حملات شعبية.. بزرع شجرة تزداد الجزائر خضرة
بالتزامن مع موجات حر غير مسبوقة تجتاح الجزائر منذ بداية الصيف، رافقتها حرائق غابات تسببت بمقتل 34 شخصا، برزت مبادرات شعبية تدعو لتكثيف حملات التشجير لجعل البلاد أكثر اخضرارا.
"اغرس شجرة"، "الجزائر الخضراء"، "الطريق الأخضر" و"شجرة أمام كل بيت".. عينة من مبادرات يقودها منذ أعوام ناشطون متطوعون للحث على للتشجير لحماية البيئة وتعويض الغطاء النباتي الذي أتلفته الحرائق.
كما تهدف المبادرات إلى وقف زحف رمال الصحراء من الجنوب إلى الشمال، ولمواجهة التغيرات المناخية الحاصلة بغرس أشجار تحمي المناطق العمرانية من موجات الحر.
حرائق وضحايا
منذ أسابيع، تشهد معظم الولايات موجة حر قياسية وصلت 49 درجة بمدن ساحلية على غرار الجزائر العاصمة وسكيكدة (شرق)، كما لامست 50 درجة بعدة مناطق بصحراء البلاد.
ووفق هيئة الأرصاد الجوية الجزائرية، فإن الأمر يتعلق بظروف جوية قاسية، تتميز بدرجات "جد مرتفعة"، مقارنة بدرجات الحرارة المعتادة صيفا.
وفي 10 يوليو/ تموز أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، أن درجات حرارة سطح البحر في العالم وصلت إلى مستوى قياسي خلال مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين.
كما أظهرت توقعات للمنظمة، أن هذه الموجة من الحر ستتواصل إلى غاية أغسطس/ آب الجاري، وأن تتجاوز درجات الحرارة في أمريكا الشمالية وآسيا وشمال إفريقيا والبحر المتوسط، أربعين درجة مئوية لعدة أيام نهاية يوليو.
وخلفت حرائق بشمالي الجزائر 34 قتيلا وعشرات الجرحى، وأتلفت مساحات واسعة من الغابات.
وتعد خسائر هذه الحرائق أقل من تلك المسجلة في أغسطس 2022، التي أودت بـ 37 شخصا في ولاية الطارف في شمال شرق الجزائر.
لكن صيف 2021 سجل أكبر حصيلة للقتلى خلال عقود عندما لقي أكثر من 90 شخصا حتفهم في الحرائق التي مست عدة غابات شمالي البلاد.
وكشفت وزارة الداخلية أن حرائق الغابات التهمت خلال العقد الأخير ما يعادل 10 بالمئة من الثروة الغابية في البلاد، والتي تقدر بـ 4 ملايين و100 ألف هكتار.
إعادة تأهيل السد الأخضر
وتتزامن مبادرات التشجير التي أطلقها ناشطون مع مشروع رسمي ضخم يسمى "إعادة تأهيل السد الأخضر"، وهو مخطط لإعادة تشجير مناطق واسعة في الشمال لوقف زحف رمال الصحراء.
المشروع يمتد لسبعة أعوام (2023 - 2030)، وخصصت له ميزانية هامة تبلغ 75 مليار دينار جزائري (أكثر من 500 مليون دولار) وينجز عبر مراحل، حسبما أعلنت عنه السلطات المعنية.
ووفق ما أعلنته وزارة الفلاحة، تشمل العمليات تشجير 7 آلاف و440 هكتار من المناطق الغابية، و2640 هكتار من المناطق الرعوية، و444 هكتار من مزارع التين الشوكي، و4 آلاف و331 هكتار من مزارع الفاكهة، إضافة لإنجاز مصدات الرياح (حاجز من الأشجار) لمساحة تزيد عن ألف و12 كيلومترا مربعا.
كما يشمل المشروع إنجاز شريط أخضر مختلط، على مساحة 929 هكتار، ومشاريع لتثبيت الكثبان الرملية على مساحة 1129 هكتار.
ويعود مشروع السد الأخضر لسبعينات القرن الماضي، ويمتد على مساحة 3 ملايين هكتار، ويبلغ طوله 1500 كيلومترا من شرق البلاد إلى غربها، ويقف عند بوابة الصحراء ليمنع زحف الرمال نحن الشمال.
وسيتوسع السد الأخضر بعد المشروع الجديد، لتصل مساحته إلى 4.7 ملايين هكتار، تشمل مختلف أنواع الأراضي من رعوية وفلاحية وغابية.
"خضراء بإذن الله"
فؤاد معلى، صاحب مبادرة "الجزائر الخضراء"، أوضح في هذا السياق، أن العملية انطلقت عام 2013 تحت مسمى "أمام كل بيت شجرة" بولاية باتنة (شرق).
وقال معلى، في حديث للأناضول: "تمكنت بأعمال تطوعية بالكامل من غرس نصف مليون شجرة على الأقل، عبر ولايات البلاد الـ58".
معلى، الذي صار معروفا بعبارة "خضراء بإذن الله" التي يختتم بها كل فيديوهاته على منصات التواصل، أشار إلى أن "الفكرة جاءت من جانب ديني، باعتبار أن الإسلام حث على غرس الأشجار".
وبيّن أن "المبادرة انتشرت لاحقا خارج ولاية باتنة ووصلت إلى ولايات البلاد"، علما أن صفحة المبادرة على فيسبوك يتابعها أكثر من 1.1 مليون مشترك.
وعلق بالقول: "المواطنون صاروا يستقبلوننا في كل ولاية، ويدعمون المبادرة أينما حلت وارتحلت".
صاحب المبادرة لفت إلى أن "عمليات الغرس تشمل حاليا أنواعا من الأشجار المثمرة والمعمرة، خلافا لما كان من قبل بالتركيز على الصنوبر الحلبي".
وأشار إلى أنه "تم تشجير نحو 20 غابة من طرف المبادرة".
وحول إعادة تشجير الغابات المحترقة، ذكر معلى، أنه يجب انتظار بضعة أعوام للوقوف على مدى تجديد الغابة لنفسها.
وأوضح قائلا: "بعد مرور أعوام، إن لم تجدد الغابة نفسها جيدا، سنطلق حملات لإعادة تشجيرها" مجددا.
ووجه صاحب عبارة "خضراء بإذن الله"، نداءً للسلطات لدعم المبادرة التي ما زالت تعتمد في نشاطها على المتطوعين.
ولفت إلى أن المشروع حاليا يستهدف بداية أكتوبر من المقبل، غرس مليون شجيرة بالولايات الصحراوية لوحدها.
وشدد على أن المبادرة تنتظر دعما من السلطات لإطلاق سدود خضراء تستهدف غرس ملايين الشجيرات، ستكون مدعومة بالمشاتل التي أطلقتها المبادرة.
"شجرة شجرة تصبح الجزائر خضرة"
من جهته، يقول المهندس منير حنّان، صاحب مبادرة "اغرس شجرة"، إنها جاءت من منطلق نقص الغطاء النباتي التي يسكن فيها والتي تعد تقريبا بوابة نحو الصحراء، ونقطة فصل بين شمال وجنوب البلاد.
يعمل حنان (35 عاما) مهندسا معماريا بالقطاع الحكومي، ويقطن في مدينة قصر البخاري، بولاية المدية (150 كلم جنوب العاصمة).
وأوضح في حديث للأناضول، أن المبادرة انطلقت من فكرة بسيطة قبل أعوام لتزيين الأحياء بقصر البخاري، وتنظيفها وغرس الأشجار بها، وتوسعت لاحقا لتشمل مناطق مجاورة.
وأوضح حنان أن لمنصات التواصل الاجتماعي دور في الترويج للمبادرة، من خلال نشر الصور والفيديوهات عبر مجموعة على فيسبوك، حيث لاقت إعجاب الكثيرين.
وعن كيفية الحصول على الشجيرات من طرف الشباب المتطوعين، يقول إنها تأتي من "محسنين ومتبرعين، سواء بشرائها مباشرة أو بتقديم أموال لاقتنائها".
ولفت إلى أن "العمليات المتكررة للتشجير، خصوصا بالمناطق القاحلة، ساهمت في نجاح المبادرة، ووصل عدد متابعي الصفحة على فيسبوك نحو 570 ألف مشترك".
وتابع في هذا الصدد: "نسعى لشراء شاحنة ننقل بها الشجيرات إلى كل الولايات بدل التأجير في كل مرة"، وأضاف "كمتطوعين غرسنا أكثر من 200 ألف شجرة بإمكانيات منعدمة".
وأشار إلى أن الهدف من المبادرة "جعل بلادنا أكثر اخضرارا من ذي قبل، خصوصا في الولايات الداخلية والصحراوية بأشجار مثمرة وأخرى للزينة على حد سواء، تحت شعار: شجرة، شجرة.. تصبح الجزائر خضرا(ء)".
وتحدث المهندس عن سعي المبادرة لتجسيد مشروع ضخم لتشجير حواف (جنبات) الطريق السيار شمال-جنوب، من المدية وصولا إلى ولاية غرداية الصحراوية على طول نحو 450 كيلومتر.
وقال: "نوجه نداء للسلطات لكي تساعد أصحاب المبادرة المتطوعين على تجسيد هذا المشروع".
وأشار الناشط البيئي إلى أهمية تعميم فكرة تشتيل الشجيرات سواء للمبادرة أو عبر البيوت، لتكثيف عمليات التشجير في الأعوام القادمة.
وختم بالقول: "سابقا كان الناس يطلبون منا تزويدهم بالشجيرات، واليوم أصبحوا يطلبون منا تزويدهم بالأكياس البلاستيكية والبذور وطرق التشتيل والوقت المناسب لها".