رسالة إلى زميلي الجديد.. كيف تدمر مستقبلك بيدك؟!
بمناسبة إعلان الاكتتاب الجديد من قبل وزارة الزراعة أبعث إليك يا زميلي المستقبلي بهذه الرسالة والتي هي عبارة عن قصتي مع الوزارة لتحكم بنفسك ولكي لا تتلقى الصدمة اللتي تلقيتها أنا، وأود منك أن لا تحكم علي بالتشاؤم من خلال العنوان بل العكس كنت ولازلت متفائلا وأحمد الله على ما أنعم به علي من نعم لكني أردتها عبرة لك ونصيحة من شاب تحطمت طموحاته بالفعل وتلاشت أحلامه أمام عينيه دون أن يحرك ساكنا. فإليك قصتي:
إسمي الشيخ عبد القادر اليعقوبي حاصل على شهادة ماستر في البستنة سنة 2017 من المعهد العالي للعلوم الفلاحية بشط مريم (سوسة - تونس) بتقدير جيد جدا.
شاركت في مسابقة اكتتاب وزارة الزراعة Ministère de l'Agriculture سنة 2018 لاختيار 20 إطارا منهم اثنان فقط من تخصصي صدرت النتائج في 17 يوليو وكنت الأول حسب الترتيب الاستحقاقي (انظر الصور المرفقة) وللأمانة كانت مسابقة شفافة ولو لم تكن كذلك لما حلمت بالنجاح أصلا.
بعد ثلاثة أشهر صدرت أول مذكرة تحويل لنا لأتفاجأ بتحويلي إلى أبعد نقطة على الخريطة: انبيكة لحواش 1250كم من انواكشوط ( لمن لا يعرفها بعد ما تصل مدينة النعمة تقطع مسافة 150 كم شمالا).
قبل ذهابنا إلى مكان عملنا استدعانا الأمين العام على غير العادة (لأنه مشروع رئيس الجمهورية آنذاك)، وشحننا بالكلام المعسول أذكر منه أنهم نظروا في سيرنا الذاتية وتم انتقاؤنا من بين جميع الموظفين وأنه مشروع رئيس الجمهورية وأولوية عنده...
خرجنا من عنده مشحونين ومصدقين لكلامه لأن الواقع أيضا يدعمه آنذاك. كانت وجهتنا المشروع النموذجي لزراعة الأعلاف بانبيكة لحواش، وصلنا بعد رحلة طويلة لمكان المشروع.. كان عبارة عن أرض رملية شاسعة ذات ظروف مناخية صعبة وغير ملائمة للزراعة لدرجة أنك تغرس اليوم وتأتي غدا لتبحث عنه مرتدما تحت التراب بفعل العواصف الرملية المتواصلة ليل نهار.
كان أمامنا شهر فقط لنحول تلك الرمال إلى مزرعة خضراء، على الأقل 20 هکتارا منها هي إحدى وحدات المشروع حيث عبارة عن ري محوري قائم بشعاع 250 مترا ويغطي 20 هكتار والمشروع الكلي كان من المقرر أن يكون 6 وحدات أي 120 هكتارا، لكن تم استغلال 40 هكتارا فقط نظرا لعدم وضع استراتيجية لتسويق الأعلاف.
كان تحديا صعبا، كنا نذهب للعمل السابعة 7 صباحا وحتى السادسة مساءا كل يوم، طبعا عطلة نهاية الأسبوع لم نكن معنيين بها… فقط أصحاب المكاتب المكيفة في انواكشوط هم من يأخذونها.
كانت الوزارة تتابع المشروع بجدية لدرجة أنهم أرسلو قطعة من قطع غيار نظام الري المحوري عن طريق الطائرة من داكار في أقل من 24 ساعة فظننت لسذاجتي أن الوزارة متفانية في عملها ليتبين لي لاحقا أنه مجرد خوف من الرئيس استمرينا بهذا الحال ليوم التدشين، ثم واصلنا بنفس الوتيرة حتى نجح المشروع وأصبح ينتج أعلافا خضراء بالأطنان وسط تلك الربوع القاحلة كان كل من يزور المشروع يندهش منه نظرا لأنه كان من المستحيلات عند أهل المنطقة وعند الموريتانيين عامة.. أحسسنا حينها بالفخر والاعتزاز وأننا استطعنا أن نكون على قدر التحدي، كنا ننتظر رسالة معنوية من الوزارة تشجيعا لنا ولو مجاملة لكننا كنا كالأعمى الذي ينتظر بصره…
بدأت الوزارة تخفض في مستوى متابعتها للمشروع شيئا فشيئا إلى أن وصلت لدرجة الإهمال التام، مما ولّد عندنا فقدانا للشغف بليه إحباط شديد بعد ذلك، صدقني ياصديقي أصعب شعور عندما تتعب مواصلا ليلك بنهارك من أجل إنجاح مشروع ثم يذهب تعبك أدراج الرياح بدون أدنى تقدير!
مكثت في تلك المدينة الموحشة سنتين وشهرا، بعدها طلبت التحويل إلى نواكشوط إلى إدارة تنمية الشعب الزراعية، قلت في نفسي هذه أهم إدارة في الوزارة وأنا مهندس ولدي بعض الخبرة والوزارة عندها نقص كبير في المهندسين أكيد لا بد أن يتم تعييني رئيس مصلحة كأقل تقدير… مكثت سنتين أيضا وأنا أطفو في تلك الإدارة منتظرا الهيكلة الجديدة للوزارة والتي استغرقت أكثر من سنتين، ولأنني لاأعرف النفاق ولأني «داخل ليد حت»… فإذا بي تم تحويلي كمفتش للزراعة بمقاطعة گرو بمذكرة تحويل تمت ليلا ودون أن تمر على رئيس مصلحة الأشخاص في تحد واضح للقانون..
ستقول لي هذا تعيين وترقية سأجيبك نعم ولكن انظر إلى وضعية زملائي السابقين في الإدارة وزملائي الجدد في المفتشيات لتحكم بنفسك، تم تعيين من هو دوني في الشهادة واكتتب بعدي ولم يعرف الميدان يوما كرئيس مصلحة في حين أن جل زملائي المفتشيين هم منعشيين زراعيين يعني بمثابة الباكلوريا طبعا هم أكفاء وأكن لهم جميعا التقدير والاحترام.
وطبعا حال المفتشيات يكفي عن سؤالهم بالله عليك كيف لمفتش زراعي أن يقوم بعمله كمفتش مقاطعة بأكملها وكمؤطر بدون وسيلة نقل وبدون ميزانية وبدون مساعدين!
فالوزارة مستعدة لإبرام صفقات بمئات الملايين وغير مستعدة لإنفاق أوقية واحدة على الكادر البشري وأخص بالذكر المهندسين الزراعين العمود الفقري للوزارة بالرغم من قلة عددهم في الوزارة وأتأسف على إهمالها الشديد أيضا للذين لم يتم اكتتابهم ولن يتم نظرا لعامل السن.
قبل تحويلي بأيام شاركت في الحصول على مقعد للدكتوراه بدون منحة وتم قبولي وخرجت لي رخصة التسجيل لكن الحضور كان الزاميا لإكمال التسجيل فكتبت للوزارة طالبا وضعية تربص (انظر الصور المرفقة) فلم يردوا علي إلى اليوم، مما جعلني أفقد التسجيل
بعدها طلبت التحويل لإدارة الإستصلاح الريفي قالو لي لا مكان لتخصصك فيها، وبعدها طلبت إدارة الحماية النباتية ولا أدري عذرهم بعد. طبعا أنا طلبت التحويل للإدارة كعنصر مكمل فقط دون تعيين.
طبعا الصدمات لم تنتهِ يا عزيزي، فقبل فترة؛ أي قبل الحملة الزراعية الماضية أعلنوا أن مقاطعة گرو ستکون قطبا زراعيا وأن الدولة ستواكبه وتدعمه بكل الوسائل، (طبعا هناك مبادرات خصوصية ناجحة منهم من يصدر منتوجه للخارج)…
اليوم تم توزيع السيارات التي أعلن الوزير عنها سابقا على المفتشيات وگرو (القطب الزراعي) خارج القائمة (ههههه). طبعا أنا اعتدت على هكذا قرارات ولم تعد تغريني الشعارات ولا الكلمات الرنانه لكن هي نصيحة من أخ ذاق مرارة الظلم والتهميش لأخيه الحالم القادم من جحيم البطالة.
كتبه الشيخ عبد القادر اليعقوبي مفتش الزراعة بگرو.