صرخة في وجه الاحتكار
الاحتكار هو سيطرة جهة ما أو اتحاد عدة جهات للسيطرة على مجموع أو معظم إنتاج مادة أو مبيعاتها في سوق معينة، وهو ما ينتج عنه غياب تام للمنافسة، وبالتالي يتحكم المحتكرون في تحديد الأسعار ورفعها تبعا لرغباتهم، ذلك أن المحتكر في غياب المنافسة يكون هو سيد السوق، يحدد الأسعار على هواه، ولكونه يقتات على افتعال الأزمات، فهو يموّن السوق وفق استراتيجيته ويسعى دائما للتأزيم لزيادة أرباحه.
وإذا ما أخذنا السوق الوطنية كمثال على الاحتكار ستتراءى لنا نماذج من الاحتكار الذي يولِّد بدوره احتكارا آخر، وسنأخذ على سبيل المثال لا الحصر مادتي الإسمنت وحديد التسليح، وهما من المواد الأساسية التي شهدت أسعارها ارتفاعا غير منطقي مقارنة بأسعارها عالميا، وسأبدأ بالإسمنت الذي اتحدت شركاته واتفقت على رفع الأسعار واستخدمت في سبيل تحقيق ذلك تقليل الإنتاج بغية تأزيم السوق ليضطر المواطن إلى الشراء بالسعر الذي تحدده.
شركات الإسمنت لم تكتف بالاتفاق على الإضرار بالمواطن بل إنها تمارس احتكارا من نوع آخر وهو احتكار بعضها البيع لعدد محدود من التجار (غالبا من الأقارب)، وبعضها يحتكر البيع لتاجر واحد ليكون هو المسوق الوحيد للإنتاج كله، قاطعين بذلك الطريق على المنافسة، الشيء الذي يؤدي إلى انكماش الاقتصاد الوطني وحصر الاستفادة منه في ثلة قليلة، وهو ما يزيد من استشراء البطالة مقابل تراكم الثروة في جيوب عدة أشخاص. وهذا ينم عن انعدام حس المسؤولية والوطنية لدى هذه الشركات التي لا ترى أبعد من تحقيق الأرباح ولو على حساب المواطنين.
الأمر لا يختلف كثيرا مع مصانع حديد التسليح، فالمصانع الرائجة تحتكر البيع لثلة من رجال الأعمال اتحدوا لشراء جميع إنتاجها ليتحكموا في تحديد أسعاره في السوق، وهو ما نتج عنه ارتفاع مذهل للأسعار، والمفارقة هي أن بعض محتكري الحديد هم نفسهم من يحتكرون الإسمنت.
اتحاد هذه الشركات والتجار بدل المنافسة لا يؤثر على الأسعار فقط، بل إنه يؤدي أيضا إلى تدني جودة الإنتاج لأن المنافسة لم تعد موجودة، وتلك مأساة أخرى تجعل المواطن يدفع الثمن مرتين، مرة بغلاء الأسعار ومرة برداءة المنتوج.
إن ما وصلت إليه أسعار حديد التسليح والإسمنت من غلاء يجعل من الضروري تدخل الدولة لحماية المواطنين الذين يعانون أصلا من تدني القدرة الشرائية، وللدولة من الوسائل القانونية والمادية ما يجعلها قادرة على التدخل لخفض الأسعار، فسن قوانين لمحاربة الاحتكار أو تفعيلها كفيل بعودة الشركات إلى مسارها الطبيعي المتمثل في المنافسة على جودة المنتوج وتسويقه بسعر في متناول الجميع.
كما أن منافسة هذه الشركات بأخرى للدولة تعتبر من أنجع الطرق للحفاظ على الأسعار، ولعل مصنع الشامي ستيل للحديد الذي تمتلك الدولة ممثلة في شركة SAFA أسهما فيه قد يدفع بمصانع الحديد الأخرى إلى تغيير سياستها الاحتكارية، وهو ما يجب أن يطال قطاع الإسمنت عبر إنشاء الدولة مصنعا يضع حدا لسنوات من استنزاف جيوب المواطنين، فحماية المستهلكين وتعزيز المنافسة في السوق ضروريان لخلق بيئة اقتصادية سليمة تعود بالنفع على الجميع.
محمد سالم ولد مولاي أحمد