ما أشبه الليل بالباحة، فهل سيكون الغد مختلفا
في مثل هذا الوقت قبل أربع سنوات، تنادت الطليعة الحية من المجتمع دكاترة ومثقفين وفضلاء رجالا ونساء في سبيل تحقيق هدف واحد هو دعم ذلك المخلِّص ذلك الفاتح الذي استطاع بمجرد نيته الترشح أن يحقق ذلك الإجماع المنقطع النظير، فالبعض بدافع حسن أخلاقه واحترامه، والبعض بنظافته وطهارته من المال العام، والبعض بحكم القرابة والصلة والجوار، فقابل ذلك كله برحابة صدر وفرح واستحسان، فكانت مذكرات التعيين في مفاصل الحملة الانتخابية خير دليل، فطالعتنا تلك المذكرات بنخبة المجتمع وخيرته تعليما وأمانة وصدقا ووفاء، وفعلا بذلت تلك النخبة وقتها وجهدها ومالها، في تحقيق ذلك الهدف، وبالفعل تحقق الهدف وحصل النصر، وكان حديثهم عند الصباح يحمد القوم السّرى.
تشكلت الحكومة الأولى من أشخاص أغلبهم لا يعرفهم منا أحد أعيتهم المناصب في الداخل فبحثوا عنها في الخارج فحسبنا ذلك دليلا على تميزهم وقدراتهم، وتعززت حريتهم في العمل بتفويض مفتوح من رئيس الجمهورية في ممارسة صلاحياتهم دون تدخل، وبعد وقت من الانتظار برزت فجوات الافتقار إلى قواعد التنفيذ، ومحدودية القدرات البشرية، فظهرت مشكلات عقارية كبرى لم تجد حلا إلى الآن، وأزمة البنك المركزي، إلى أن جاءت الطامة الكبرى "جائحة كورونا"، فوجلت قلوب المفسدين المتمسكين بالمناصب خوفا من الحالة الجديدة، والمبادرون ينتظرون.
ولأن النية والإرادة والتصميم لدى الرئيس في أن الخير سيعم الجميع وأنه قادم لا محالة جاءت القرارات السامية بتوقيف التقاعد عن الجميع حتى يأخذ الجميع حظه من العدل، فساد الصمت، والمبادرون ينتظرون.
تشكلت الحكومة الثانية فقادها إطار بارز معروف بالأمانة لكن ديدنه التسامح، وللأسف شعب دولتنا كشعب بلاد ما بين النهرين لا يفهم التسامح، حينها خرج المندسون للعلن دون استحياء، وولت الإدارة ظهرها للمواطن وأقبلت على مصالحا الشخصية، فضاق الحال، وسادت الظنون ونُسيت المبادرات وأصحابها، وبلغت القلوب الحناجر، فحالت معوقات التنمية دون الهدف (الجهل، والفقر، والمرض) وما كان قبل الفتح المنشود ما زال على حاله، والمبادر يلوم نفسه ولسان حاله يقول: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء}.
فما كان من رئيس الجمهورية إلا ترديد قولته المشهورة في كل وقت وحين (عليكم بالصرامة في التزام قواعد الشفافية، ومبادئ الحكامة الرشيدة، في تسيير الموارد وتدبير الشؤون الإدارية والعمومية، وإعادة الاعتبار لقيم العمل، واحترام الجدارة والاستحقاق) وقد كتبت في ذلك سابقا بعنوان قالها وماز يكررها.
عادت الأيام وتهيأت المبادرات فهل سيتغير الحال وهل سيتحقق لأصحاب المبادرات ما يريدون؟