التهذيب قبل التعليم/ عثمان جدو
لا شك أن أغلب الموريتانيين يرون أن أهم ميراث حازوه من أسلافهم لا يمكن أن يكون غير بقية أخلاق ظلت أكابرهم تحدث بها الأصاغر جيلا بعد جيل ..
ويعتبر التعليم باختلاف طرقه وتعدد مستوياته خير وعاء يحمل محاسن الأخلاق وأهم قناة تصل معها فضائل الشيم، فبالتعليم نزرع كل خير نريده ونحاصر ونحارب كل شر نخشاه على أنفسنا أو أبنائنا؛ ولأن اكتساب العلوم وحيازة المعارف دون أن يلبس ذلك لبوس التهذيب الذي يجعل النفوس تالف وتؤلف محض عبث لا تؤمن شطحاته ولا تنحصر خيباته.
قد لا نختلف كثيرا على أن الواقع التربوي تغير قليلا؛ لكن أي منا يستطيع أن ينكر أن عجلة دوران التعليم مازالت تترنح لأسباب مباشرة أو لأخرى تنقصها آلية التنفيذ التي تخرجها عن دائرة التكبيل.
إن من يشاهد اليوم واقع المدرسين داخل المدارس والمؤسسات التربوية يحار كثيرا؛ فبالرغم من بعض التحسينات المعتبرة بنيويا وإجرائيا، ماديا ومعنويا إلا أن الحال في الميدان ينبئ بضعف وفتور، فكم مرة يتفاجأ الرأي العام الوطني من حالة أو حالات يكون طرفاها ذوو تلميذ ومدرس ونقطة الالتقاء هي ضرب للمدرس أو ما شابه ذلك؛ إن المنظومة الأخلاقية التي كانت محفورة في الذاكرة الشعبية والتي كانت تكتنز كثيرا من التبجيل والاحترام للمدرس والمجتمع من خلاله اضمحلت إن لم نقل تلاشت!، فتغير الحال من المدرس المهاب كعنوان يحفظه الجميع إلا تلميذ لا يخاف ولا يهاب وله أهل له على ذلك أول مساند ومقر دون أي عتاب ..
ولا شك أن هذا الحال غذى بعض السلوكيات المشينة التي بدأت تدور صورها من طالب إلى آخر ومع انتشارها تطورت حتى بدأ التطاول والهتك يصل كل محفوظ ومحمود في ذاكرة المجتمع التي كانت تتغذى على موروث إسلامي هو خير شريان شربت منه الحكمة وفضائل الأخلاق!.
إننا عندما نقف اليوم عند بوابة أي مؤسسة تعليمية؛ خاصة الثانويات فإننا نتفاجأ كثيرا من مشاهد الانفلات الأخلاقي والاستلاب الحضاري الذي يظهره الملبس ونوعية حلاقة الرأس وطبيعة الألفاظ والمصطلحات المتبادلة بين فلان وعلان، هذا طبعا مع بعض الاستثناءات هنا وهناك.
إننا بحاجه كبيرة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة النظر في المناهج التربوية ومدى فعالية المحتويات العلمية خاصة مع عدم الإلزام الشمولي الذي يجعل من بعض المدارس والمؤسسات سواء كانت خاصة أو لها طابع تبعية ما تنفرد بمناهج قد لا تلامس روح المنظومة التربوية؛ وما حادثة المدرسة التي استخدمت الألوان ذات الدلالة الخبيثة رغم ادعائها وتبريرها الواهيين عنا ببعيد، ويزداد الإلحاح عند الوقوف على الحالة المذكورة في ورقة إجابة أحد طلاب البكالوريا!!؛ التحدي الأخلاقي إذن أصبح في تنام والأسباب معروفة أو على الأقل افضل السبل لعلاجها موجودة فلماذا التراخي والتأخر؟
إننا ما لم ندرك حقيقة أن خير ما نواجه به موجات الإلحاد ومحاربة الفطرة التي تتضوع نتانتها بين الحين والآخر وإن بمستويات متباينة هو تفعيل المنظومة الأخلاقية من خلال تقوية قنوات الإيصال التهذيبية بفعل إعادة الاعتبار لمقررات التربية الإسلامية وشحن السلوك المدني بشحنات إسلامية توجيهية وحماية ذلك قيمة من خلال الضارب وتوقيتا يضمن فرض المقصود؛ مالم نعمل على ذلك بجد واجتهاد فإننا ننفخ في رماد ماتحته جذوة نار.