حركتنا الطلابية.. إشكاليات تحتاج الحل
بعد سنوات طوال من حرب ممنهجة ضد أي عمل طلابي جاد، وسياسة تضييق وعسكرة للجامعة، وحصار خانق للمؤسسات الطلابية الفاعلة قضى فيها كثير من المؤسسات وسكت العديد من الأصوات واختفت كثير من اللافتات الطلابية ولم يصمد أمام هذه السياسة المقيتة إلا تلك المؤسسات ذات المؤسسية الراسخة والخبرة العميقة والتمرس النضالي، والتي استطاعت الصمود باستمرارها في الأداء وقدرتها على الصمود أمام القمع والتضييق، أو بعض آخر ضمن له قربه من الإدارة أن يبقي على بعض حضور له.
لتخرج الحركة الطلابية من سنين الحصار قبل عامين تقريبا إلى فضاء أرحب هامشا وأقل تضييقا على الحريات، وهي تعاني إشكاليات عدة وتواجه تحديات جمة وتحمل طموحات كبيرة وتملك فرصا مهمة.
وبين يدي أبرز استحقاق مؤسسي في الساحة الطلابية الوطنية، المؤتمر العام لأقدم وأكبر نقابة طلابية وأرسخها مؤسسية وأكثرها انتشارا وأبلغها تأثيرا في ساحتنا الجامعية المؤتمر العام الحادي عشر للاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا يمكن تسجيل عدة ملاحظات حول واقع حركتنا الطلابية عساها تسهم في إثارة النقاش حول واقع هذه الحركة ومستقبلها، وما تواجه من تحديات وإشكاليات تحتاج من الفاعلين في ساحتنا الطلابية التوقف معها تشخيصا للمشكل وتوصيفا للعلاج وتمهيدا لمستقبل أكثر إشراقا وأنضج ثمارا، ولن تكون هذه الملاحظات تقييما للتجربة الطلابية، ولا تشخيصا لواقعها، وإنما إثارة لإشكاليات ومشاكل أرى أن حركتنا الطلابية تعاني منها وتحتاج التغلب عليها وتجاوزها وسأحاول إجمالها في ست نقاط الثلاثة الأولى منها عامة بعدها ثلاثة خاصة:
ضعف الأثر والتأثر:
تشهد ساحتنا الجامعية انفصالا غريبا عن محيطها الوطني العام، تكاد معه الجامعة تفقد أدنى تأثير لها على الساحة من حولها سواء السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية، فبدل أن تكون الساحة الجامعية عامة والطلابية خصوصا من أنشط الساحات وأكثرها تأثيرا وأقواها أثرا في الرأي العام، تعاني وطنيا من عزلة عن الشأن العام وغياب التأثير والتأثر، فلتعرف مدى هذه العزلة لك أن تتصور غيابا شبه تام في حملاتنا الانتخابية لأي خطاب موجه لمن يفترض أنهم أهم شريحة شبابية وأكثرها فعالية وهم الطلاب، سواء تعبئة لهم أو استمالة لهم بوعود وبرامج تستهدف مصالحهم وخدمتهم، بل يحدث أن يدخل طلاب مؤسسة اعتصاما وإضرابا لمدة أسابيع ولا يلفت ذلك انتباه أحد من فواعل السياسة والإعلام عندنا فلا تجد حتى تدوينة لنائب معارض يدعوا فيها لإنصافهم؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالحال أدهى فتكاد لا تسمع أي صدى في ساحتنا الطلابية لأي من المستجدات والاشكاليات الوطنية والقضايا السياسية والاجتماعية والثقافية في البلد، في غياب تام للشأن العام والقضايا الوطنية عن اهتمام طلابنا ومؤسساتنا الطلابية وانعدام للنقاش فيها، وهي ظاهرة تسترعي الانتباه وتستدعي العمل على فك هذه العزلة والقفز خارج السور حتى تعود الحركة الطلابية إلى مكانتها الطبيعية في صميم التأثير في الشأن العام، حيث تؤدي - وهي الأكثر قوة في الاحتجاج وإبداعا في الإنتاج - دورها، ويتبوأ الطالب وقضاياه المكان الطبيعي في صميم اهتمام الفاعلين في البلد.
غياب الثقافي والسياسي والاجتماعي؟
كانت سياسة التضييق والعسكرة كفيلة بالقضاء على أغلب المؤسسات الثقافية في جامعة نواكشوط، فبعد أن كان للنوادي الثقافية بعض الحضور بندواتها وفعالياتها الثقافية، أصبحت الجامعة شبه خالية من أي أداء طلابي ثقافي، أو سياسي واجتماعي باستثناء الحضور المهم لفلسطين وقضايا الأمة، وأصبح العمل الطلابي شبه منحصر في العمل النقابي، أو بعض الأداء الدعوي الوعظي، وغدا النقاش الثقافي، والحوار والابداع - الذي يفترض أن الجامعة ساحته الأبرز - شبه منعدم، لذلك تراجع الوعي في صفوف الطلاب، وضعف الاهتمام عندهم بالقضايا الوطنية، وبدل أن يكون أهم روافد تثقيف وتوجيه الطلاب هو النقاش الجاد والعميق والواعي في النوادي والفعاليات الطلابية أصبح مكانه جوقة فيسبوكية عدمية لا تزيد على لعن كل ماله علاقة بالشأن العام وتفنيد إمكان وجود بديل غير ملعون، لتقتل الأمل في شبابنا، وتبرر له السلبية و"الخبزية" الأنانية.
ولن يعيد الطالب إلى ساحة الوعي الفاعل، والاهتمام المثمر سوى عمل ثقافي واجتماعي فاعل ومستمر ومستوعب.
المؤسسية:
مثل كل ساحات العمل الوطني تندر المؤسسية والجدية في الساحة الطلابية فيمكن القول إن الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا هو النقابة الوحيدة التي حافظت على مؤسسيتها، وحققت ديمقراطية داخلية متميزة حيث حافظ على انتظام انتخاباته الداخلية ومؤتمراته، وسير هيئاته وفق النظم والنصوص، في حين تغيب هذه الصفة عن بقية الفعاليات النقابية، وأغلب المؤسسات الثقافية والدعوية.
وغياب صفة المؤسسية هو ما جعل أغلب هذه المؤسسات غير قابل للاستمرار، ولا يملك مناعة ضد أي تضييق، وعاجز عن مراكمة التجارب والخبرات.
هذه نقاط من أبرز الإشكاليات التي تعاني منها حركتنا الطلابية اليوم بشكل عام، ولأننا بين يدي المؤتمر العام للاتحاد الوطني، ولأنه الجسم الطلابي الأكبر وطنيا والمؤسسة النقابية الأعرق، والأكثر انتشارا وتأثيرا، والأرسخ مؤسسية وتجربة، ولأنها تكاد تكون الصوت النقابي الوحيد المعول عليه في الدفاع عن الحقوق والمكتسبات الطلابية، وقد حصد لوحده نسبة معتبرة من الأصوات في آخر انتخابات طلابية؛ سأحاول أن أسجل بعض الملاحظات التي أراها مشكلات تحتاج حلا وعقبات يجب أن تزال عن طريق العمل النقابي وذلك دعوة لمؤتمري المؤتمر الحادي عشر للتوقف عندها تحليلا للمشكل وتعرفا على الأسباب وتوصيفا للعلاج ومن هذه النقاط:
الخدمي البسيط على حساب النقابي الجليل:
إذا كان العمل النقابي الطلابي في الأصل يتمحور حول النضال والعمل المطلبي الساعي إلى تحسين الظروف المادية والمعنوية للطلاب والدفاع عن حقوقهم، فإن العمل الخدمي والبذل في خدمة الطلاب وتقديم العون لهم مهمة أساسية بالنسبة لأي مؤسسة نقابية، وقد استطاع الاتحاد الوطني طيلة مسيرته الممتدة أن يحافظ على هذه الثنائية بشكل متميز عكسه الشعار المعروف "يد تبني وأخرى تناضل" ولكن يمكن القول إن جهودا كبيرة أصبحت تذهب في أعمال عبارة عن نيابة للطالب في القيام بإجراءات إدارية أو استصدار أوراق المفروض أن تصدر بشكل طبيعي لا يحتاج معه الطالب إلى نائب أو معين، ولكن للفشل والترهل الإداري في مؤسساتنا التعليمية أصبح الطالب يعاني من أجل إجراءات بسيطة، مما أصبح يستنزف جهودا وأوقاتا كبيرة للمناضلين في مهمة ثانوية على حساب العمل النقابي المناقش للواقع المعرف بالمشاكل المقترح لحلها والمناضل من أجل تجاوزها، والعمل التأطيري المكون للشخصية الطلابية والمثقف لها.
كما أن النضال من أجل الحفاظ على المكاسب الخدمية للطالب، والذي للأسف دائما ما يكون ردة فعل ضد تأخر باص أو رداءة خدمة مطعم فهذا النضال الجزئي اليومي أصبح على حساب النضال من أجل القضايا الطلابية الكبرى خصوصا ما يتعلق منها بالجانب الأكاديمي، فلا يخفى ضعف حضور المطالب الأكاديمية ونقاش المشاكل البيداغوجية والبنيوية التي تعانيها منظومة التعليمية.
بل إن هذا الارتهان لردات الفعل أغفل عن الطرح الجذري للمشاكل الكبرى سواء كانت خدمية أو أكاديمية وأسبابها وأساليب ووسائل علاجها.
وأصبح عملنا النقابي يكاد يتشابه مع عمل إدارتنا التعليمية في سياسة الآنية والتجزيئية في التعاطي مع المشاكل بعيدا عن الرؤية الواضحة والاستراتيجية المستبصرة والخطة المفصلة الهادفة.
التأثير في القاعدة الطلابية:
يعاني الخطاب النقابي في ساحاتنا الجامعية من ضعف التأثير في القاعدة الطلابية، وصعوبة حشد الجماهير وتعبئتها لصالح الخيارات النضالية فرغم ما تعانيه هذه الجماهير الطلابية من ويلات فشل النظام التعليمي، وتردي الخدمات الجامعية إلا أنها تشهد عزوفا متزايدا عن العمل النقابي بل والعمل الطلابي ككل، وإن كان لهذا أسبابه الكثيرة التي يتجاوز بعضها الجامعة، إلا أن الاشكاليات الواردة في النقاط السابقة من أسباب هذا العزوف، وضعف الوعي في صفوف طلابنا، ولهذا بات من الملح العمل على تطوير الخطاب الموجه لهذه الجماهير الطلابية وتجديد أساليبه من أجل وصول أكبر وتأثير أبلغ في قاعدة طلابية تعاني أكاديميا وخدميا ويتراجع فيها الوعي وتزداد فيها السلبية و"الخبزية" المقعدة ويموت فيها الأمل يوما بعد يوم.
التوريث القيادي:
يشكل نظامنا التعليمي المعتل الذي يفرض على الغالبية العظمى من الطلاب التوقف عند مرحلة الليصانص تحديا كبيرا أمام المؤسسات الطلابية في تكوين مناضليها ومراكمة الخبرات القيادية، مما يشكل عائقا كبيرا في التوريث القيادي، وأصبحت مؤسساتنا تعاني شحا في القيادات الطلابية النوعية، وضعفا في إنتاج هذه القيادات، وهي إشكالية كبيرة تستدعي التوقف العميق عندها ووضع استراتيجية تكوينية تأطيرية لبناء القيادات الطلابية وتوريث الخبرات والتجارب من جيل إلى جيل ضمانا لاستمرار المسيرة ومراكمة الإنجاز وترسيخ التجربة.
هذه بعض الاشكاليات التي تعاني منها حركتنا الطلابية وتحتاج التوقف عندها من أجل تقديم إجابات شافية تحديدا للأسباب وتوصيفا للعلاجات وتصميما على العمل من أجل التغلب عليها من أجل النهوض بحركتنا الطلابية المعطاة واستمرارا لمسيرة النضال والعطاء الطلابي الوطني الثرة، ونهوضا بتعليمنا العالي، وإعادة لجامعتنا إلى مكانتها ودورها الطبيعي كعقل للمجتمع ومنبر للنضال وساحة للفكر والمعرفة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
هدو ولد الداه