سفير موريتاني سابق بالمغرب: نواكشوط محايدة في ملف الصحراء

قال السفير الموريتاني السابق بالمغرب، محمد ولد حناني، إن “موريتانيا لن تنخرط أبدا في مبادرة تقصي أي بلد مغاربي كان”.

وأضاف ولد حناني، في الحوار التالي مع جريدة هسبريس الإلكترونية المغربية، أن “مبادرة الأطلسي ستباركها موريتانيا بكل تأكيد، خاصة وأنها ستعود بالنفع على دول الساحل”.

واعتبر الدبلوماسي الموريتاني، الذي وشحه قبل أيام العاهل المغربي بالوسام العلوي من درجة قائد، أن “موريتانيا ستبقى محايدة في ملف الصحراء حتى تلعب دور الوساطة بين المغرب والجزائر”.

وبين السفير السابق لنواكشوط أن “قرار جمركة الخضر والفواكه المغربية ليس له طابع سياسي، بل اقتصادي يهم فترة مؤقتة وسيتم التراجع عنه”.

وأشار ولد حناني إلى أن “العاهل المغربي كان بالفعل سيزور موريتانيا سنة 2022، وهو متأسف حقا على عدم تحقيق ذلك”، كاشفا أن “الرئيس محمد ولد الغزواني مستعد لزيارة المملكة في حالة تلقيه دعوة جديدة”.

وهذا نص الحوار:

بداية، هل العلاقات بين موريتانيا والمغرب دخلت في السنوات الأخيرة مرحلة جديدة من التعاون؟

نعم، العلاقات بين الرباط ونواكشوط أخذت منحى جديدا وقويا وجد مطمئن في السنوات الأخيرة، سواء من خلال حجمها أو نوعها، حيث تزداد مجالات التعاون باستمرار، كما يترسخ الوجود الدبلوماسي والقنصلي لموريتانيا في أراضي المملكة المغربية الشقيقة، والدليل على ذلك هو الإرادة السياسية القوية لقائدي البلدين.

تحدث وزير الخارجية المغربي عن كون نواكشوط جزءا أساسيا من مبادرة الأطلسي، كيف ترى هاته المبادرة؟

لست الأنسب بالطبع للحديث عن المبادرة من وجهة نظر موريتانية، لأنها مشروع لم يتزامن مع فترة تواجدي كسفير وقتها في المغرب. لكن ومن وجهة نظر شخصية، أرى أن نواكشوط ستباركها بكل تأكيد، خاصة وأنها تهم دولا إفريقية شقيقة ليس لها انفتاح على المحيط، كما أن كل ما يخفف الأعباء على هاته الدول الشقيقة، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، سوف تشجعه نواكشوط بكل تأكيد.

ما هي الأدوار في رأيك التي من الممكن أن تلعبها نواكشوط في هاته المبادرة؟

موريتانيا جزء من مبادرات إفريقية أخرى، حيث تلعب أدوارا نشطة للغاية. لذا، أعتقد أن الدور النشط نفسه ستلعبه نواكشوط في مبادرة الأطلسي.

شهدت منطقة الساحل انقلابات عديدة وحالة من التوتر ما تزال مستمرة في مناطق عدة، هل المبادرة برأيك إجابة ملموسة لهاته التحديات؟

فعلا، فأي مبادرة مثل تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي قد تخفف من الأعباء الاقتصادية لدول الساحل وتحسن ظروف المعيشة، هي بلا شك مبادرة حميدة، فهاته الدول عانت من العديد من المتغيرات، وتأثرت بذلك العديد من التوازنات والتحالفات الإقليمية. لذا، موريتانيا تتابع وضع هاته البلدان، بحكم العلاقات التاريخية، بكثير من الاهتمام.

ننتقل إلى موضوع الصحراء، هل الموقف الموريتاني الحالي، كما تقول نواكشوط الحياد الإيجابي، لن يتغير مستقبلا رغم المتغيرات الأخرى كالمبادرة؟

نعم، بكل تأكيد موريتانيا ملتزمة بالحياد الإيجابي في ملف الصحراء، بسبب الأواصر الإنسانية، والثقافية، والتاريخية، والدموية، وموقف نواكشوط يبقى قديما متجددا، وثابتا، ويرمي بالأساس إلى إيجاد حل لهاته القضية طبقا للقانون الدولي، بما يعود إيجابا على إعادة بناء الاتحاد المغاربي.

من خلال هذا الحياد الذي لن يتغير، بحسبك، هل موريتانيا تستطيع لعب دور الوساطة بين المغرب والجزائر؟

نعم، بكل تأكيد تستطيع ذلك؛ فالرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، أبدى مرارا استعداد نواكشوط، في حالة وجود هاته الإرادة بين الشقيقين المغرب والجزائر لتقوم بوساطة لتقريب العلاقات بين الجارين، وبالتالي حل نزاع الصحراء. لذا، فنواكشوط تحت الإشارة لهاته المهمة، ولا ينقصها سوى الإرادة لتقريب وجهات النظر.

هنالك بالفعل توتر بين البلدين على خلفية عقارات السفارة الجزائرية، حيث أبدت الجزائر غضبها من خطوة الرباط، كيف ترى الاحتجاج الجزائري؟

لم أعلم بالموضوع، لكن حقا متأسف لاستمرار التوتر بين البلدين، خاصة وأنني أرى أن كل ما يجمع بين الشعبين المغربي والجزائري هو المحبة والأخوة، وأنا شخصيا وقفت في حدود البلدين خلال فترتي الديبلوماسية، وما لاحظته هو أن لا شيء يحد بين البلدين، ونتمنى حقا أن تنتهي الأزمة، كما أنه بحسب المعطيات الجيو-سياسية، هنالك جهات لا تريد أبدا حدوث تقارب بين البلدين، لأن ذلك سيعطي للضفة الجنوبية المتوسطية وزنا كبيرا أمام الدول الأوروبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط.

مقاطعا.. ما هي هاته الجهات التي تعرقل عودة العلاقات؟

هو أمر واضح تماما، بالطبع أنا لا أقصد دولا، لكن لنرى الاتحاد من أجل المتوسط الذي فشل في الخروج إلى الواقع، حيث يسعى لتقريب وجهات النظر بين دول البحر الأبيض المتوسط، وبالطبع فنحن نعلم أن أي تعزيز لقوى العالم العربي والإسلامي ستأتي جهات لتقف أمامه، أضيف أيضا أن شركات الأسلحة ترى من مصلحتها استمرار التوتر في المنطقة العربية العزيزة.

نبقى في الفضاء المغاربي، كيف ترون مسار هذا الحلم؟ هل انتهى الأمل؟

لا بد من وجود الأمل، لأنه بدون أمل لا يمكن تحقيق أي شيء، كما أن المعطيات الموضوعية تدفعنا مستقبلا لإحياء هذا الحلم، وعندما كنت في المغرب أطلقت منظمات مبادرة لوقف التوترات بين المغرب والجزائر، ونعرف باليقين أن شعوب المنطقة تريد فعلا تجاوز الخلافات لتحقيق تكتل أكثر اندماجا وقوة.

أطلقت الجزائر قبل وقت قصير تنسيقا مغاربيا جديدا مع تونس وليبيا يستثني المغرب، فيما موريتانيا تقول العديد من المصادر إنها رفضت الانضمام، ما تعليقكم على ذلك؟

ما تم الإعلان عنه لا يشمل موريتانيا، وشخصيا، من وجهة نظري، أرى أن نواكشوط مهتمة ببناء اتحاد مغاربي يشمل جميع بلداننا، ولا أرى أن نواكشوط ستنخرط في أية مبادرة مغاربية تستثني دولة من دولنا، فنحن نلتزم الحياد بما يحفظ الخير لبلادنا، ونذهب إلى أبعد من ذلك؛ إلى لعب أي دور يمكن من تقريب مواقف الدولتين طالما أن الرغبة موجودة.

نتوجه إلى مسألة أثارت الكثير من الجدل بين البلدين، وهي الجمركة الموريتانية على الخضر والفواكه المغربية، هل هذا القرار له دوافع سياسية أم اقتصادية؟

أبدا، ليس هنالك أية دوافع سياسية، عندما كنت في كرسي السفير بالمغرب كان المسؤولون المغاربة يداعبونني بضرورة تصور أسس تعاون اقتصادي يمتد إلى نظيره السياسي، وهذا بالفعل كان هدفي الأبرز، حيث سعينا إلى تعزيز هذا التعاون. وفي سنة 2022، تم عقد لقاء رجال الأعمال المغاربة والموريتانيين.

بالنسبة لقرار الجمركة، له أسباب اقتصادية، لا علاقة لها بطرح عرقلة المبادلات التجارية، وإنما فقط طبيعة النشاط الزراعي الموريتاني، توجد به مواسم من السنة يكون فيها الإنتاج من الخضروات والفواكه مرتفعا جدا، وهو ما حصل هاته الفترة، حيث اتخذت السلطات المختصة هذا القرار الذي هو بالطبع مؤقت ويهدف فقط لحماية المنتوج الزراعي المحلي، ومع انتهاء مرحلته سيتم التراجع عنه.

حسنا، لماذا لم يتم اتخاذ القرار نفسه في السنوات الماضية؟ لماذا هذا العام بالضبط؟

موريتانيا تحاول أن تكون مكتفية لتحقيق أمنها الغذائي، على سبيل المثال في مادة الأرز، وهو الحال بالنسبة للخضروات والفواكه، والإخوة المغاربة لهم دور كبير في تحقيق الطموح الموريتاني، إذ إنه نظرا للجفاف، فقد توجه مستثمرون مغاربة نحو موريتانيا، والحمد لله لقد ساهموا كثيرا في تعزيز النسيج الزراعي ببلادنا، خاصة في مجال البطيخ الذي أصبح يصدر من موريتانيا نحو المغرب، ونحن نسعى أن تقتنص كل فرص الاستثمار في شتى المجالات المشتركة لجلب الاستثمار المغربي الواعد.

نفهم أن قطار الاقتصاد يجر موريتانيا والمغرب نحو المستقبل، ماذا عن المجال الطاقي؟

أنبوب الغاز النيجيري المغربي مهم جدا بالنسبة لموريتانيا، وحسب معلوماتي، تم التوقيع على اتفاق فرعي مع كل من السنغال وموريتانيا بخصوص هذا المشروع، خاصة وأن نواكشوط ترغب فعلا في تصدير الغاز من خلال هذا الأنبوب، وبالتالي آفاق التعاون الاقتصادي واعدة كثيرا.

هل كانت لديكم معلومات في فترتكم بالمغرب حول زيارة ولد الغزواني للمملكة؟ وهل ستتم مستقبلا؟

كان جلالة الملك، محمد السادس، يرغب حقا في زيارة نواكشوط سنة 2022، وموريتانيا كانت على استعداد لهاته الزيارة التاريخية، غير أن هذا أصبح من الأمور التي أتأسف عليها في فترتي بالمغرب، حيث لم نر زيارة على مستوى القادة بين البلدين، لكن حسب المعلومات التي كانت متوفرة لدي، فولد الشيخ الغزواني مستعد لزيارة المملكة في أي وقت يتلقى فيه دعوة رسمية جديدة، لكن لا أفشي سرا أن العاهل المغربي كان سيزور فعلا موريتانيا في 2022، وكنت شخصيا أستعد لهاته الزيارة، التي لها أبعاد كبيرة للغاية.

ما هي أسباب تعرقل زيارة العاهل المغربي بحسب معلوماتكم حينها؟

ربما تعلق الأمر بظروف قاهرة، لكن ما تم تداوله رسميا بيننا، كانت الزيارة مقررة سنة 2022، على أن تشمل بلدانا أخرى.

في الختام، كيف تقرؤون مستقبل العلاقات بين موريتانيا والمغرب؟

أود أولا أن أوجه الشكر إلى العاهل المغربي، جلالة الملك محمد السادس، على الوسام العلوي بمرتبة قائد، وأنا ممتن لهذا التكريم الذي أعتز به، وربما يرمز لمجهود شخصي المتواضع خلال تواجدي في المملكة المغربية.

وعن علاقات التعاون بين البلدين المستقبلية، فأنا أشكر السلطات المغربية على حسن المعاملة التفضيلية لبلدي موريتانيا، ولجاليتنا، والسنوات الأخيرة تعكس نمو العلاقات، فأنا جئت في فترة كورونا وحينها رأيت حسن المعاملة المغربية في السماح بترحيل الجثث التي تحمل جنسية موريتانية التي توفي أصحابها جراء الفيروس. فرغم الإجراءات الصارمة، تم السماح للموريتانيين بذلك.

العلاقات تأخذ منحاها المتصاعد، وأشير إلى اقتراب نهاية أشغال المجمع الدبلوماسي الموريتاني، الذي يظهر تطور العلاقات، كما تم افتتاح قنصلية نواكشوط في الدار البيضاء. لذا، التعاون مستمر في شتى المجالات، خاصة الاقتصاد: في المناجم، والصيد، والهيدروجين، ما يعني أن العلاقات تعيش فترتها الذهبية بالفعل.