حقوقي: الاتحاد الأوروبي يتحمل مسؤولية أزمة المهاجرين في تونس
اعتبر رمضان بن عمر، متحدث المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أبرز منظمة محلية معنية بأوضاع المهاجرين عير النظاميين، أن الاتحاد الأوروبي يتحمل "المسؤولية الكبرى" عن أزمة المهاجرين العالقين في بلاده.
وقال بن عمر، في مقابلة مع الأناضول، إن "وجود المهاجرين غير النظاميين في تونس أتى نتيجة علاقات غير متوازنة بين الشمال والجنوب".
وأوضح أن "الشمال، الذي استعمر الجنوب واستغل ثرواته وخيراته وبنى رقيه الاقتصادي والعلمي والتقني ورفاهية شعوبه على حساب شعوب الجنوب، أصبح ينظر للتنقل كخطر، وأقر سياسات لضبطه وجعله حكرا على فئات معينة من الجنوب تخدم مصالحه الاقتصادية والأكاديمية".
وبوتيرة أسبوعية، تعلن السلطات التونسية إحباط محاولات هجرة إلى سواحل أوروبا وضبط مئات المهاجرين من تونس أو من دول إفريقية أخرى.
وفي سبتمبر/ أيلول 2023، أعلنت المفوضية الأوروبية تخصيص 127 مليون يورو مساعدات لتونس، ضمن مذكرة تفاهم بشأن قضايا، بينها الحد من توافد المهاجرين غير النظاميين.
تحمّل الاتحاد الأوروبي مسؤولياته
وبالنسبة للحلول المقترحة، قال بن عمر إن "الحل هو تكريس حق التنقل غير المتاح الآن، لذلك على الاتحاد الأوروبي أن يتحمل مسؤولياته في إيجاد مسارات تنقل آمنة للمهاجرين العالقين في تونس".
وتابع: "الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بتونس تجعلنا نصنف هذا البلد بأنه غير آمن للمهاجرين ولا يستطيع تحقيق الأمن والحماية لهؤلاء الفارين من الحروب والعوامل المناخية والاقتصادية، والمسؤولية أساسا على الاتحاد الأوربي في إيجاد حل".
أما بخصوص السلطات التونسية، فقال بن عمر: "نؤكد على مسؤولية الدولة التونسية، ونطلب التعامل الإنساني وتعليق القوانين التمييزية، وأن نسمح لهؤلاء بالسكن والتنقل وإدماج العمال المهاجرين، والعمل مع الاتحاد الأوروبي لإيجاد رؤية جديدة لحل مشكلة المهاجرين العالقين".
واعتبر أن "مسؤولية الاتحاد الأوروبي واضحة، وقد أغمض أعينه عنى المقاربة غير الإنسانية التي اعتمدتها السلطات التونسية، وهناك تحالف للأسف بين تونس والاتحاد للحد من وصول المهاجرين إلى الضفة الشمالية (لبحر المتوسط) وتحويل تونس إلى شبه حصن متقدم للاتحاد".
لكن مسؤولية الاتحاد، وفقا لبن عمر، "لا تعفي السلطات التونسية من المسؤولية".
مخاوف السلطات التونسية
وحول مخاوف السلطات التونسية من انفلات الوضع، لا سيما بعد أحداث يوليو/ تموز الماضي حين قُتل تونسي في اشتباكات مع مهاجرين بمدينة صفاقس (جنوب)، قال بن عمر: "إذا كان هناك مهاجرون اخطأوا، لابد من محاسبتهم فرديا ولا نسحب ذلك على كل المهاجرين".
وأردف أن "تونس في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، وتهويل مسؤولية المهاجرين عن الأزمة هو جزء من الدعاية المغلوطة، وعدد المهاجرين في تونس هو الأقل مقارنة بالدول المجاورة".
و"المهاجرون لا يستهلكون أكثر من السياح، الذين يتمتعون بالمواد المدعومة (حكوميا)، والعمال المهاجرون نحتاجهم في اقتصادنا وخاصة في الخدمات، وهي حقيقة ديموغرافية سنواجهها في السنوات القادمة"، كما زاد بن عمر.
وعقب أحداث صفاقس، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد إن "تونس ليست شقة مفروشة للبيع والإيجار، وهؤلاء المهاجرون تم تعبيد الطريق أمامهم من قِبل الشبكات الإجرامية التي تستهدف الدول والبشر"، مشددا في الوقت نفسه على عدم وجود انتهاكات منظمة ضدهم.
واعتبر سعيّد، في فبراير/شباط 2023، أن المهاجرين "جزء من مؤامرة تستهدف تغيير التركيبة الديموغرافية لتونس".
استجابة إنسانية
وبحسب بن عمر "لابد للدولة التونسية أن تقوم باستجابة إنسانية من خلال فسح المجال لكل منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية للقيام بواجبها في الإحاطة بالمهاجرين العالقين في تونس، وخاصة في المناطق النائية".
وأضاف أن "الاستجابة الإنسانية تكون أيضا عبر خطة وطنية للبحث والإنقاذ على طول السواحل التونسية تعطي الأولوية لإنقاذ الأرواح وليس الاستجابة للضغوط الأوروبية والإعادة بالقوة".
واستطرد: "وتمر الاستجابة أيضا بإعادة النظر في مسار علاقتنا بالاتحاد الأوروبي في قضايا الهجرة غير النظامية، وهو مسار غير عادل حوّل تونس إلى مجرد نقطة حدود أوروبية متقدمة".
كذلك "لابد من إعادة النظر في علاقتنا مع دول الجنوب وانتمائنا الإفريقي، وهذا لا يتم إلا عبر مصالحة حقيقية تمر أساسا عبر الاعتراف بالخطأ الفظيع الذي تم ارتكابه"، كما أردف بن عمر.
ولفت إلى أن "التونسيين يهاجرون أيضا للجنوب لأسباب اقتصادية، ولنا مئات التونسيين في كوت ديفوار وغينيا والسنغال وغيرها من الدول الإفريقية، وليس فقط ككفاءات، بل حتى كعمال مهاجرين في مهارات يدوية، مثل البناء والإنشاءات، وهذا يهدد مصالحهم عبر تهديدات مثل التي يتعرض لها المهاجرون في تونس".
عدد غير ثابت
وبشأن عدد المهاجرين غير النظاميين في تونس، قال بن عمر إنه "من الصعب تقديم عدد فعلي (ثابت)؛ فهناك دائما ديناميكيات لدخول للأراضي التونسي والخروج منها".
وتابع: "هذا يجعل حصر الأرقام صعبا، رغم أن وزير الداخلية تحدث في لقاء بمجلس نواب الشعب (العام الماضي) عن حوالي 86 ألفا".
بن عمر اعتبر أن "هذا الرقم مبالغ فيه؛ فالرقم أقل من هذا بكثير، لكن فقط تم طردهم (المهاجرين) من الفضاءات العمومية والدفع بهم نحو فضاءات ريفية محيطة بصفاقس أو بعض التجمعات الموجودة في العاصمة أو مدينة جرجيس (جنوب شرق)، وهذا ما يجعل عددهم ظاهرا".
وأضاف: "العدد الرسمي الذي نستند عليه هو دراسة أنجزها المعهد الوطني للإحصاء عام 2021، وتتحدث عن 21 ألف مهاجر من جنوب الصحراء، بينهم لاجئون وطالبوا لجوء وطلبة".
ترحيل إلى الحدود
واعتبر بن عمر أن "الأزمة الإنسانية الموجودة في عديد المخيمات بالعامرة (صفاقس) ونقاط تجمع المهاجرين، خاصة في صفاقس، صنعتها سياسات الدولة التي قررت بعد فبراير/ شباط 2023 منع المهاجرين غير النظاميين من السكن والعمل والنقل".
وتابع: "والأدهى أنها قامت بعمليات إخلاء جماعي للمدن من المهاجرين، وهذا ما وقع في صفاقس، خاصة إثر أحداث حزيران ويوليو الماضيين، فتم الدفع بالمئات والآلاف من المهاجرين إلى هذه المناطق النائية؛ مما جعل عددهم غير محدد".
وعن جنسياتهم، قال بن عمر إن "أغلبها سودانية ومالية وإيفوارية ومالية وكينية وغينية... وعمليات الطرد الجماعي للحدود هي استراتيجية لجأت إليها السلطات التونسية منذ صيف 2023 لإبعاد المهاجرين عن مناطق الانطلاق الرئيسية نحو إيطاليا".
وأردف أن "الموجة الأولى لعملية الطرد كانت بعد حادثة صفاقس، حيث تم الدفع بمئات المهاجرين نحو الحدود التونسية الليبية والحدود التونسية الجزائرية، وعمليات الطرد كانت عشوائية وارتكزت على اللون (البشرة)".
وشدد على أن "عمليات الطرد مازالت مستمرة، والعدد لم يعد بالمئات بل بالآلاف".
ورأى أن هذا التعامل يمثل "رسالة للمرشحين للهجرة غير النظامية بأنه إذا تم اعتراضهم في البحر، سيكون مصيرهم الطرد نحو الحدود، وينتهي بهم المسار نحو مراكز الاحتجاز غير المراقبة في ليبيا".
وفي أغسطس/ آب الماضي، أعلنت وزارة الداخلية التونسية أن تونس وليبيا اتفقتا على إيواء مهاجرين من جنسيات دول إفريقيا جنوب الصحراء والذين كانوا عالقين عند الحدود بين البلدين منذ قرابة شهر، إذ تكفلت تونس بمجموعة تضم 76 رجلا و42 امرأة و8 أطفال، بينما تكفلت ليبيا بنحو 150 مهاجرا.
ونفى وزير الداخلية التونسي كمال الفقي آذاك، في بيان، صحة ما أوردته الأمم المتحدة ووسائل إعلام بشأن "عمليات طرد" لمهاجرين إلى مناطق حدودية مع ليبيا شرقا والجزائر غربا، مضيفا أن "الدولة التونسية غير مسؤولة عن كل ما يحصل خارج حدودها الترابية".
وتابع أن قوات الأمن "لا تتوانى في بذل أي جهد لنجدة وإنقاذ المهاجرين على الحدود البرية أو البحرية، وتم إنقاذ 15327 مهاجرا منذ بداية يناير/ كانون الثاني ونهاية يوليو تموز 2023"، مشددا على "احترام الدولة التونسية والتزامها الكامل بمقومات حقوق الإنسان وتعاونها مع منظمات، بينها الهلال الأحمر التونسي، لمساعدة المهاجرين".
كلفة سياسية وإنسانية
بن عمر قال إن "الدولة التونسية تحولت إلى مسدي (مقدم) خدمات للاتحاد الأوربي، عبر عمليات اعتراض في البحر، وتم إرجاع أكثر من 80 ألف مهاجر بالقوة إلى تونس، وهي مسدي خدمات أيضا عبر ممارسة كل الضغوط على المهاجرين لقبول العودة الطوعية، لإفراغ تونس من المهاجرين المحتملين لأوروبا".
وأكد أن "السياسة التونسية مازالت تتمسك بهذه المقاربات القمعية للمهاجرين، والتي جعلت الكلفة السياسية والإنسانية باهظة، من خلال ما أصبح ينظر به العالم ودول الجنوب إلى تونس".
"أصبحوا ينظرون لتونس كرمز من رموز الكراهية ضد الهاجرين والأفارقة بالتحديد، والكلفة الإنسانية من خلال المآسي التي رأيناها على السواحل التونسية.. أكثر 1300 ضحية السنة الماضية على سواحلنا، وعمليات الموت على حدودنا مع ليبيا والجزائر"، كما ختم بن عمر.