الشفافية ودورها في تفعيل العملية الديمقراطية (1/3)
الشفافية هي أحد المصطلحات المأخوذة من اللغات الأجنبية وتعني: الوضوح التام وانعدام السرية، إضافة إلى عدم استخدام أساليب المغالطة والتضليل. لكن كيف لنا أن نهتم بالشفافية من الأصل، وما هي الخطوات التي يجب اتباعها من أجل تحسينها في بلدنا؟
الجواب الصريح هو أنها (الشفافية) إحدى العبارات البراقة التي يسهل التشدق بها مثل الحرية والعدالة وغيرها من العبارات التي غالبا ما تتنافى مع الحقائق الواقعية، حتى في الدول التي يعتبرها البعض مثلا أعلى في تحقيق المساواة وتفعيل الديمقراطية.
غير أن المتمعن في الموضوع يدرك أن الشفافية ركيزة أساسية من ركائز النموذج الديمقراطي المستورد من الدول الغربية، وقد يغيب عن أذهان بعضنا؛ أن الشفافية واحدة من أهم القيم الإسلامية وإن باتت تعرف لدينا بأسماء أخرى مثل: الصدق والإخلاص والنصح ولذلك فنحن أولى بها.
إضافة إلى هذه الأسباب، فإن للشفافية أهمية عملية كبيرة لأنها مؤشر على مصداقية المزاعم ونزاهة الفرد وفعالية المؤسسات مما يجعلها أداة فعالة نستطيع من خلالها، المقارنة بين الفاعلين على الساحة السياسية حتى يتسنى لنا اختيار من يخدم المصلحة العامة بصورة أفضل. هذه هي الخلفية التي تشرح الأهمية النظرية للشفافية. ومما يُعلمُ ضرورة؛ أن كلَّ ملم بمبادئ الإدارة والتسيير أو حتى المنطق، يعرف حق المعرفة أن هناك دائما فرق بين التنظير والتطبيق يتناسب حجمه (الفرق) مع كفاءة المشرفين على التنفيذ، ومدى تكامل خطة الترتيب وأخذها بعين الاعتبار، جميع المتغيرات التي قد تأثر سلبيا أو إيجابيا على عملية التنفيذ.
فإذا كان تفعيل العملية الديمقراطية يتطلب مشاركة المواطنين من أجل اختيار ممثلين لإدارة شؤون البلاد بكبيرها وصغيرها بما يخدم مصالحهم، فكيف نتوقع منهم القيام بهذه المسؤولية الجسيمة دون أن تتوفر لهم المعلومات الكافية عن الأوضاع الراهنة، والتوقعات المستقبلية، والمجهودات التي بذلها كل مرشح؛ ومدى مساهمته في تحسين أو تردي الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الماضي؟ بل إن السؤال الأكثر أهمية هو كيف نتوقع من هؤلاء الناخبين تقييم مدى قدرة المرشحين على تحسين هذه الظروف في المستقبل دون توفر المعلومات المطلوبة؟
أي بعبارة أخرى، كيف نتوقع من الناخبين اختيار قادة تتوفر فيهم شروط الكفاءة والإخلاص إذ لم تكن هنالك معلومات وبيانات من مصادر موثوقة، توضح بطريقة محايدة احتياجات البلد والإنجازات التي تم تحقيقها والدور السلبي أو الإيجابي الذي لعبه كل من المترشحين في تحقيق هذه الإنجازات دون الاعتماد على المزاعم المضللة التي يتم التغني بها أثناء مهرجانات الحملات الانتخابية؟ إنه أمر غير منطقي!!
لأنه بمثابة أن نطلب من الشيخ محمد الحسن ولد الددو أي يقوم بتصحيح امتحان حول نظرية النسبية لآينشتاين التي ليست لديه (الشيخ الددو) أي معلومات عنها.
ومن هنا يتضح دور الشفافية كركيزة أساسية (مع أنها غير كافية) لنجاح العملية الديمقراطية بصورة واعية مبنية على معطيات الواقع، أو على الأقل بصورة تزيح عائق التعتيم والمغالطة والتضليل "ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة"، صدق الله العظيم.
وهذا ما يقودنا إلى عدة أسئلة تطرح نفسها منها:
1) ما هو مستوى الشفافية في موريتانيا في الوقت الحاضر، وما هي مدلولات ذلك فيما يتعلق بسير العملية الديمقراطية؟
2) ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحسين مستوى الشفافية (والعملية الديمقراطية) في المستقبل؟.
الدكتور احمد ولد سيدي محمد خبير في علم الأوبئة، وعضو هيئة تدريس جامعي، مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية