هل تتحول السنغال من "عاصمة الاستقرار" إلى بؤرة جديدة للصراع في الساحل؟
“فصل جديد من التوتر السياسي” تعيشه منطقة الساحل في بلد يعرف بـ”عاصمة الاستقرار”، هو السنغال، بعد إعلان الرئيس، ماكي سال، السبت المنصرم، إلغاء مرسوم يحدد موعد الانتخابات الرئاسية في أواخر شهر فبراير الجاري.
الرئيس السنغالي برر قراره بسبب “التحقيق من قبل لجنة برلمانية مع قاضيين في المجلس الدستوري في شبهات حول نزاهتهما في الانتخابات الحالية”، تأتي في سياق “خلاف” بين البرلمان والمحكمة الدستورية بشأن رفض بعض الترشيحات، أولها ترشيح كريم واد، نجل الرئيس السابق عبد الله واد.
وأطلق واد سلسلة من “الاتهامات” لقاضيين في المجلس الدستوري بممارسة “الفساد الانتخابي” بعد رفض ترشحه، وهو ما اعتبره الرئيس “اتهامات خطيرة”، معلنا بذلك عن ” فتح حوار وطني” يمكن من التمهيد لانتخابات شفافة ونزيهة.
على إثر ذلك، عاش الشارع السنغالي مظاهرات احتجاجية دعت إليها المعارضة، عرفت إطلاق الشرطة “الغاز المسيل للدموع” لتفريق الحشود، فيما دعت دول غربية الرئيس سال إلى التعجيل بتحديد موعد قريب للانتخابات، وذلك وسط ترقب إقليمي ودولي لمصير السنغال.
ويتساءل العديد من المتتبعين للشأن الإفريقي، وخاصة منطقة الساحل، إن كان الصراع السياسي بالسنغال “سيفتح بؤرة أمنية جديدة” في منطقة تعاني من تبعات الانقلابات العسكرية المتكررة وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
السنغال ستبقى عاصمة الاستقرار
في هذا الصدد، قال إبراهيم زين كونجي، خبير في الشؤون الإفريقية، إن خطوة الرئيس ماكي سال “هي نفسها خطوة الرئيس السابق عبد الله واد، الذي عندما انتهت ولايته حاول البحث عن طرق أخرى للتمديد لنفسه”.
وأضاف كونجي، أن ماكي سال حاول هو أيضا أن يمدد لنفسه ولاية أخرى العام الماضي، لكن ضغط الشارع السنغالي بمظاهرات عارمة أوقف ذلك.
وبين الخبير في الشؤون الإفريقية أن ماكي سال انتظر إلى حين موعد الحملة الانتخابية ليعلن عن هذا القرار “السلبي وغير المسبوق في الديمقراطية السنغالية منذ 1963. وبالتالي، فإن هاته الخطوة باختصار هي التفاف على الديمقراطية”.
وشدد المتحدث على أن هاته الخطوة تفتح جبهات كبيرة للصراع الداخلي السياسي، وليس الأمني، باعتبار أن “دكار من أبرز العواصم الآمنة في القارة السمراء، كما أن استمرار الضغط الشعبي سيدفع بكل تأكيد سال إلى التراجع عن قراره”.
ولفت كونجي إلى أن الجميع في الساحل يتمنى أن تعبر السنغال بسلام هاته الفترة التي اشتدت منذ رفض ترشيحات عديدة من المعارضة، والواضح أن سال استغل هذا الخلاف السياسي لتمديد فترته الرئاسية.
وأكد المحلل السياسي عينه أن “الضغط الدولي على السنغال غائب، وتصريحات الدول ليس فيها تنديد”، مبرزا أن “الشارع السنغالي هو الذي يضغط ويطالب بتحديد موعد للانتخابات واستقالة الرئيس”.
استمرار الوضع ينذر بنهاية الامتياز السنغالي
من جانبه، اعتبر أحمد صلحي، أستاذ باحث في الشؤون الإفريقية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أن هاته الخطوة فيها نقاش سياسي، خاصة داخل المعارضة، ونقاش آخر على صعيد الشارع الذي يعيش على وقع احتجاجات شعبية.
وأضاف صلحي، في تصريح لهسبريس، أن النقاش خارجي أيضا، إذ عبرت هيئات دولية، منها الاتحاد الإفريقي والخارجية الأمريكية وفرنسا، عن تذمرها من قرار سال، مشيرا إلى أن “هاته الخطوة يمكن النظر إليها كونها استباقا للهزيمة المتوقعة للائتلاف الحكومي الذي يقوده سال رغم تعبيره عن عدم ترشحه للانتخابات، حيث هنالك محاولات من أجل الدفاع عن حظوظ زملائه داخل الائتلاف”.
وأبرز الباحث في الشؤون الإفريقية أن الرئيس يستغل أيضا هذا الأمر لإضعاف حظوظ المعارضة، من خلال عدم قبول ترشيحات منها كان من المفترض أن تظفر بالانتخابات القادمة.
“طبعا لا يمكن أن نتحدث عن الجانب السنغالي دون ذكر واستحضار الخصوصية التي يتميز بها هذا البلد في منطقة الساحل، باعتباره بلدا مؤسساتيا ودستوريا لم يعرف انقلابا عسكريا منذ استقلاله”، يتابع صلحي، قبل أن يستدرك بأن “الوضع الإقليمي المتأزم في المنطقة ينذر بنهاية فصل الاستقرار بهذا البلد والامتياز الذي يعرفه”.
ومضى شارحا: “المنطقة أيضا تعرف بعض التغيرات الجذرية على مستوى التحالفات، حيث تعتبر السنغال حليفة لفرنسا في هذه المنطقة، في حين إن الساحل يعيش على وقع الانسلاخ من التبعية لباريس”.
وأجمل المتحدث ذاته قائلا: “ما يزال الاستثناء السنغالي راسخا في هاته الفترة، لكن استمرار الوضع قد ينذر بنهايته، والكل يتمنى أن تستطيع المؤسسة التشريعية بدكار تجاوز الأزمة وأن يتراجع سال عن هاته الخطوة”.