجهات بين القوات المسلحة المالية وتنظيمي "القاعدة" و "داعش" الإرهابيين.
حيث تنشط هناك جماعات مسلحة متعددة تتباين خلفياتها، فمنها الحركات ذات البعد الأيديولوجي مثل "بوكو حرام" وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"حركة الجهاد والتوحيد في غرب أفريقيا"، ومنها تلك التي يمكن تصنيفها من خلال أهدافها وانتمائها الجيوسياسي مثل الحركات الانفصالية في مالي والنيجر.
وبحسب إسماعيل، قبل عامين أطلق الجيش المالي عملية عسكرية واسعة تحت إشراف ودعم روسي، كان هدفها القضاء على الإرهاب واستعادة السيطرة على جميع أراضي مالي، حيث مكنت هذه العملية مالي من استعادة السيطرة على مناطق مهمة وشاسعة في البلاد، كما ساهمت في دحر عدد كبير من الإرهابيين، الذين بدأوا بالفرار تجاه الحدود الموريتانية، والتي بدأت تشكل تهديد لموريتانيا. ولكن حتى اليوم لازالت المواجهة مستمرة مع الجماعات الإرهابية، وخاصة جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين».
أهمية موريتانيا في المعركة ضد الإرهاب
بحسب بعض المعلومات والتقارير الإعلامية، فقد نفذ تحالف دول الساحل مؤخرًا العديد من العمليات العسكرية الناجحة، والتي شكلت تقدمًا كبيرًا في ساحة المعركة ولكنها أدت أيضًا إلى فرار الجماعات المسلحة الأخرى إلى البلدان المجاورة مثل موريتانيا.
ووفقاً للباحث في قضايا الإرهاب وأمن غرب أفريقيا، بابا حمد ماء العينين في حديث لـ"سكاي نيوز عربية" فإن موريتانيا قادرة على أن تلعب دوراً هاماً جداً في القضاء على الإرهاب في المنطقة، كما أنها تعتبر واحدة من البلدان الأفريقية التي لديها أدنى مستوى من الإرهاب. بالإضافة إلى أنها تبذل جهوداً مهمة في هذا الإطار. إلى جانب ذلك كانت القوات المسلحة الموريتانية قد بدأت بالانتشار في المنطقة الحدودية مع مالي. وبحسب ماء العينين فإن هذا القرار ينبع من ضرورة إقامة تعاون بين البلدين في تعزيز أمن المناطق الحدودية.
وفي السياق ذاته، كان قد أعلن وزير الدفاع الموريتاني حنينا ولد سيدي، في شهر أيار مايو الماضي، خلال جولته على الحدود مع مالي وفي إقليمي العدل بكرو وباسكنو، أن جيشه قادر على ضمان وحدة الأراضي. وحماية المواطنين وممتلكاتهم. وشدد ولد سيدي على أن العلاقات مع مالي بنتها أجيال في ظروف صعبة وحظيت بالاحترام منذ زمن طويل، مؤكدا أن الرئيس الموريتاني بعث برسالة إلى نظيره المالي تضمنت أهمية الحفاظ على أمن مواطني البلدين.
من جهتها، منحت باماكو للجيش الموريتاني مساحة جديدة في مالي للقيام بعمليات المراقبة. كما تم إنشاء دوريات مشتركة وممرات آمنة للمدنيين.
وبحسب بعض الخبراء والمراقبين فإن الجانب المالي منفتح على التعاون مع الجهات الفاعلة الإقليمية. كما يمكن لموريتانيا أن تساهم في مكافحة الإرهاب بشكل أكثر فعالية، من خلال الانضمام إلى مالي، واتحاد دول الساحل، باتفاق عسكري يضمن الاتصال بين جيوش تلك الدول بهدف الدفاع الجماعي عن المنطقة بمواجهة التهديدات الإرهابية. فذلك سيساعد المنطقة بأكملها.
يشار إلى أن في 15 أبريل، كان قد وصل وفد مالي إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط في زيارة عمل وصداقة في إطار تعزيز التعاون بين البلدين. كما تمت مناقشة مسألة مكافحة التهديدات الإرهابية عبر الحدود، لما لها من تأثير سلبي على موريتانيا من عدم استقرار وصراعات طائفية، وتهديد للتنمية الاقتصادية في المنطقة من خلال تثبيط الاستثمار الأجنبي وتعطيل الأنشطة التجارية والسياحية.