المرابطي: مدونات مدرسية عربية تتبنى تصورات أوروبية "إيديولوجية" غير حقيقية
قال الأكاديمي الموريتاني بدي المرابطي إن سرديات مدرسية معممة بالعالم العربي تنشر في صفوف المتعلمين “صورة أنتجتها أوروبا عن نفسها”، وتصورا لها هو جغرافية ذهنية غير حقيقية، حيث “تتبنى المدونات المدرسية بشكل تام السردية الغربية، وينغرس الخطاب العربي المعاصر، في عمومه، في السرديات الأوروبية للقرن التاسع عشر، وهرميتها”، وهو ما يرافقه “ضعف وهشاشة المؤسسات التربوية بالمنطقة التي تعيش على هامش تطور البحث العلمي والخطاب الأكاديمي”.
جاء هذا في لقاء مع الإعلامي ياسين عدنان ضمن برنامج “في الاستشراق” الذي يعرض على منصة “مجتمع”، حيث ذكر المرابطي أن “كلمة الغرب إيديولوجية”، لكنها “تسميتهم لأنفسهم”؛ فـ”أوروبا الغربية جزء من الإمبراطورية الرومانية، وما سمته شرقا كان شرقها، واليونانية شرق، والغرب لاتيني، وفي زمن بداية الإسلام في القرن السابع الميلادي، انتشر الإسلام في الأجزاء الجنوبية من الإمبراطورية الرومانية، فصارت ثلاثة أطراف بينها صراع”.
وتابع: “تقسيمات العصر القديم والوسيط والحديث سردية أوروبية لم تؤخذ يوما على محمل الجد من طرف المختصين، لكنها سائدة في السرديات المدرسية”، و”السرديات الأوروبية عممت، في لحظة إدراكها تقاسمها العالم، وداخل إمبراطوريات الاستعمار، خلقت نخبا ورثتها دول الاستقلالات، وهي التي أنشأت مدونات مدرسية، وتبنت هذه السرديات بشكل مباشر، أو بطريق الردود، لأنها تنطلق من الصيغ الغربية للرد عليها”.
ولتفسير ما يحدث اليوم من لبوس قيمي للحروب، عاد الأكاديمي إلى الحروب القديمة التي استخدم أغلبها “مفردات دينية”، ليقول: “أغلب الحروب اليوم تستعمل مفردات تعبوية حتى في الدول الأكثر علمنة بالحديث عن القيم والأخلاق، فغالبا لن تستطيع كسب مشروعيتها بالحديث عن المصالح الاقتصادية والتمدد الترابي، فتحتاج غطاء إيديولوجيا يرفع السقف إلى ما هو غيبي وروحي”.
ثم ذكر أن أوروبا “منذ القرن 19 أدركت قوتها في العالم، علما أنه في السابق كان الجزء الغربي من الإمبراطورية الرومانية هو الجزء الأضعف، وكان منطقة هامشية في البحر الأبيض المتوسط بعد نقل العاصمة إلى القسطنطينية، وهجومات القبائل الجرمانية.”
لكن، “هناك غرب أصبح شرقا، في الشرق الأوسط اليوم، ومنه القسطنطينية التي كانت عاصمة الإمبراطورية في عهد الإمبراطور قسطنطين، بدل روما.”
وتطرق المتدخل إلى استعمال الرومان الدين واللغة الدينية لأغراض التوسع، حيث كانت من أهم المراكز التي أخذت قسطنطين على محمل الجد، شمال إفريقيا، ثم “منذ ما حصل في الأندلس واكتشاف الأمريكتين والثورة الصناعية، بدأت أوروبا ترى نفسها مركزا جديدا في العالم”، فأنتجت “سرديات تتناسب مع المركز الجديد لأوروبا الغربية في العالم التي اعتقدت أنها ستتقاسمه للأبد”، مع “تنافس المقومات اللغوية لأوروبا ودولها الوطنية.”
ورغم رؤية الحداثة نفسها “خروجا من الهمجية الظلامية التي أساسها الحروب الدينية”، إلا أن “القضية الفلسطينية نتاج مباشر لفشل النموذج الليبرالي للغرب”، فـ”القضية اليهودية” التي وجدت أجزاء من أوروبا حلها في تأسيس إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، نتيجة تشكل الدول القومية الأوروبية على شعار الخروج من الحروب الدينية، وخلق آلية انتماء مشترك مستقلة عن الانتماء الديني، ومفهوم المواطنة، والانتماء إلى الثقافة والتعاقد سياسي.
لكن ما ظهر في القرن التاسع عشر أن هذه المفاهيم “مبنية على تصور ضمني لانتماء مشترك قيمي ورمزي بروتستانتي كاثوليكي، ومن هنا العداء إلى مكون ذي انتماء ديني مختلف هو اليهودية. ورفض وجود الأمة داخل الأمة، وقبولهم كمواطنين، لأنهم غير كاثوليك وبروتستانت”، وهو ما “يتجدد اليوم مع المسلمين”.
وبالتالي “القضية الفلسطينية تعبير عن أزمة الليبرالية”، ومشكلاتها في أوروبا الغربية، التي من بينها وجود أربع أمم داخل دولة واحدة بالمملكة المتحدة، والناطقين بالفرنسية في بلجيكا، وكاتالونيا بإسبانيا، وإيطاليا بين الجنوب والشمال، فضلا عن مشكلات أوروبا الوسطى والشرقية أيضا.
ثم أردف الأكاديمي قائلا: “القضية الفلسطينية نتيجة إشكالية طائفية صدرتها أوروبا للعالم العربي، وعدم قدرة النخب عن التعبير عن نموذج تعايش خارج الانتماءات الطائفية، ومشكل عدم القدرة على إدماج اليهود العرب في العراق واليمن ومصر والجزائر مثلا”، علما أن في عدم ظهور اليهود في سرديات عربية “خضوع للسردية الأوروبية باعتبار الانتماء الديني انتماء وطنيا”.
وفي ظل تبني عربيا وإسلاميا مفاهيم مثل مفتي الدولة، ودين الدولة، وقضاء الدولة، وإشكاليات طائفية أخرى منقولة بآليات كثيفة، يرى بدي المرابطي أنها “موروثة عن الإمبراطورية الأوروبية”، دون أن تكون “النخب بعد الاستقلال قادرة على أن تعي خلفيات كل هذه السرديات لبناء مشروع وطني مغاير”.