مؤرخ جزائري: "لا علاقات ودية" مع فرنسا قبل تسوية "ملف الذاكرة"

أكد محمد لحسن زغيدي، رئيس فريق الباحثين الجزائريين الذي يشكل "لجنة الذاكرة" المشتركة مع نظرائهم الفرنسيين (رسمية)، الخميس، أن بلاده لن تُقيم "علاقات ودية" مع فرنسا إلا بعد تسوية ملف الذاكرة بين البلدين.

 

ويشكل "ملف الذاكرة" المرتبط بالاستعمار الفرنسي للجزائر (1830-1962) تحديًا كبيرًا لعلاقات البلدين.

 

إذ تطالب الجزائر فرنسا باعتراف رسمي عن "الجرائم" التي ارتكبتها أثناء استعمار بلادها، وإعادة الأرشيف الجزائري وممتلكات أخرى نهبتها، خلال تلك الفترة، بالإضافة إلى جماجم لمقاومين جزائريين تحتفظ بها.

 

كما تطالب الجزائر فرنسا بتقديم معلومات حول التجارب النووية الفرنسية التي أجريت بالصحراء الجزائرية، وتطهير المواقع الملوثة بالإشعاعات النووية جراء هذه التجارب.

 

بينما ترفض فرنسا الاعتذار بشكل صريح عن جرائمها خلال استعمار الجزائر، وتتحجج بقيود قانونية لمنع إعادة بعض ما نهبته من الجزائر.

 

في هذا الصدد، قال زغيدي، منسق اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة، الخميس، إن "الجزائر الجديدة (يقصد منذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون الحكم في 2019) أوضحت منذ ساعاتها الأولى بأنه لن تكون هناك علاقات ودية متعاونة متكافئة مع فرنسا إلا بعد تسوية ملف الذاكرة".

 

جاء ذلك في مقابلة أجراها زغيدي، مع صحيفة "الخبر" المحلية (خاصة) كشف خلالها أحدث التطورات في أعمال "اللجنة الجزائرية-الفرنسية"، المكلفة بمعالجة "ملف الذاكرة"، والتي اتفق الرئيس تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، على تشكيلها في أغسطس/ آب 2022.

 

وتتكون هذه اللجنة حصرا من 5 مؤرخين من كل جانب، أُسندت إليهم مهمة معالجة "ملف الذاكرة" بطريقة علمية ومجردة من الأيديولوجيات السياسية.

 

ويقود زغيدي، فريق المؤرخين الجزائريين، بينما يقود بنيامين ستورا، فريق المؤرخين الفرنسي.

 

ومنذ تشكيلها، عقدت اللجنة 5 اجتماعات، آخرها بالعاصمة الجزائر بين 20 و24 مايو/ أيار الماضي، وخلص إلى رفع قائمة من الممتلكات الرمزية للجزائريين إلى الرئيس الفرنسي من أجل الإفراج عنها وإعادتها إلى الجزائر.

 

وفي هذا الصدد، قال زغيدي، إنهم لمسوا "ليونة" لدى الجانب الفرنسي إزاء إرجاع الأرشيف الرقمي لفترة ما قبل الاستعمار، لكن باريس "تتحجج بالعوائق القانونية لعدم تسليم الوثائق الأصلية لهذا الأرشيف؛ ما تسبب في تأجيل النقاش حول الأمر 3 مرات في سنة واحدة".

 

وأشار إلى انتزاع "التزام موثق" من اللجنة الفرنسية بإعادة 2 مليون وثيقة مرقمنة للأرشيف الجزائري.

 

لكنه شدد على أن الجانب الجزائري متمسك بـ"استعادة الأرشيف الأصلي كاملا حتى آخر وثيقة".

 

واعتبر زغيدي، أن كلا الجزائر وفرنسا "تتطلعان إلى تحقيق مصلحة البلدين والشعبين ومستقبل الأجيال القادمة".

 

لكنه يرى أن الطرف الفرنسي "لا يقدم ما يصب" في اتجاه تحقيق هذا الهدف، في إشارة إلى رفض فرنسا تسليم الأرشيف والممتلكات الجزائرية؛ بحجة أن القانون الفرنسي يعتبرها "جزءا من سيادة الدولة".

 

وخاطب زغيدي، الفرنسيين متسائلاً باستنكار: "إذا كان القانون يعرقل المصلحة الوطنية، فلمن نمنح الأولوية، هل للقانون أم للمصلحة الوطنية؟"

 

وأشار إلى أن "هناك بعض القوانين الأنانية (في فرنسا)، التي لا زالت تتغذى من الروح الاستعمارية، وهي تتنافى مع مصالح الدولة والشعوب".

 

وتساءل مستنكرًا: "لماذا تُقدم فرنسا الجانب القانوني على حساب المصلحة الوطنية ومستقبل الأجيال؟"

 

وأكد زغيدي، بأنهم في لجنة المؤرخين، يخاطبون الجانب الفرنسي متسائلين باستنكار: "كيف أتعامل معك وأنت سجّان تاريخي بكل الأبعاد، سواء في الرفات البشرية، أو في الماديات التي نهبتها ونقلتها إلى بلادك، أو في رموز سيادتي ودولتي وأرشيفي".

 

وتابع متسائلاً باستنكار: "كيف نبني مع فرنسا مستقبلي وهي تُحكم قبضتها على ماضي أجدادي، وقد تعطيني ما يضرني وتمنع عني ما قد يشينها؟"

 

واستطرد مشددا: "لهذا لا تنازل ولا تفريط ولا سكوت عن الأرشيف كاملا".

 

وأوضح زغيدي، أنهم يتفاوضون مع الجانب الفرنسي في الوقت الحالي على إعادة ما نهبته من الجزائر، ويحمل رموزا دلالية سيادية في مختلف المجالات.

 

وأشار في هذا الصدد إلى الجيش الفرنسي دخل قصر الداي، الذي يمثل مقر رئاسة الدولة عام 1830، و"نهب كل شيء، وكل ما يكتسي دلالة رمزية وسيادية".

 

وأفاد بأنهم طالبوا بأرشيف القرون الـ16 والـ17 والـ18، والذي يتعلق بالعلاقات الدولية والدبلوماسية للجزائر مع دول أوروبا وكل دول العالم.

 

وبخصوص اللقاء السادس للجنة الجزائرية-الفرنسية المكلفة بمعالجة "ملف الذاكرة"، الذي سيعقد بفرنسا في يوليو/ تموز المقبل، عبر زغيدي عن أمله بأن يكون "لقاء استرجاع الأرشيف"، خاصة أنه يتزامن مع الذكرى (الـ62) لاستقلال الجزائر، الذي تم في 5 يوليو 1962.

 

7 June 2024