لأجل خروج ماكي صال، السنغال يقترع
عشية انطلاق الحملة الانتخابية وشهرين على انتهاء مأمورية ثانية، يكمل بها اثنتي عشرة سنة من رئاسة الجمهورية السنغالية بعد ان كان شغل فيها رئاسة الجمعية الوطنية:2007-2008؛ ورئاسة الوزراء، بتعمير قياسي: من 21 إبريل 2004 إلى 19 يونيو 2007؛ووزير دولة لوزارتي المعادن والطاقة والثروة المائية والداخلية والمجموعات المحلية، وبدون اعتبار لمواقف الفاعلين السياسيين الرئيسيين، رغم توقيع السنغال على البروتوكول التكميلي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لعام 2001 والمتعلق بالديمقراطية والحكامة الذي ينص في( المادة 2/فقرة1) على أنه : " لا يمكن إجراء تعديلات جوهرية على القوانين الانتخابية خلال الستة (6) أشهر السابقة على الانتخابات بدون موافقة أغلبية واسعة من الفاعلين السياسيين." وعلى وجوب احترام الآجال الانتخابية:" يتعين أن تجرى الانتخابات على كافة مستوياتها في آجالها وفتراتها المحددة بالدستور أو القوانين الانتخابية "(الفقرة 2من نفس المادة)، يعلن الرئيس ماكي صال في خطاب متلفز يوم 03 فبراير 2024 أنه أصدر مرسوما "فرمان" بنسخ مرسوم استدعاء هيئة الناخبين للانتخابات الرئاسية في 25 فبراير 2024، مؤسسا لتصرفه ذلك على الاعتبارات التالية:
-"وجود خلاف بين الجمعية الوطنية والمجلس الدستوري، وهو الخلاف الذي تحول إلى صراع على خلفية فرضية قضية ارتشاء قضاة.
-قرار الجمعية الوطنية في: 31 يناير 2024 بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لإنارة مسار التدقيق في الترشيحات وكل ما له صلة بالانتخابات.
-وجود مقترح بقانون دستوري وفق مسطرة الاستعجال يتضمن تقرير استثناءات على مقتضيات المادة 31 من الدستور." مقدرا أن إجراء الانتخابات في هذه الظروف سوف:" يضير مصداقية الاقتراع ويشكل نواة لمنازعات سابقة ولاحقة عليها". ومع وعد بأنه:" سأطلق حوارا وطنيا مفتوحا، لتوفير شروط انتخابات حرة، شفافة وشاملة في سنغال تعمه السكينة ومتصالح"
محاولة انقلاب دستوري مكتمل الأركان:
مرسوم بنسخ مرسوم لا يتطلب بعد تحليته بالتوقيع والتصديق على التوقيع أكثر من نشره.
مع ذلك عمد الرئيس ماكي صال (والله من وراء القصد) إلى مخاطبة الأمة يوم: 03 فبراير، ليطلعها على أنه وقع المرسوم رقم:2024-106 بتاريخ:03 فبراير 2024، الذي ينسخ المرسوم رقم:2023-2283 ل:29 نوفمبر 2023، المتضمن استدعاء هيئة الناخبين!
أصلا، بالنسبة للانتخابات الرئاسية، بعد صدور مرسوم استدعاء الناخبين المحدد لتاريخ الاقتراع لا صلاحية لمصدرته بإلغائه، حيث يقتصر المتاح في التعامل مع تاريخ الاقتراع على تأجيله فقط.
تصور الدستور السنغالي التأجيل بالنسبة للانتخابات الرئاسية في حالات محددة:
حالة وفاة أحد المترشحين الواردة في (المادة 29). كما ويكون بمناسبة وفاة، عجز أو انسحاب أحد المرشحين المتصدرين بين اقتراع الشوط الأول وإعلان النتائج المؤقتة. أو بين ذلك الإعلان المؤقت وإعلان النتائج النهائية للشوط الأول.
وحالة وفاة، عجز أو انسحاب أحد المرشحين المتصدرين بين إعلان النتائج النهائية للشوط الأول وإجراء الشوط الثاني.
والجهة المخولة إعلان ذلك التأجيل ليست رئيس الجمهورية، بل المجلس الدستوري، الذي يلزمه في هذه الحالة تحديد موعد جديد للاقتراع. (المادة 34)
يدرك ماكي صال أن ما يقدم عليه هو انقلاب انتخابي دستوري، لا مجرد مرسوم بنسخ مرسوم؛ حيث إن الرجوع عن استدعاء الهيئة الناخبة يعني عمليا تأجيل الانتخابات الرئاسية (العبارة التي تحاشى الرئيس نطقها)، لأنه المستفيد الحصري من نتيجتها المتمثلة في احتمال استمرار مأموريته أبعد من 02 إبريل، مداها القانوني، وذلك عكس إرادة المشرع الدستوري السنغالي الذي اعتنى أيما اعتناء بتحديد وحد العهدة الرئاسية من خلال النص في (المادة 27) منه على أن:
"مدة ولاية رئيس الجمهورية محدودة في خمس سنوات، وليس لأي كان أن يشغل أكثر من مأموريتين متتاليتين".
ومن خلال ضبط الدستور نفسه تاريخ الاقتراع في الانتخابات الرئاسية بما يضمن اختيار رئيس منتخب قبل اكتمال مأمورية الرئيس المنصرف:" الاقتراع الخاص لانتخاب رئيس الجمهورية يكون في خمسة وأربعين يوما كاملا، على الأكثر وثلاثين يوما كاملا على الأقل، قبل تاريخ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الجارية " (المادة 31)
دعم القانون الانتخابي: 2021-035، بتاريخ:23 يوليو2021، ذات التوجه عندما حدد تاريخ صدور مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة بفسحة كافية لتحقق تلك الغاية؛ حيث نص في (المادة 137) منه على: "يستدعى الناخبون بمرسوم ينشر في الجريدة الرسمية على الأقل ثمانين (80) يوما قبل تاريخ الاقتراع".
نحن أمام مرسوم يراد له أن يسمح لرئيس الجمهورية أن يحتفظ بالسلطة خارج الأجل المحدد في الدستور والقانون وبهما.
الأدهى أن هذا الخرق للدستور تم من دون وجود مرسوم حتى؛ ماكي صال في خطاب الثالث من فبراير توخى الدقة، على الأقل في هذا الجانب، حيث تحدث عن (توقيعه) لمرسوم نسخ مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة (الانفاذ لاحق على الإصدار الذي يتطلب بدوره أكثر من توقيع)، أما النواب في جلستهم العلنية بتاريخ :05 فبراير فقد شكك فريق منهم في صدور هذا المرسوم أصلا، مؤكدين أن أيا من أعضاء الجمعية لما يتوصل حتى انعقاد تلك الجلسة بنسخة منه، كما وتحدث بعضهم عن امتناع الوزير الأول عن تصديق التوقيع عليه. ووصفه آخرون منهم ب:"المرسوم اللفظي أو الشفاهي".
إذا، اسقطت مقتضيات دستورية صريحة بفعل جملة:" فقد وقعت المرسوم رقم:2024-106 بتاريخ:03 فبراير 2024 الذي يسحب المرسوم رقم:2023-2283 ل:29 نوفمبر 2023، المتضمن استدعاء هيئة الناخبين" التي لم تأخذ سوى :20 ثانية من خطاب الرئيس الذي استغرق إلقاؤه باللغة الفرنسية: 04 دقائق و58 ثانية. (باللغة الولفية أخذ إلقاؤه له وقتا أطول :08 دقائق و02 ثانية).
بدا الأمر وكأن ماكي صال يخون قسمه على احترام الدستور حين أعطى لمرسومه أو كلامه حجة على دستور الجمهورية السنغالية، لكن المفارقة هي تجاهله للدستور حتى في ما يمنحه من صلاحيات وسلطات، وذلك عندما انتهى في تقويمه لوضعية سير المؤسسات والتهديدات المحدقة بالأمة إلى أن البلاد تواجه خطرا محدقا يستدعى التدخل، ومع ذلك نجده يمتنع، رغم مسئوليته بصفته ضامنا للسير المنتظم للمؤسسات واحترام فصل السلطات، أن يعلن حالة الاستثناء وفق مقتضيات (المادة 52 من الدستور)، التي تعطيه:" اتخاذ أي تدبير يستطيع به استعادة السير المنتظم للسلطات العامة وضمان سلامة الشعب."
إعلان حالة الاستثناء يتيح للرئيس اتخاذ ما يلزم لمواجهة التهديدات، أما مجرد "تأجيل الانتخابات" فلا قرينة على الوصول من خلاله لحل الخلاف ، المحسوم سلفا ، بين الجمعية الوطنية والمجلس الدستوري العائد لتشكيك الجمعية في نزاهة قرار المجلس بشأن القائمة النهائية للمرشحين، في ضوء نهائية وإلزامية قرارات المجلس ، ما يحصر تأثر قراره بشأن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية بنتائج التحقيق البرلماني في حدود ما يتكشف من زيف بعض التزامات الشرف التي قدمها المرشحون ممضية منهم، ضمن ملف ترشحهم للمجلس بشأن جنسيتهم السنغالية الحصرية:( تم الحديث عن جنسية فرنسية للمرشحين: خليفة صال و مامادو آليو ديالو و روز وارديني ، وسويسرية للمرشح :الشيخ تيديان ديالو و جنسية بولندية ل:مالك قاكو، وأمريكية لكل من: آنتا باباكار نكوم و داودا انداي، وعن جنسية فرنسية وكندية ل: آمادو با مرشح الرئيس ماكي صال ) ، حيث سيترتب على إثبات كل معلومة مغلوطة قدمها أي من هؤلاء المرشحين ، وبغض النظر عن ما يستدعيه ذلك من متابعات جزائية ، أن يعمد إلي تعديل قائمة المترشحين قياسا لهذه الوضعية على ما ورد في (المادة 34) من الدستور بشأن حالة العجز النهائي أو الانسحاب بالنسبة للمترشحين بعد نشر القائمة وقبل الشوط الأول :" وفي حالة عجز نهائي أو انسحاب أحد المرشحين، بين قرار نشر قائمة المرشحين والجولة الأولى، تتم مواصلة الانتخاب مع المرشحين الآخرين.
وفى هذه الحالة، يعدل المجلس الدستوري قائمة المرشحين مع الحفاظ على موعد الاقتراع".
مهما يكن فإن قرار المجلس الدستوري رقم:/E/20241، بتاريخ :12 يناير 2024، المتضمن قائمة المرشحين المعتمدين في الانتخابات الرئاسية ل:25 فبراير 2024 لا مجال لتعديله إلا من تلك الزاوية: أي اسقاط اسم كل مرشح يقام الدليل على ازدواجية جنسيته، وتعديل اللائحة وفق تلك المعلومة ،تماما كما حدث في قرار المجلس رقم : 4/E/2024 بتاريخ:20 فبراير 2024 الذي عدل اللائحة النهائية للمرشحين إلى تسعة عشر مرشحا ، أما العكس فغير وارد مطلقا؛ لأن الاستبعاد من اللائحة أول مرة قناعة يلزم المجلس بالتأسيس للقرار بشأنها، ولأنه كذلك فتكون له قوة الشيء المقضي به .بخلاف حالة الاستبعاد من اللائحة القريبة من وضعية الخطأ المادي الذي يقع بفعل معلومة مغلوطة مصدرها المرشحون ويجب تصحيحها .
لماذا أحجم ماكي صال عن إعلان حالة الاستثناء رغم تقديره لوجود وضعية الأزمة ورغبته في تأجيل الانتخابات!
الجواب من خطاب 03 فبراير نفسه، وجاء في حديث الرئيس عن إحاطة الجمعية الوطنية له بشأن مقترح قانون دستوري بإقرار استثناء على مقتضيات (المادة 31) ينتظر من تمريره دسترة تأجيل الانتخابات إلى غاية 15 من ديسمبر 2024.
المقترح بالتعديل جاء من نواب "الحزب الديمقراطي السنغالي - PDS) الذي يرأسه كاريم واد، وبدعم من نواب كتلة "متحدون بالأمل - Benno Bokk Yakaar" الحاكم.
في الجلسة العلنية بتاريخ: 05 فبراير وبعد مساجلات عاصفة احتيج للاستعانة بقوات الأمن لإخراج نواب المعارضة من القاعة نصف الدائرية ليتسنى للهيئة مباشرة التصويت، لتتم المصادقة في النهاية ب:105 صوت واعتراض صوت واحد على مقترح القانون الدستوري رقم 2024-04 المتضمن تقرير استثناء على مقتضيات المادة 31 من الدستور، على النحو التالي:
" المادة الأولى: بشكل استثنائي على الفقرة الأولى فى المادة 31 من الدستور التي نصها:( الاقتراع الخاص لانتخاب رئيس الجمهورية يكون في خمسة وأربعين يوما كاملا، على الأكثر وثلاثين يوما كاملا على الأقل، قبل تاريخ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الجارية)، فإن الاقتراع الرئاسي ل 25 فبراير 2024 يؤجل إلى غاية 15 ديسمبر 2024".
المادة 2: يستمر الرئيس الحالي في القيام بمهامه لحين تنصيب خلفه".
يريد أنصار كاريم واد من التأجيل خلق ظروف تسمح بمراجعة القائمة النهائية للمرشحين للرئاسة وضمان الحاق مرشح حزبهم بتلك القائمة، وهو الذي ورد ضمن اللائحة الأولية، لكنه أسقط من اللائحة النهائية إثر الطعن في خالصية سنغاليته، لتأكد جنسيته الفرنسية من الأم، وعدم تقديمه لما يفيد تخليه عن تلك الجنسية.
بالمقابل ستستفيد الأغلبية من التعديل، وما يترتب عليه من تأجيل للاقتراع، الحصول على فترة إضافية لدعم مرشحها والإعداد الجيد للاستحقاق الرئاسي. وخلق جسور تعاون مع الحزب الاشتراكي تمكن من الحصول على تصويت مناصريه لمرشح السلطة حال امتنع الترشح على السيد كريم واد، أو ضمان تصويتهم لمرشح السلطة عند اللجوء لشوط ثان حال تمكنه واد من الترشح.
بالنسبة لماكي صال ستتيح له أشهر التأجيل الفرصة لمراجعة حساباته انطلاقا من ما توصل به من تقارير بشأن فرص نجاح مرشحه أمادو با، وفى ضوء ما تم الحديث عنه من بوادر خلاف بين الرجلين إمكانية اختياره لمرشح بديل.
الطريق لتحقيق التحاق كاريم واد باللائحة النهائية للمرشحين اختير له طريق إنشاء لجنة تحقيق برلمانية في شبهة فساد تطال أعضاء هيئة القضاء الدستوري بغية أطرهم على مراجعة قرارهم بشأن القائمة النهائية للمرشحين المعتمدين في السباق نحو رئاسة الجمهورية، وإن كان وضع المجلس في موضع المتهم ينتظر منه كذلك ضمان إضعافه من خلال تشويه صورته بغية ضمان تحييده عند تمرير مقترح التعديل الدستوري. وفى نفس الوقت يمثل تشكيل تلك اللجنة الدليل على صحة القول بوجود أزمة ثقة بين المؤسسات وفيها، بشكل ينذر بخروج الأوضاع عن السيطرة.
الحقيقة أنه بالإضافة إلى كون الأزمة المترائية للرئيس لا اتفاق على وجودها، فإن خيار إعلان حالة الاستثناء كان ليقطع الطريق على تمرير هذا التعديل الدستوري؛ باعتبار مقتضيات (المادة 52/فقرة 3) التي تجعل مباشرة أي تعديل دستوري ممتنعة متى أعلنت حالة الاستثناء.
عمليا، وفى المرسوم والتعديل الدستوري بالمطلوب؛ حيث مكن المرسوم من منع انطلاق الحملة الانتخابية، ثم جاء التعديل الدستوري لشرعنة التأجيل وتحديد مدته (ثمانية أشهر)، وليبقي استخدام إعلان حالة الاستثناء بيد الرئيس على سبيل الاحتياط في مواجهة بنيات طريق خروج آمن تتضاءل فرصه رغم الدعم البرلماني للاستراتيجية الرئاسية.
المجلس الدستوري والانقلاب المضاد:
يوم 08 فبراير وتحت الرقم :8/ د/ 2024، تقدم النائبان محمد آييب سالم دافي وصمبا دانغ باسميهما وباسم 38 نائبا آخرين، بعريضة تهدف لتعهيد المجلس الدستوري بغرض:" إعلان لا دستورية القانون رقم:04/2024، المصادق عليه من الجمعية الوطنية في جلستها بتاريخ: 05 فبراير 2024، المتضمن إقرار استثناء على مقتضيات المادة 31 من الدستور". والأمر باستمرار المسلسل الانتخابي. و:" تعديل، عند الاقتضاء، تاريخ اقتراع الانتخابات الرئاسية لمراعاة ما ضاع من أيام الحملة الانتخابية"
بنفس التاريخ تلقى المجلس عريضة سجلت تحت الرقم:9/د/2024 موقعة من النائب باباكار امباي أصالة عن نفسه وباسم 16 نائبا، بهدف الحصول من المجلس على:" إعلان مخالفة القانون رقم:04/2024، المصادق عليه من الجمعية الوطنية في جلستها بتاريخ: 05 فبراير 2024، المتضمن إقرار استثناء على مقتضيات المادة 31 من الدستور". والأمر باستمرار المسلسل الانتخابي.
كما وتلقى المجلس عرائض تحت الأرقام:1/د،2/د،3/د،4/د،5/د،6/د، و7/د/2024 من المرشحين لرئاسيات 25 فبراير 2024: الحاج مالك غاكو، الشيخ تيجان دييي، حبيب سي، باسيروديوماي دياكار فاي، الحاج مامادودياو، تيرنو آلاسان صال وداودا اندجاي، بطلب التعهد بشأن شرعية المرسوم رقم :2024-106، بتاريخ :03 فبراير 2024، المتضمن نسخ مرسوم استدعاء هيئة الناخبين لانتخابات الرئاسية ل: 25 فبراير 2024.
المجلس الدستوري أعطى لنفسه السلطة في "رقابة محدودة" بالنسبة لقوانين المراجعة الدستورية تنصب بالأساس على سلامة النواحي المسطرية، أما بالنسبة للموضوع فتنصب على افتحاص درجة احترام الحدود المثبتة بالدستور. (المقتضيات غير القابلة للتعديل المادة 103 / الفقرة 7)، وعلى ذلك الأساس اعتبر أن القانون الدستوري رقم:2024/04 مخالف للدستور، لتعلقه بمجال غير قابل للتعديل حيث يترتب على إقرار هذا القانون تمديد ولاية الرئيس الممارس عشرة أشهر فوق ما حدد لها في المادة 27 المحصنة وفق الفقرة 7من المادة 103.
وبالنسبة للمرسوم الناسخ لمرسوم استدعاء هيئة الناخبين، فقرر المجلس إلغاءه تأسيسا على كون المجلس نفسه هو جهة الاختصاص في تحديد تاريخ جديد للاقتراع. وعلى أن هذا المرسوم في عرض تقديمه قد تأسس على وجود مشروع قانون دستوري بإقرار استثناءات على المادة 31 من الدستور؛ جسده القانون الدستوري: 04/2024، بتاريخ:05 فبراير 2024، الذي تقرر بشأنه القول بعدم دستوريته، ما يفقد المرسوم أي تأسيس شرعي من تلك الزاوية.
سقط التعديل الدستوري والمرسوم الناسخ، وبشكل متزامن سقطت مسطرة توريط المجلس الدستوري من خلال لجنة التحقيق البرلماني، عندما قام القاضي "الشيخ غي" عضو المجلس الدستوري، الذي ذكره الوزير الأول بالاسم من بين قائمة المرتشين، بنقل قضية الارتشاء إلى القضاء، ليرتب ذلك إعلام وزير العدل لرئيس الجمعية الوطنية بأن تحقيقا قضائيا بخصوص موضوع عمل اللجنة قد تم فتحه، ما ألزم اللجنة أن تضع فورا حدا نهائيا لأعمالها، على ان يتم إشعار الجمعية الوطنية بنتائج التحقيق القضائي.
معاودة الكرة:
أفشل قرار المجلس الدستوري المخطط الانقلابي ومثل طوق نجاة للسنغال، فأعلن الرئيس ماكي صال التزامه باحترام عمل هيئة القضاء الدستوري. دون أن يمنعه ذلك من محاولة مناورة جديدة.
في الحقيقة استبقى الرئيس من مرحلة المرسوم الناسخ لمرسوم استدعاء هيئة الناخبين فكرة إجراء حوار وطني، لكن مع مراجعة للمنتظر منه في ضوء الإخفاقات السابقة، وحجم مقاطعة المرشحين الرئاسيين وقوى المعارضة.
حوار 26-27 فبراير عني بتحديد تاريخ جديد للاقتراع، حيث اختار المشاركون تاريخ :02 يونيو. واقترحوا بالنسبة للمرشحين الرئاسيين الإبقاء على لائحة ال 19 التي ثبتها المجلس الدستوري في القرارين: 2/E/2024، بتاريخ 12: يناير2024 و4/E/2024، بتاريخ:20 فبراير 2024 ، ومع تحفظ يتعلق بافتحاص جديد بخصوص حالات محتملة لعدم خالصية سنغالية بعض من في تلك اللائحة ،إضافة –خارج تلك اللائحة- لإمكانية مراجعة وتصحيح وضعية من ظلموا في احتساب المنظومة التقنية لتزكيات من باتوا يعرفون ب:"السليبين" أو "المرسبين".
متسلحا بهذه المخرجات راسل الرئيس ماكي صال بتاريخ :04 مارس 2024 المجلس الدستوري من خلال الرسالة رقم: 488/PR/SG، بتاريخ :04 مارس 2024، طالبا رأيه بشأن:
- تاريخ 02 يونيو2924 لإجراء الانتخابات الرئاسية؛
- اعتماد لائحة ال 19 مرشحا، مع قابلية مراجعتها إلى النقصان حال ثبات ازدواج جنسية لمن تضمنتهم. أو إلى الزيادة حال وجود أخطاء في احتساب تزكيات المستبعدين من تلك اللائحة.
- استمرار الرئيس المزاول إلى حين تسليمه السلطة لخلفه وقوفا عند حرفية الفقرة 2 من المادة 36 من الدستور؟
رد المجلس الدستوري لم يتأخر، وجاء في القرار: 60/E/2024، بتاريخ: 05 مارس 2024:
- بالنسبة لتاريخ 02 يونيو، رأى المجلس:
أنه من خلال قراره 1/c/2024، قد أكد أنه لا يمكن تأجيل الانتخابات الرئاسية لتاريخ أبعد من المتبقي من المأمورية المنتهية في: 02 إبريل 2024.
وأن هذا التأجيل لا أساس شرعي له بالنظر للقانون الانتخابي وللقرار:1/c/2024، كما لا تتطلبه العودة للمسار الانتخابي. فضلا عن كون تأجيل الانتخابات لما بعد انتهاء المأمورية الرئاسية سيخلق وضعية غير مبوب عليها في الدستور.
وليصل المجلس من ثم إلى أن رأيه بخصوص ذلك التاريخ: أنه يخالف الدستور والقرار 1/c/2024، بتاريخ 15 فبراير 2024.
- أما عن قائمة المرشحين الذين يمكنهم المشاركة في الانتخابات الرئاسية، رأى المجلس:
أنه: وحدهم الذين اعتمد القرار :2024 و4/E/2024، بتاريخ:20 فبراير 2024 من تمكنهم المشاركة في الاقتراع.
- وبخصوص الفقرة 2 من المادة 36 من الدستور، فقدر المجلس أن:
" يستمر الرئيس المنصرف في منصبه حتى يتم تنصيب خلفه " لا مجال لتطبيقها حال عدم إجراء الانتخابات قبل نهاية المأمورية الجارية.
بذلك القرار بدا الأمر وكأنه قد قضي، لكن الأحداث المتعاقبة ستظهر خلاف كذلك.
هكذا وفر اختيار موعد للانتخابات الرئاسية مناسبة لفصل آخر من لعبة البينغ بونغ بين المجلس الدستوري والرئيس ماكي صال:
ففي 06 مارس 2024 حدد مجلس الوزراء :24 مارس تاريخا لإجراء الانتخابات الرئاسية. بينما في نفس اليوم وردا على تعهيد 15 من المرشحين الرئاسيين المعتمدين له بشأن تحديد تاريخ لتلك الانتخابات، اختار المجلس الدستوري تاريخ: 31 مارس مع الإشارة لتضمين ذلك التحديد دعوة للهيئة الناخبة في السنغال والخارج.
ماكي صال يريد خلق أزمة، لكن هذه المرة المجلس الدستوري نزل على قرار السلطة التنفيذية واعتمد تاريخ 24 مارس، ليتأكد أخيرا تاريخ اتفاقي لإجراء الانتخابات الرئاسية ولتبدو الأزمة وكأنها قد أخذت طريقها للحلحلة.
لم يكن المجلس الدستوري موفقا بالنسبة لتحديد تاريخ جديد لإجراء الاقتراع، بعد أن كان تصامم عن الطلبات التي وردت بذلك الخصوص في العرائض التي قدمت له وأسس عليها قراره بعدم دستورية القانون الدستوري :2024/04، وإلغاء المرسوم 2024/106، حيث تضمنت كلها طلب: "حال ضرورة لذلك بتعديل تاريخ الانتخابات الرئاسية للأخذ في عين الاعتبار ما ضاع من أيام ".
تعديل أم تحديد تاريخ للانتخابات الرئاسية:
منطقيا، يفترض ان يتعلق الأمر بمجرد تعديل التاريخ الذي حدده المرسوم رقم:2023-2283 ل:29 نوفمبر 2023، كتاريخ لاستدعاء هيئة الناخبين يوم 25 فبراير 2024، وذلك لاعتبارات قانونية وموضوعية:
يفترض أن يترتب تلقائيا على إلغاء المرسوم :2024/106، عودة العمل بالمرسوم: 2023/2283، ومع مراعاة واحتساب تأخير 12 يوما هي حاصل الفترة التي فصلت بين 03 فبراير تاريخ إصدار مرسوم الإلغاء، وصدور قرار المجلس الدستوري في 15 فبراير 2024.
القول بخلاف ذلك يعنى الدخول في متاهة الحاجة لمرسوم جديد باستدعاء الهيئة الناخبة يتعين مسطريا أن يفصل بين صدوره وتاريخ الاستدعاء 80 يوما حسب متطلبات المادة 137من القانون الانتخابي: 2021-035، بتاريخ:23 يوليو2021.ومع ما يعنيه ذلك من تجاوز كل ما سبق تقريره على صدور المرسوم الجديد (الترشح –التزكيات...)، وهو الأمر الذي يخلط جميع الأوراق ويحقق، رغم إلغاء مرسوم إلغاء مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة، ما سعى له الرئيس ماكي والمرشح كريم واد!
المجلس الدستوري الذي تصدى للبت في دستورية مرسوم يدخل في مجال التنظيم التابع للحكومة، وتمتنع رقابته، باعتباره يدخل ضمن توصيف "عمل الحكومة"، حتى على المحكمة العليا، صاحبة الاختصاص بالنظر فى تجاوز السلطة التنفيذية حدود سلطاتها، وتوج تدخله ذلك بإلغاء المرسوم 2024/106، كان بإمكانه في ظل تعذر العودة لتاريخ 25 فبراير المحدد أصلا من المرسوم :2023/2283، أن يكمل صولته تلك ويعدل ذلك التاريخ، استجابة للطلب الذي ورد ضمن عريضة الطعن في المرسوم ولكن أيضا تمشيا مع كون ما ورد في الدستور من احتمال لتعديل تاريخ الاقتراع هو من خص حصريا بالتقرير بشأنه (المادة 34).
ارتعاش يد المجلس بهذا خصوص تجسد حقيقة كون هذه الانتخابات تجري خارج النسق القانوني الناظم لها؛ فمن تصامم في القرار: /c/20241، بتاريخ:15 فبراير عن طلب العارضين في قضية إلغاء المرسوم 2024/106، بتحديد تاريخ جديد للانتخابات يراعى ما انقضى من أيام الحملة الانتخابية.
إلى القرار: /E/20246، بتاريخ :06 مارس 2024، الذي حدد تاريخ 31 مارس 2024 تاريخا للاقتراع في الانتخابات الرئاسية، سالبا من السلطة التنفيذية اختصاص استدعاء هيئة الناخبين، عندما نص في المادة الثانية من قراره ذلك على:" يتضمن هذا القرار استدعاء هيئة الناخبين في الداخل والخارج لاقتراع 31 مارس 2024".
ثم ليعود وينزل عند ما أقر المرسومان: 2024/690 و2024/691، بشأن اعتماد: الأحد 24 مارس 2024 تاريخا لإجراء الاقتراع واستدعاء الناخبين لذلك الغرض، مؤسسا إعطاءه لنفسه الحلول محل الجهة المعنية بتحديد تاريخ الاقتراع، على سلطته بشأن تنظيم الانتخابات، وعلى ما اتسمت به الإدارة من عطالة بهذا الخصوص، قاطعا الطريق على مسعى الرئيس صال لخلق ازمة بشأن تنازع الاختصاص مع الهيئة في مسألة استدعاء الناخبين.
حكم قرار المحكمة رقم: J/106/RG/24، بتاريخ 15 مارس 2024 على مسعى من يعرفون بالمرشحين "المسلوبين" بصفتهم تلك، وكمواطنين مقترعين بالفشل، عندما قررت تأسيسا على عدم وجود مصلحة لهم في ما قدموا من اعتراض على المراسيم: /690 ،2024/691 والمرسوم 2024-704، بشأن اعتماد: الأحد 24 مارس 2024 تاريخا للاقتراع واستدعاء الناخبين ومدة الحملة الانتخابية.
اليوم: الاحد 24 مارس 2024 تجرى في جمهورية السنغال انتخابات خارج القانون، خرجت عليه منذ حاول الرئيس المنتهية ولايته توظيف القضاء لمنع معارضيه من الترشح، لكنها صارت مطحنة للقانون منذ أقدم على إصدار مرسومه 2024/ 106 بإلغاء مرسوم استدعاء هيئة الناخبين لاقتراع 25 فبراير 2024، وخصوصا بعد أن التحق به المجلس الدستوري في مجهود الطحن ذلك لتسجل خروقات يمكن تقديم نماذج منها في:
خرق الدستور:
-عندما تصدى المجلس لرقابة دستورية القوانين الدستورية: مدخلا لها دائرة " القوانين" التي له رقابة دستوريتها، على خلاف نظيره الفرنسي الذي لم يلبس عليه بشأن خروج القوانين الدستورية من تلك الرقابة؛ لاعتبارات متعلقة بصعوبة التسليم بالحجر على الإرادة العامة عندما يتعلق الأمر بالنصوص المنبثقة عن السلطة المدسترة الأصلية أو حتى الفرعية ؛كرست بالاستفتاء أو حتى من خلال المؤتمر البرلماني، إذ رغم التسليم بمعيارية الدستور التى تجعل الرقابة واردة باعتبار تدرج التشريعات بالنسبة للقوانين العادية "اختياريا" وللقوانين النظامية "إلزاميا"، فإن الأمر داخل المقتضيات الدستورية نفسها غير ذلك ،حتى مع التسليم بوجود مقتضيات توصف بالتحصين. وما تفصيل الإحالة الاختيارية للقوانين العادية إلى المجلس. والتصريح بإلزامية الإحالة وبسط مسطرتها بالنسبة لجزء الكتلة الدستورية المتعلق بالقوانين النظامية دون النص الدستوري إلا دليل صحة ذلك.
-أعطى المجلس لنفسه صلاحية رقابة المرسوم 2024/106، الصادر عن رئيس الجمهورية بشأن إلغاء المرسوم 2023-2283 الذي سبق أن حدد فيه تاريخ استدعاء الناخبين، دون مراعاة لأن الاختصاص بشأن الإجراءات التنظيمية المتخذة من الحكومة يعود للمحكمة العليا، والتي رغم أنها بالتفرد هي جهة رقابة سلامة تلك الإجراءات من تجاوز السطلة، إلا أنها -بحسب القار بالاجتهاد القضائي منذ قرار" لا فيت – Lafitte" لسنة 1822- عندما يتعلق الأمر بإجراء ينطبق عليه توصيف "عمل الحكومة"، تمتنع عليها رقابته تأسيسا على مبدأ عدم تدخل القضاء في العمل الحكومي الصرف.
-بت المجلس الدستوري بشأن ما قدم له من طلبات الترشح للرئاسة في قراره: 2/E/2024، بتاريخ 12: يناير2024، لكن بعد أن اعتمد يوم 24 مارس 2024 تاريخا للجولة الأولى للانتخابات، فتكون طلبات الترشح التي تم على أساسها اعتماد لائحة المترشحين لهذه الانتخابات قد وردت خارج أجل الستين يوما المنصوص عليه في (المادة 29) كحد اقصى بين تقديمها والجولة الأولى للاقتراع.
-ينص الدستور في (المادة 31) منه على انتخاب رئيس جديد قبل انقضاء مأمورية الرئيس المنصرف بثلاثين يوما على الأقل. هذه المرة سيتأخر انتخاب الرئيس الجديد لما بعد انتهاء ولاية المنصرف، ما سيخلق وضعية خارجة على التبويب الدستوري.
خرق قوانين الانتخابات
-الفاصل الزمني بين استدعاء هيئة الناخبين وتاريخ الاقتراع محدد ب:80 يوما في (المادة 137) من القانون الانتخابي: 2021-035، بتاريخ:23 يوليو2021، في حين أن الفاصل الزمني بين نشر المرسومين: 2024/690، بتاريخ 06 مارس 2024، المحدد ليوم 24 مارس كتاريخ الاقتراع للانتخابات الرئاسية، والمرسوم:2024/691، بتاريخ 06 مارس 2024، الذي يستدعي هيئة الناخبين، وتاريخ الاقتراع في 24 مارس هو 18 يوما فقط!
ومؤكد أن الشوط الثاني سيعرف نفس الخرق لصعوبة الوقوف عند أجل 08 أيام كفاصل بين نشر مرسوم التحديد وتاريخ الاقتراع كما ورد في (المادة 137/فقر2) من القانون 2021-035.
-المرسوم رقم :2024-704 بتاريخ 07 مارس حدد مدة الحملة الانتخابية في ما بين السبت 09 والجمعة 22 مارس (13 يوما فقط)، بينما حددت المادة (129) من القانون الانتخابي مدة الحملة الانتخابية ب 21 يوما.
التغاضي عن هذه الخروقات الوارية والإصرار على استمرار المسار الانتخابي بالنسبة لمعارضة النسق لا يعنى مطلقا إغفال خطورتها أو التسليم بنتيجة ما ينتج عن انتخابات طبعتها، لكن الأمر متوقف على طبيعة النتيجة التي سيسفر عنها الاقتراع: فوزا أو خسارة.
صحيح أن خروج ماكي صال يوم 02 إبريل من السلطة مكسب بالغ الأهمية أهرقت دماء زكية من أجل ضمانه، لكن الوصول للسلطة والتغيير يظل غاية تحرك تلك المعارضة.
حسم المنظومة المتحكمة للانتخابات منذ الشوط الأول محتمل وفى شوط ثاني وارد، وحينها ستعتبر معارضة النسق أن الانتخابات لم تكن أكثر من فاصل في نضالها ضد النسق، ولن تجد حينها من مبرر للاعتراض على المسار برمته أرجى من تأثير المطحنة القانونية على ما تم من انتخابات، قبل أن تعود لنكئ قضايا وأزمات البلد التي تعتبر أن وجود النسق سببها والقائم على استمرارها.
بالنسبة للنظام والرئيس ماكي صال تحديدا ليس بالإمكان أسوء من ما كان، عزاؤه الوحيد أنه منع معارضه الأشرس من الوصول للسلطة حتى ولو أدى به ذلك رغم كل الثقة التي منحه الشعب أن ينهى مسيرته متخليا للمجلس الدستوري عن مسئولية حماية الدستور، ومتلبسا بارتكاب الخيانة العظمى من خلال مرسومه المارق على الدستور حسب منطوق قرار هيئة القضاء الدستوري السامية.
حتى بدون النطق بتلك الإدانة أو المحاكمة على تلك التهمة، ضاقت أرض الترينغا قاطبة على ماكي صال ليضطر لاختيار ذات الوجهة التي لاقت قبله ل: موبوتو سيسي سيكو، بليس كامباوري، داديس كمرا و...
يعقوب ولد السيف