موريتانيا وموريشيوس/ الدكتور أحمد المنى

الدكتور أحمد المنى

يعرف أغلب جالياتنا في بلاد الغرب ذلك الشعور حين يسألهم الناس "من أي بلد أنتم؟".. غالبا ما يشفعون سؤالهم بـ"أين تقع؟". ولكن ثمة جزء غير قليل تقول لهم "موريتانيا" فيسمعون "موريشيوس" أو "موريس" كما يسميها الفرنسيون.

 

عرفت كثيرا من الموريسيين طلابا وزملاء في العمل وكنت أغبطهم على صيت جزيرتهم الصغيرة وأغار من طيرانهم في مطارات لندن وفرانكفورت وجدة.. وأنا أبحث عن رحلة إلى نواكشوط بترانزيت واحد بينما هم يستمتعون برحلات مباشرة إلى جزيرتهم الصغيرة رغم بعد مسافتها وقرب مسافة نواكشوط.

 

وتمر الأيام وتتاح لي زيارة هذه الجزيرة الساحرة فأردت أن أدون سطورا في التشابه والفروق بين الدولتين. وأول ملحوظة أن الدولتين لا تجتمعان في خريطة واحدة فمساحة الجزيرة لا تزيد عن ألفين وأربعين كيلومترا مربعا، أي ضعف مساحة مدينة نواكشوط تقريبا. أما عدد سكانها فلا يكاد يربو على سكان نواكشوط. إذن فهي دولة في جزيرة بمساحة وسكان مدينة. وقد تحالفت الطبيعة وهمة القادة (مستعمرين ووطنيين) في إبرازها على ما هي عليه اليوم من بنية تحتية قوية وشوارع نظيفة وانضباط وهدوء في الشوارع والأسواق عز نظيره.

 

تعاقب على الجزيرة الغزاة فاستعمرها الهولنديون ثم الفرنسيون ثم الإنجليز الذين استقدموا إليها العمال الهنود لزراعة قصب السكر. فأغلب سكانها اليوم ذوو أصول هندية وعملتها الروبية.

 

ورغم أن المستعمر ترك للجزيرة الطرق والجسور والمباني فإن عبثه وسخريته من الأرض وأهلها ما زالت ماثلة للعيان اليوم. فمثلا هذه منطقة باسم (Flic – en - flac) وفي قمة الجزيرة رأس صغير أسموه (Cap Malheureux) وهو اليوم قرية كاملة بهذا الاسم!

 

ورغم صغر الجزيرة فإن نسيجها الاجتماعي والعرقي والديني فسيفساء بكل الألوان والتوجهات والملل والنحل. وهي وجهة سياحية شهيرة يؤمها الأوروبيون واليابانيون وسواهم من الأمم فيكملون التنوع الثقافي فيها. ومع ذلك فقد غابت عنها الصراعات وتعاقب على رئاستها الرجال والنساء من الهندوس (أغلبية) والمسلمين (أقلية). امتازت واشتهرت بأنها جزيرة سلام وهدوء ونظافة ونشاط. وما تزال كذلك فلا تقع عينك على أوساخ ملقاة في الشوارع ولا متسكعين أو متسولين في الطرقات والمراكز التجارية..

 

ولعل أهم ما لفت نظري حسن سلوك المواطنين والتزامهم بالنظام فلوحات الطرق في أماكنها لم تقتلع، وإشارات المرور محترمة يلتزم بها الناس وهكذا..

 

وفي لقاءاتي مع بعض المسؤولين والأكاديميين (موريسيين وأجانب) كنت أتلمس السر في هذا السلوك الرائع والغائب تقريبا في القارة السمراء، فكان الإجماع على أن مجتمع موريس مجتمع متعلم تكاد تنعدم فيه نسبة الأمية. ثم إن الجزيرة ليست لها موارد طبيعية كالمعادن وإنما تعيش على الصيد والزراعة (مساحاتها تتقلص بفعل تزايد السكان والعمران) كما تتعرض لأعاصير البحر عدة مرات في العام. ولكن، بالعلم والعمل تقترب موريشيوس رويدا رويدا من اقتصاد المعرفة.

 

 

30 May 2024