التعاون المغربي الموريتاني يفعّل انخراط نواكشوط في "المبادرة الأطلسية"
تصرّ الرباط على أن تتعاون مع نواكشوط، نظرا لأهمية الجارة الجنوبية في مختلف المبادرات القارية التي يطرحها المغرب؛ فموريتانيا، بكيفيات عديدة، هي “بوابة” المملكة المغربية نحو إفريقيا، وهذا ما “تزكّيه” التحركات المغربية وآخرها مشاورات نزار بركة، وزير التجهيز والماء، مع نظيره الموريتاني، محمد عالي ولد سيدي محمد، بالرباط، التي شكلت “فرصة للحديث عن النقل والتجهيز بين البلدين من جميع الجوانب والسبل الكفيلة بالرفع من أدائه”.
لقاء الوزيرين أفضى إلى تكليف لجنة فنية مشتركة بالعمل على إعداد المخططات والاتفاقيات الضرورية لعرضها وتوقعيها خلال أعمال اللجنة المشتركة العليا للتعاون في دورتها المقبلة، ما يبرز أن “العمل صار يتخذ طابع التنفيذ الفعلي، وأن وثمار التنشيط الديبلوماسي الأخير مع موريتانيا بدأت تجد طريقها إلى الواقع، بما يحمل بشائر لكي تتخذ نواكشوط موقفا يقضي بالاعتراف بمغربية الصحراء، حين تتبين حاجتها إلى الرباط اقتصاديا وسياسيا ومصلحيا، وكذلك دبلوماسيا”.
“بنية تحتية مدنية”
عبد الحق باسو، باحث رئيسي في “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد”، قال إن “لقاء وزير التجهيز والماء مع وزير التجهيز والنقل الموريتاني لأجل تعزيز البنية التحتية، ينتظر منه أن يكون تعبيرا عن تأهيل ورش المبادرة الأطلسية على أرض الواقع”، موضحا أن “التنزيل الفعلي لهذه المبادرة لا يمكن تصوّره بدون البنية التحتية؛ فدورها أساسيّ لكي نربط بلدان منطقة الساحل بالمغرب المعنية بهذا المشروع”.
باسو اعتبر، ضمن توضيحات قدّمها لهسبريس، أن “الربط من خلال البنية التحتية الذي يمكن أن يكون سككاً حديديّة أو موانئ أو خيوطاً للمواصلات أو خطوطاً بحريّة أو جويّة يقوّي أشكال التعاون؛ فهذه البنى متماسكة ومترابطة ولكلّ منها دور حيوي ومفصلي”، مسجلاً “فعالية البنى المؤهلة في تعزيز المراقبة عليها، وبالتالي تحصينها وتأمينها لكي تكون قادرة على احتضان التعاون الاقتصادي والمدني والتجاري”.
ومع ذلك، لفت الأكاديمي المغربي إلى “حضور الجانب الأمني تلقائيا، وليس مباشرة، في تمتين البنية التحتية بين المغرب وموريتانيا، وسيظل من له نوايا سيئة باحثا عن طرق أخرى غير تلك المؤهلة للعبور، بما أنه يعرف أن ممارسته تظل شيئاً مبغوضاً قانونيّا ودوليّا، لا سيما التنظيمات الإرهابية التي تشكل نوعا من التهديد في القارة”، مؤكدا “دور التعاون مع موريتانيا في خدمة تقوية حضور المغرب في العمق الإفريقي وتقريب نواكشوط من الطرح المغربي في قضية الصحراء”.
“اعتراف مرتقب”
تمثل النقطة الأخيرة التي أشار إليها بها باسو حلقة أساسية ضمن الرهان المغربي على “تحجيم أثر البوليساريو” في القارة، وسط “الدينامية السياسية والاقتصادية وكذلك الدبلوماسية مع موريتانيا، وكيف أرخى هذا بظلاله على إمكانية إطلاق الطريق بين مدينة السمارة وموريتانيا مرورا بأمكالة”، بحسب ما فسره محمد نشطاوي، باحث في العلاقات الدولية، قائلا إن “هذا التنشيط يمكن أن يقرب فعلا نواكشوط من الطرح المغربي في قضية الصحراء لكون سياق الاعتراف بالبوليساريو يظل معروفا”.
ووضّح نشطاوي، في تصريح لهسبريس، أن “اعتراف موريتانيا بالبوليساريو جاء في سياق مرحلة تاريخية معينة كانت تعيش فيها موريتانيا نوعا من غياب الاستقرار”، مشيرا إلى أن “المسألة الثانية متعلقة بكون هذا الانفتاح المغربي على موريتانيا له أبعاد مهمة، أولا لأن موريتانيا كانت ولا تزال من أقرب البلدان المغاربية للمغرب تاريخيا، وكذلك دينيا واجتماعيا واقتصاديا”، و”لا ننسى أن موريتانيا حاليا بدأت تعي جيدا أن مصلحتها هي الموجه الأساس لعلاقاتها، سواء مع المغرب أو مع الجزائر”، بتعبيره.
وسجل الأكاديمي المغربي “وعي نواكشوط بكافة الاقتراحات والمبادرات التي تقودها الرباط قاريا، وهي مهمة بالنسبة لموريتانيا التي تدرك جيدا أن تأهيل المنطقة الجنوبية ستستفيد منه بشكل كبير، وتستوعب أيضا أن خلق بنية تحتية، سواء برية أو بحرية، بين المغرب وجارته الجنوبية ستستفيد منه كذلك، خصوصا وأنها حلقة الوصل ما بين المغرب وباقي بلدان إفريقيا جنوب الصحراء”، لافتا إلى “دور موريتانيا وإمكاناتها لخلق محور استراتيجي مهم يمكن من الانفتاح على كافة المبادرات التي يقدمها المغرب في ظل فشل الجزائر في تقديم أي اقتراح”.
هسبريس