إشكالية تدوير الإصلاحات لإصلاح النظام التربوي
ما من شك في ان الجميع من مستشارين علي مستوي الرئاسة، وأطر القطاع، وأعضاء المجلس الوطني للتهذيب، والآباء، والمجتمع المدني، كل يساهم ما بوسعه لتحقيق الهدف الاساسي، ألا وهو إصلاح نظامنا التربوي بجميع مكوناته.
يدرك خبراء المجال صعوبة التخطيط المتعلق بالتعليم، لأن الأمر يتطلب من 20 إلى 25 سنة، حتى تتبلور النتائج، أو ندرك المعوقات ونقر بفشل الإصلاح.
لقد احتجنا 20 سنة لنكتشف معوقات اصلاح 1979، واحتجنا 23 سنة لنكتشف معوقات إصلاح 1999، وسنحتاج أكثر من عشرين سنة، لنكتشف معوقات الإصلاح الجديد إذا لم نفكر ونعمل بطريقة غير تقليدية.
إن الإصلاح المطروح على الطاولة في الوقت الحالي، يمكن اعتباره تدوير لإصلاح 1979 المكرس لتدريس اللغة العربية.
أن أكبر مشكلة واجهت إصلاح التعريب (1979)، هي أنه خلق جيلا من الشباب ذوي المؤهلات العلمية العالية، لكنه منفصل تماما عن سوق العمل، فماذا لو واجهت الدولة والمجتمع نفس المشكلة: شباب متعلم منفصل تماما عن سوق العمل بعد 20 إلى 25 سنة من الآن – لا شك أنها خسارة..... (ولكم تقديرها).
- من وجهة نظري المتواضعة، هناك بعض التدابير والإجراءات التي يمكن من خلالها تجنب تلك الخسارة، بالإضافة إلى الحد من الغموض الذي يصاحب التخطيط في مجال التعليم (التخطيط في مجال التعليم هو أصعب أنواع التخطيط نظرا لكثرة المتغيرات التي يشملها القطاع، مما يفرض على المخطط النظر في الكثير من الاستراتيجيات البديلة).
- أولي التدابير المقترحة هو تشكيل لجنة تحت إشراف المجلس الوطني للتهذيب، بعضوية البنك المركزي، وزارة الشغل (مفتشية الشغل)، وزارة المالية، وتكون المهمة الأساسية لهذه اللجنة هو تهيئه سوق العمل ليتناسب مع مخرجات نظام التعليم المعتمد على التعريب.
- إن أول اقتراح أقدمه لهذه اللجنة هو مراجعة القوانين الناظمة لسوق العمل مثل مدونة الشغل، والمدونة التجارية (خاصة المادة 28 مكررة)، والمخطط المحاسبي، وقانون الضرائب، النظام الأساسي للبنك المركزي، وقانون مؤسسات القرض، ....... لإلزام جميع المؤسسات الحكومية والخاصة (بما فيها الشركات والمنظمات الدولية)، على استخدام نظام معلوماتي مزدوج اللغة (العربية والفرنسية)..
هذا الإجراء رغم بساطته، والذي لا يكلف أموالا، ولا يحتاج أكثر من إرادة سياسية، سيكون جوهري في التخفيف من تلك الخسارة، وتسهيل اندماج مخرجات الإصلاح الجديد في سوق العمل.
ثاني التدابير المقترحة أن يقوم المجلس الوطني للتهذيب (في مجال التكوين الأولي للمعلمين والاساتذة) بالتعاقد مع المجلس الوطني لاعتماد برامج إعداد المعلمين (بالولايات المتحدة الأمريكية).
تعمل تلك المؤسسة حول العالم من خلال رسالتها: ( ........ اكتساب خريجي المؤسسات المعتمدة للمعرفة والمهارات والسمات اللازمة لمساعدة الطلاب كافة على التعلم، وتحقيق الريادة في اصلاح مؤسسات إعداد المعلمين).
تتطلب إجراءات الاعتماد معاينة الوحدة (مدرسة التكوين) ذاتها على الواقع من خلال مجموعة الفاحصين (هيئة فحص) لتقويم قدرة الأداء على مستوى البرامج، كما تلتقي بالطلبة والخريجين وأعضاء هيئة التدريس، والآباء والمجتمع المدني، وترفع تقريرها للمجلس الوطني لاعتماد مؤسسات إعداد المعلمين بالولايات المتحدة الأمريكية.
وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد لدى المؤسسة عدة أنواع من الاعتماد مثل: الاعتماد الأولي والمؤقت، والمشروط، والدقيق ...
- إن حصول مؤسسات التكوين الأولي على الاعتماد، يعني ان المعارف التي يتلقاها المعلم والأستاذ في مدارس التكوين تتناسب مع المعايير المطبقة في الولايات المتحدة وبريطانيا وسائر الدول المتقدمة، أي أن مشكلة المستوى لدى هيئة التدريس لن تكون مطروحة في نظامنا التربوي مستقبلا (مع هذا الاعتماد).
-الاعتماد يجدد كل سبع سنوات، ويمكن تصميم دورات تدريبية قصيرة المدة للخريجين السابقين، ليلتحقوا بالنظام الجديد، كما يمكن إعداد برامج تكوين سريعة (عن بع )، على أن يتم ربط التقدم الوظيفي للمعلم أو الأستاذ، بالنجاح في تلك التكوينات (تحسين المستوى بصورة مستمرة عبر التطبيقات).
- ثالث التدابير المقترحة يتعلق بتحسين التسيير الخاص بالأشخاص وهنا نقترح الاستفادة من تجربة السنغال في ذلك الجانب (من ضمن أعضاء مجلس التهذيب الوطني من هو مضطلع على تلك التجربة)، خاصة نظام التحويلات المعتمد عندهم على تنقيط طلبات التحويل وفق برامج تقنية مخصصة لذلك.
لا شك أن هذا الإجراء سيساعد في الشفافية، والحد من ظاهرة الرشوة وفوضى التحويلات المنتشرة في القطاع.
كنت أود أن أتحدث عن بعض التدابير المتعلقة بمراقبة والتأكد من حضور المعلمين في المناطق النائية، والتي تمثل نسبة %70 من مدارسنا، وهو الإشكال الأكثر صعوبة عندما يتناول المخطط تهديدات ومعوقات البيبة الخارجية، وخوفا من الإطالة قد نتناوله في موضوع قادم.
لا أريد الخروج من الموضوع قبل تنبيه معالي وزير الاقتصاد إن المنطقة العربية بالنسبة للدولة الموريتانية هي العمق الاستراتيجي الأول (لنتذكر أحداث التسعينيات )، يليها في الدرجة الثانية الشعوب الإفريقية، وبالتالي فإن أي قرار يقرب من هذه التكتلات، يعتبر قرارا في المصلحة الوطنية العامة.
معالي الوزير ما هو الإشكال في إدراج اللغة العربية والانكليزية ضمن المناقصات الوطنية وإعطاء تحفيزات للشركات العربية الإسلامية ( مثل الشركات العراقية والأردنية و السورية والمصرية و التركية والاندونيسية).
لاشك ان ذلك يدعم التكامل الإسلامي العربي، ويفي بالغرض الفني من حيث الكفاءة والخبرة، مع تنبيهك – معالي الوزير – ان الشركات العربية الإسلامية ستكون مستعدة لإعطاء الخبرة للكوادر الوطنية ( الشيء الذي لا يتوفر في الشركات الصينية وبعض الشركات الأجنبية الأخرى).
وهنا نتوقف قليلا لنطالب ( ونكرر اننا نطالب )، بضرورة تسريع التعريب في جميع إدارات و مصالح وزارة الاقتصاد والبنك المركزي (فذلك هو أساس فتح سوق العمل أمام مخرجات الإصلاح الجديد ....).
في الأخير أنها مساهمة بسيطة في إثراء وتنشيط التفكير لدي الزملاء المباشرين للعمل. وكما يقولون : الأفكار هي بذور الإبداع....
دمتم في صحة وعافية. والحمد لله وسبحان الله عدد خلقه ورضي نفسه وزنة عرشه، ومداد كلماته.
ولد البساتي / محمد الأمين ولد ادوم
مخطط بوزارة التهذيب ومؤلف كتاب التخطيط الاستراتيجي في التعليم خطوة – خطوة