مأمورية الترميم..

قديما قيل: "هل يصلح العطار ما أفسد الدهر..."، طالما طرح هذا التساؤل بصيغة تثبت النفي، أي أن العطار مهما امتلك من خبرة ومهارة لن يستطيع أن يصلح ما أفسدته الحقب، وما نسجته مؤثرات عوامل التعرية التي تجتاح الجسم بدء من المحيا والذي منه تنزل لتختط طريقها في كل مناحيه. 

 

هذا التساؤل يمكن طرحه فيما يختص بالبشر، لكنه بكل تأكيد لا يستساغ فيما يعني إدارة المؤسسات والإرادة الجادة في إصلاحها، فإصلاح وطن منهك يحتاج إرادة، والإرادة توجهها وجهة نظر ترقب لتحدد أولويات الانطلاقة ومواطن البدايات.

 

مع وصول فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلى سدة الحكم كان سعيه باتجاه انتشال طبقات المجتمع الضعيفة من براثن العوز الذي انتشر في صفوف تلك الطبقات، لدرجة جعلت منحها أقصى درجات العناية أولوية لا يمكن تأخيرها تحت طائلة أي مبرر مهما كان قويا.. فتم حصر الفقراء ومنحهم المال (تقسيم الأموال على الأسر الأكثر احتياجا)، والطعام (تقسيم الحصص الغذائية الشهرية)، والمأوى (برنامج السكن الاجتماعي.. "داري")... ولم تقتصر العناية بهؤلاء على هذا الجانب، بل تعززت بمنحهم التأمين الصحي الشامل والذي وصل لأكثر من ستة مائة ألف مواطن فقير.. وتوسع هذا المجال ليعم المواطنين عبر مجانية الحالات المستعجلة، ويخص آخرين عبر تحمل نفقات بعض العلاج في مستشفى القلب وكل نفقات مرضى الكلى بحسب ما أفادت وزيرة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة قبل أيام..

 

وحين لاحظ فخامة الرئيس أن هناك شيء غير يسير من انعدام الولاء الوطني بادر بالسعي نحو عودة المدرسة الجمهورية بغية إنشاء جيل مشبع بقيم المواطنة، وعلى درجة واحدة من التعليم عبر إجبارية التعليم العمومي في السنة الأولى في العام الماضي والثانية من التعليم الأساسي هذا العام.. ولا يخفى ما في ذلك من تقليص الفجوة التعليمية والاجتماعية بين الناشئة من مختلف فئات وطبقات المجتمع.

 

ولكي تأتي هذه الخطوة أكلها تم الإعلان عن اكتتاب عدد كبير من المعلمين، ولعل آخر ذلك الإعلان عن اكتتاب 1480 معلما والذي أعلن عنه في الأسابيع الماضية من أجل تضييق هامش نقص الكوادر في هذا القطاع الحيوي الذي هو أساس النهوض المأمول.

 

هناك مشاريع كبيرة في مجال البنية التحتية تم تدشينها حيث تم تدشين المجلس الدستوري، ومباني وزارة الدفاع، والجمعية الوطنية، ومجمعين وزاريين متكاملين كما تستمر الأشغال في مشاريع مهمة منها المستشفى المتكامل في سيلبابي، وتوسعة الجامعة وجسور كارفور الحي الساكن ومدريد وباماكو، وتشييد أزيد من ثلاثين محطة إذاعية في الداخل ومبنى للإذاعة الثقافية وتجري الأشغال حاليا في مبنى إذاعة القرآن الكريم المسموعة والمرئية، والذي تشهد الأشغال فيه تقدما مضطردا.

 

هناك مراجعات تمت بعد زيارات تفقدية لفخامته من خلالها تمت إقالة مسؤولين ثبت فشلهم في تسيير المهام الموكلة إليهم مثل ما وقع مع مدير SNDE ومساعده.. وهناك زيارة ميدانية قام بها فخامة الرئيس وجه من خلالها العاملين في قطاع الصحة بضرورة الحضور إلى أماكن العمل في الأوقات المحددة، وواجبهم في العناية بالمريض مراعات حالته وظروفه وأهمية إحاطته بالعناية اللازمة.. كما نبه إلى أهمية الحرص على نظافة أماكن العمل وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لذلك.

 

هناك نعمة أخرى نجحت قيادة البلد في "تقييدها" وترسيخها وهي نعمة الأمن والاستقرار والذي تنعم به بلادنا ولله المنة في محيط إقليمي تعصف به الاضطرابات السياسية والقلاقل الأمنية.

 

وبعيدا عن المشاكل البنيوية والتنموية تم احتواء الطبقة السياسية وجمعها تحت لواء الوطن الجامع، وذلك بأسلوب يجمع بين الحكمة من غير ضعف والحصافة من غير تهور، مما جنب القيادة الرشيدة للبلد السقوط في درك التصريحات والهجوم والهجوم المضاد.. بل رفعتها مواقفها الجامعة إلى مرتبة المرجعية التي يأوي إليها الجميع لحظة الخلاف لتقول كلمة سياسية سواء، ما كان لينفر منها إلا من لازمه الزيغ وعميت بصيرته عن مواطن السداد والتوفيق.

 

هذه الإنجازات تحققت في ظل ظرف دولي دقيق كادت مصالح الدول عظمى فيه أن تتعطل جراء جائحة كورونا أولا، و الحرب الأوكرانية الروسية ثانيا...بالإضافة إلى عوامل اجتماعية  حدَّت من قدرة بلادنا على المضي قدما على دروب التنمية؛ كما أن هناك عوامل اقتصادية كانت ضاغطة، منها فاتورة الديون الكثيرة والمتعددة الوجهات التي كانت أبرز ميراث العشرية المنصرمة، تلك الديون التي ما زالت حتى اليوم تلتهم جزءا لا بأس به من الميزانية العامة للدولة؛ وذلك ما حد من توجيه الموارد نحو مجالات التنمية الأكثر إلحاحا، كالتعليم والصحة والتشغيل والاستثمار.

 

مع الانجازات الكبيرة والكثيرة والمتنوعة التي تجسدت إلا أن المتابع الملاحظ يبصر أن سنوات هذه المأمورية سخرت لترميم مناحي متعددة من الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ذات الأولوية الملحة، ووجهت أغلب الجهود صوب انتشال وطن منهك من براثن الوهن والضياع والسعي للحفاظ عليه قائما..  وهو ما تم ولله الحمد على الوجه الأكمل..

 

المأمورية الدستورية الثانية ستكون مختلفة من حيث العطاء والغايات والأهداف والأدوات والوسائل.. وخلالها ستستمر مسيرة البناء وستحظى البلاد بنصيب وافر من التنمية والاستقرار وستتسع المسافة بينها وبين القلاقل السياسية والبلابل الأمنية وإن غدا لناظره لقريب.

 

محمد محفوظ المختار- كاتب صحفي

 

7 October 2023