هل الانقلاب العسكري هو الحل؟
أتفهم مستوى الإحباط العام، فله مبرراته الموضوعية، لكن، لا ينبغي أن تدفعنا عدم فعالية النظام القائم، وعدم وجود آفاق للتغيير، إلى أن نتمنى الأسوأ، والأسوأ هو انقلاب عسكري
علينا أن ندرك أنه لا يمكن حل مشكلة ما بمشكلة أكبر. الدعوة إلى تغيير السلطة بالقوة يمكن أن تؤدي إلى ظهور قادة أسوأ من أولئك الموجودين اليوم، فهناك الكثير من النخب العسكرية والمدنية، المتعطشة للثراء، والذين هم في غاية الخطورة على الموارد العامة، وعلى تماسك المجتمع، واستقرار البلد.
لو كنا متأكدين أن أي انقلاب عسكري سيتمخض عنه تغيير في طبيعة النظام، أو سيؤدي إلى إرساء الديموقراطية، وبناء دولة المؤسسات والقانون، وسيفضي إلى مشروع تنموي يخرج البلاد من الفقر والتخلف، لباركنا الدعوات للإطاحة بالنظام. ولكن ما سيحدث هو نفس السيناريو : تقوم طغمة عسكرية بادعاء وازع التغيير والتصحيح، ونبدأ مسارا جديدا من النهب والهدم الممنهج للدولة.
الانقلاب سيعيدنا إلى المربع الأول، مع احتمال استنساخ نموذج نظام العشرية، الذي يعتبر من أكبر الكوارث التي عرفتها البلاد حتى اليوم. يجب أن ندرك أننا محظوظون لأننا، اليوم، نشتكي من عدم وجود إرادة للإصلاح لدى النظام الحالي، لكن، قبل بضع سنوات، كنا نشكو من أسوأ من ذلك بكثير، من نظام استبدادي يثير النعرات ويؤجج نار الفتنة بين مكونات الشعب، في ظل إقصاء وتهميش المعارضة، والانفراد بالسلطة، ونهب خيرات البلاد.
علينا أن نستخلص العبر من التجارب، وأن نتعلم من دروس الماضي. فالجيش، كمؤسسة ملزمة بمستوى معين من الحياد، يجب أن يبقى خارج التجاذبات والاستقطابات السياسية، مع الابتعاد عن تسيير المال والشؤون العامة.
طريق التغيير والتنمية أصعب وأطول من الانقلاب. لكن، للأسف، النخب لا تريد أن تسلكه، لأنه مليئ بالمخاطر وخيبات الأمل. لا أحد يريد المجازفة ولا أحد يريد التضحية. ما ينقصنا هو إرادة سياسية صادقة، من أجل البدء في إصلاحات بنيوية، وتنفيذ سياسات تنموية طموحة، والتخلص من النخب الفاسدة. تحقيق مثل هذه الأهداف لا يتم إلا من خلال الحوار، والضغط الشعبي، وتعبئة المواطنين، وليس عن طريق الانقلابات، لأننا نجازف بالعودة إلى ما قبل عشر سنوات، وربما نصل إلى النقطة الحالية، في غضون عشر سنوات قادمة، لنحكم بذلك على بلادنا بمواصلة السير في مسار سيزيفي، ما إن ينتهي حتى يبدأ من جديد.