المخاطر المترتبة على فتح أوكرانيا لسفاراتها في الدول الأفريقية
تزامناً مع تقدم القوات الروسية في عدة محاور في شرق أوكرانيا وسيطرتها على بلدة أندرييفكا في دونيتسك وعدة قرى في خاركيف، تواصل كييف إفتتاح سفاراتها في الدول الأفريقية والتي كان آخرها بالأمس في العاصمة الموريتانية نواكشوط.
فقد أعلنت موريتانيا، الخميس بدء عمل أول سفارة أوكرانية على أراضيها، فيما قال القائم بأعمال السفارة فيكتور بورت، إن موريتانيا "تُعتبر بلداً صديقاً، وشريكاً اقتصادياً واعداً في منطقة الساحل". واعتبر أن فتح السفارة بنواكشوط "سيمكن من إنشاء مشاريع مشتركة ورفع التبادلات التجارية بين البلدين".
وكانت أوكرانيا قد افتتحت منذ مدة قصيرة سفارات لها في ساحل العاج، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، فيما يجري العمل على افتتاح السفارات كذلك في كل من غانا وموزمبيق وبوتسوانا ورواندا.
أسباب توجه كييف نحو أفريقيا
على الصعيد الرسمي، قال الرئيس الأوكراني (المنتهية ولايته رسمياً) فولوديمير زيلينسكي، العام الماضي: "نعمل على إصلاح علاقاتنا مع عشرات الدول الإفريقية. سنحتاج إلى تعزيز هذه (العلاقات) العام المقبل". وأوضح أنه يود أن يكون لبلاده تمثيل في 30 دولة أفريقية في نهاية المطاف.
فيما قال نائب وزير الخارجية الأوكراني مكسيم صبح في بيان له عند افتتاح بلاده لسفارتها في ساحل العاج: "صفحة جديدة رائعة تُكتَب في التاريخ الجديد للعلاقات بين أوكرانيا وأفريقيا"، وأضاف أن افتتاح السفارات الجديدة جاء نتيجة "تعليمات الرئيس الأوكراني لنشر الوجود الدبلوماسي لأوكرانيا في إفريقيا".
هذا وتحاول أوكرانيا في الوقت الراهن حشد الدول الإفريقية للدفاع عن قضيتها ضد الهجوم الروسي، وتأمل في تحقيق ذلك من خلال تشجيع مبادرة الحبوب الإنسانية للتخفيف من حدة الجوع في البلدان الأفريقية. وسط تزايد الحضور الروسي بمنطقة الساحل الإفريقي، والذي يُثير قلق الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الصعيد غير الرسمي، وبحسب الخبراء، فإن افتتاح السفارات الأوكرانية في الدول الأفريقية، هدفه بعيد تماماً عن تعزيز العلاقات الدبلوماسية والتعاون، ويهدف بشكل أساسي لتشكيل كتلة ورأي عام مناهض لكل من روسيا والصين، اللتان تحظيان حالياً بدعم أفريقي مهم ونفوذ متنامي في القارة.
ناهيك عن إستخدام أوكرانيا من قبل واشنطن لتحقيق أطماعها في السيطرة على موارد هذه الدول الطبيعية، خصوصاً في ظل إنحسار الدور الأوروبي والفرنسي بشكل خاص وطرد قواتهم وممثليهم من عدد من دول الساحل الأفريقي. في حين تعزز الاهتمام الغربي بموريتانيا تحديداً بعد اكتشاف الغاز الطبيعي بكميات كبيرة تبلغ نحو 100 ترليون قدم مكعب، ومن المرتقب أن تشرع نواكشوط في تصدير أولى شحناتها من الغاز المسال نهاية العام الجاري.
خطر تنامي العلاقة مع أوكرانيا على الدول الأفريقية
وأكد رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية كيريل بودانوف، في وقت سابق، وجود قوات أوكرانية في السودان، للقتال إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، قائلاً: "أوكرانيا بالفعل تنشر وحدات عسكرية خاصة في السودان "، وبأن "الهدف من وجود القوات الأوكرانية هناك هو القضاء على "العدو الروسي" في كل مكان يمكن تصوّره على وجه الأرض"، حسب تعبيره.
وبناءً على ذلك، يؤكد الخبراء في الشأن الأفريقي أن التغول الأوكراني الدبلوماسي والعسكري في دول القارة الإفريقية سيتبعه تنامي النفوذ الإستخباراتي الغربي فيها، مما سيعقد الوضع الإجتماعي والسياسي لهذه الدول ويغذي العنف والإرهاب فيها. فنظام كييف أداة بيد الولايات المتحدة تستخدمه لكسب النفوذ والتحكم بسياسات حكومات الدول المستضيفة.
وكلام المسؤولين الأوكرانيين حول التعاون في المشاريع التنموية والإقتصادية مع دول القارة السمراء مجرد وعود غير قابلة للتحقيق.
فأوكرانيا أصبحت دولة غير قادرة على التعاون في أي من المجالات، نظراً لما تواجهه من مصاعب إقتصادية كبيرة، جراء إستمرار العمليات العسكرية فيها بدعم أمريكي غربي واضح، ونظام زيلينسكي الحاكم فيها قائم على المساعدات الغربية، حيث تجاوز حجم الدين العام لحكومته 200 مليار دولار.
كما أنه من الجدير بالذكر أن الجيش الأوكراني يعاني في الآونة الأخيرة من قلة العسكريين بسبب الخسائر الفادحة في العديد والعتاد التي يواجهها بشكل شبه يومي، مع التقدم الروسي الشرس على عدة جبهات. ولذلك، قرر نظام كييف مؤخرًا الاعتماد بشكل أكثر على المرتزقة من كل أصقاع الأرض والجماعات المسلحة الإرهابية كتنظيم "داعش" وغيره، وإرسالهم الى جبهات القتال.
ويقول مراقبون ، فإنه وبالإضافة الى جميع ما سبق ذكره من نتائج مترتبة على فتح السفارات الأوكرانية في الدول المستضيفة لها، يبقى العامل البشري المترافق بالفقر في القارة الأفريقية عاملاً مهماً لإستقطاب الأوكرانيين للأفارقة عبر سفاراتهم وبعثاتهم الدبلوماسية للقتال كمرتزقة في أوكرانيا وغيرها من البقع الساخنة حول العالم، وتنفيذ عمليات إرهابية.
مشددين على أنه وكما أكدت تقارير صحفية وجود خانة مخصصة للراغبين بالانضمام إلى ما يسمى "الفيلق الدولي" التابع لقيادة الجيش الأوكراني على الصفحات الأولى من مواقع سفارات كييف في الدول الأوروبية، فإن نفس الخانة الداعية للإنضمام، ستتوسع في الدول الأفريقية، وسيقف أوكرانيون تحت ظل سفاراتهم يدعون "للجهاد ضد روسيا والصين وكل من هو معادي لسياسات الغرب" في شوارع عواصم الدول التي إستضافتهم. رامين بالشباب الأفريقي بآتون الحرب التي لا يمت لها بصلة لا من قريب ولا من بعيد، بدلاً من استخدامه في التنمية والدفاع عن الوطن.