اتفاقية الهجرة: توضيحات مبسطة

عبدوتي عال محمد أحمد

قبل أكثر من سنة تقريبا اجتمع الأوروبيون في "دابلن" وقرروا اعتماد تعديلات في سياسات الهجرة، من أهمها – فيما يخصنا - السعي لإغلاق مراكز تجميع المهاجرين في أوروبا وذلك بتسوية أوضاع المهاجرين "المرغوب فيهم" أي الذين تحتاجهم أوروبا، أما "النفايات" فتقرر إرسالهم إلى البلدان التي "قدموا منها" وإقامة مراكز تجميع لهم هناك، بدل إرسالهم إلى "بلدانهم الأصلية" وغالبيتهم أصلا لا تمتلك وثائق تحدد جنسيتها الأصلية وهي ورطة "مركبة" أخرى.

 

هذه التعديلات تعني تصدير الأزمة، وتحويل عبء الهجرة التنموي والأخلاقي والإنساني إلى بلدان أخرى، وانتهاك سيادتها، وتوريطها في اتفاقيات وإجراءات تنظيمية تشبه اتفاقيات الحماية في الفترة الاستعمارية، وتوظيفها كحارس مداوم للحدود الأوروبية،  وقد يؤدي إيواء المهاجرين فيما بعد إلى فرض حقوق لهم في "بلدانهم" الجديدة، لذلك لا غرابة في رفض كل الدول لهذه الاتفاقيات الملغومة باعتبار قبولها "خيانة وطنية" و"انتهاكا للسيادة" وتوريطا في معضلة معقدة الآثار حلزونية التداعيات، فضلا عن ما تتضمنه من "عنصرية وامتهان لكرامة الانسان".

 

الحكومة الوحيدة التي قبلت هذه التعديلات حتى الآن هي "حكومة ألبانيا" وقد تمت جرجرتها إلى المحاكم وهي الآن في ورطة.

 

لا غرابة في "غرابة" هذه المحاولات الأوروبية "التي ترفض استقبال وايواء المهاجرين وتريد أن تفرض على الآخرين استقبالهم"، فمهندس هذه الرؤية هو الرئيس السابق للوكالة الأوروبية لإدارة عمليات الحدود الخارجية فرونتكس Frontex  فابريس ليغيري الذي ترأس الوكالة لسبع سنوات بين عامي 2015 و2022 ، وطالته اتهامات عديدة بالتغطية على التعامل الوحشي مع المهاجرين، وهو بالمناسبة عضو في حزب التجمع الوطني الفرنسي اليميني المتطرف الذي ترأسه مارين لوبينه، وهو الآن في المرتبة الثالثة على لائحة مرشحي الحزب المتطرف في الدورة الحالية لانتخابات البرلمان الأوروبي.

 

حاولت الحكومات الموريتانية المتعاقبة إقناع الأوروبيين ليزيدوا تعويضاتهم في اتفاقية الصيد إلى 100 مليون يورو مقابل استباحة (234000كلم مربع) من مصائدنا البحرية، ورغم أن إنتاجهم من مصائدنا حسب المعلن يزيد على 750 مليون يورو سنويا (وما خفي أعظم) إلا أن الأوروبيين كانوا يرفضون دائما، وما زالوا يرفضون إلى يوم الناس هذا زيادة التعويض عن 80 مليون يورو. رغم ذلك، وبقدرة قادر، ها هم الآن، وبمبادرة منهم، و"دون طلب منا"، ها هم الآن يعرضون دفع 215 مليون يورو سنويا لموريتانيا مقابل ماذا؟، يجيب المسؤولون الموريتانيون "ببراءة" عجيبة وبلغة لا تنتمي إلى "مجال" التفاوض الدولي: "الصحة ألْ موريتاني".

 

لماذا لا يتولى الأوروبيون إيواء المهاجرين في "جزر الكناري" حتى يتم إرسالهم إلى بلدانهم الأصلية، وتوفير الحماية القانونية لهم وضمان حقوقهم وفق المعايير الأوروبية؟.

 

وكيف لموريتانيا أن تستوعب ما عجزت أوروبا عن استيعابه، ولماذا لا نخاف نحن مما يخافه الأوروبيون ويدفعهم إلى دفع كل هذه الأموال لتفاديه؟

 

أليس من الاحتقار أن تطرد المهاجرين من بلدك وتفرض علي إيواءهم في بلدي؟ 

 

أليس من السذاجة الاستراتيجية أن نفتح علينا بوابة شر جديدة في وقت تحاصرنا فيه النيران من بوابات الفقر والجهل والمرض؟

 

نحن مستعدون للتعاون مع الأوربيين ولكن ليس على حسابنا، وتراثنا يعلمنا أن "مندريش" لم يكن موفقا حينما صدق من وعدوه بملء جلده من الذهب بعد اكتمال عملية السلخ.

 

على الذين يهتمون بمصالح شعوبهم وأوطانهم أن يرفضوا محاولات الأوروبيين لتوريط دولهم في معضلة معقدة ولولبية وأكبر بكثير من قدرتها على الصمود، أما الذين يهتمون فقط بكراسيهم فعليهم الاعتبار من تجربة دعم وتمويل الأوروبيين لقوات الدعم السريع بملايين اليوروهات والمعدات العسكرية والآليات اللازمة لحراسة الحدود وما نتج عنها من تأسيس جيش مواز يخوض الآن حرباً مدمرة للوصول إلى السلطة على حساب الشعب وكيان الدولة في السودان.

 

لقد وافق مجلس إدارة نادي الاتحاد السعودي على دفع 250 مليون يورو في صفقة تحويل اللاعب كريم بنزيما من ريال مدريد، أما أوروبا - على جلالة قدرها وضخامة مواردها - فهي تعرض في مقابل استباحة "أرض المنارة والرباط" من قبل "شذاذ الأفاق" مبلغ 210 يورو، وصدق القائل "من يهن يسهل الهوان عليه".

 

إلى المفاوض الموريتاني الشريف، كل الشعب الموريتاني يناديك:

لا "توقع"!

ولو منحوك الذهبْ

أترى حين أفقأ عينيكَ

ثم أثبت جوهرتين مكانهما... هل ترى..؟

 هي أشياء لا تشترى..

 

مع الاعتذار للشاعر أمل دنقل.

 

3 March 2024