مؤشرات إصرار الجنرالات المتقاعدين على ممارسة السياسة…زيارة مسقارو للعيون نموذجا
منذ 1978 و إلى اليوم يحكم الجيش دفة الحكم فى موريتانيا،و حتى مرحلة ولد الشيخ عبد الله ،رحمه الله ،أعتبرها حكما غير مباشر للجيش،و عندما أراد الخروج من قبضتهم انقلبوا عليه.
و معاوية عندما جاءت الديمقراطية تقمص الزي المدني و استمر فى الحكم و كذلك غيره ممن تعاقب على كرسي الحكم،و عندما تقاعد ولد باي ترأس البرلمان و كذلك ولد مكت،و قبل ذلك عندما تقاعد محمد ولد الشيخ الغزوانى ترشح و نجح فى اعتلاء ذلك الكرسي المرغوب،و اليوم مسقارو ولد سيد يتوجه للعيون،عاصمة الحوض الغربي،و باسم حلف العهد ،يعلن دعم صاحب الفخامة،محمد ولد الشيخ الغزوانى لمامورية ثانية.
و من الناحية القانونية الشكلية يحق طبعا للعسكري المتقاعد الترشح،سواءً كان ضابطا أو غيره،لكن السؤال المطروح،هل من مصلحة موريتانيا أن تظل محكومة من قبل منحدرين من مؤسستنا العسكرية،و هل سيرجع لموريتانيا يوما ما الحكم المدني الصرف،و ما هي إيجابيات و سلبيات صراع العسكر و المدنيين على مقاليد السلطة؟!.
إن تصور البعض أنه الأمثل لتولى الحكم فتلك دعاية قد يكون لها خصومها و أنصارها على السواء،لكن تكوين الضباط العسكريين للمهام العسكرية و الأمنية بالدرجة الأولى،و أولى بكل مؤسسة الاقتصار على مهمة التكوين و المؤهل،و النزوع لمهام أخرى قد يكون فيه تعسف و تكلف ،مهما تكن الرغبات الشخصية و الميول للظهور.
و إن أصر الضباط على تدوال السلطة فليس هذا لزاما مفروضا على الموريتانيين و قد يكون فيه حرمان لموريتانيا من تجربة السياسيين المدنيين،و الذين هم أقرب بالأصل لأجواء السياسة،التى تتطلب الانشغال المبكر بذلك و الاختلاط بالعمق الجماهيري،و قد لا يكون ذلك متاحا لاغلب الضباط العسكريين،فى الحالات العادية.
و إن ظلت موريتانيا أسيرة لتجارب المنحدرين فحسب من المؤسسة العسكرية فربما يفوتها جانب مهم من تعميق الطابع المدني للتجربة السياسية و الديمقراطية.
و أما بعد المامورية الثانية للرئيس الحالي ،محمد ولد الشيخ الغزوانى،فإن أصر الضباط المتقاعدون على تولى أحدهم للحكم،فقد يثير ذلك مزيدا من التنافس على السلطة،و قد يكون من الصعب إقناع الرأي العام الموريتاني باستمرارية نموذج المنحدرين من الجيش.
و من الطبيعي حق كل عسكري متقاعد فى الترشح،فمن باب أولى ممارسة السياسة لصالح وطنه،و قد لا ينتهى عطاء المرء بمجرد تقاعده،لكن حكم البلاد منذ 45 سنة من قبل عسكريين،بصورة مباشرة فى الأغلب الأعم،قد لا يعطى الانطباع بشفافية عمليات تداول و تمرير الحكم،و جدير بصاحب الفخامة التأمل بعمق فى هذا الموضوع و محاولة توجيه البعض لمهام اجتماعية و تنموية و ثقافية ،حتى لا يزداد الاحتقان بعد انقضاء مأموريته الثانية المرتقبة.
و لعله من الأنسب للأنظمة الواعية محاولة حل بعض المشاكل المتوقع ظهورها بعدها،و فى هذا السياق من الأجدر بالفاعلين المدنيين و المنحدرين من الجيش البحث فيما بعد غزوانى عن شخصية مدنية،لم تلتحق بالجيش من قبل،ليكون مرشحهم الرئيسي،فيما بعد غزوانى،و عسى أن لا ينقلب عليه،على غرار تجربة سيد ولد الشيخ عبد الله،رحمه الله.
و أما على ذكر مسقارو فهو شخصية أمنية صارمة و ذو علاقات متنوعة المشارب بالمجتمع المدني،و له الحق طبعا فى ممارسة السياسة بعد تقاعده،و ينبغى أن يعمل فيما بعد مأمورية غزوانى الثانية على البحث عن مرشح مدني توافقي،بإذن الله،ليسهم مستقبلا فى الاستقرار و تجاوز بعض اهم معضلات المشهد السياسي الوطني.
فمن حق المدنيين و هم أغلبية المجتمع طبعا أن يتنفسوا الصعداء و يجربوا حكما مدنيا خالصا فى أفق 2029،من أجل تعميق التجربة الديمقراطية الموريتانية و إعطاءها أفقًا أوسع و أرحب.
و أما أن يحلم كل جنرال متقاعد بأن يتولى السلطة التتفيذية أو التشريعية،فهذا من حقهم،لكن المبالغة فى عسكرة السلطة قد يضر بالطابع المؤسسي و الجمهوري و المهام الدستورية للمؤسسة العسكرية و الاجهزة الأمنية،و لعل إسهام المتقاعدين من الجيش فى مهام سياسية لا يمكن منعه قانونيا،لكنه مبالغة أو استئثار زائد.
فالرئيس الأسبق معاوية لم يتولى فى عهده ما بعد التعددية ضابط عسكري متقاعد سوى إدارة بعض المؤسسات الوطنية ،و إن كانت ذات قيمة طبعا.
هذه المواضيع قد نساهم فى معالجتها عبر الرأي العام،لكن قيادات المجتمع و الدولة،من النخبة المدنية و العسكرية،جديرون بتنظير و تأمل عميق فى مثل هذه الظواهر السياسية ،التى تعانى منها موريتانيا،و خصوصا ما بعد التعددية،مع مطلع التسعينات و إلى اليوم.