اتفاقية تفضيلية للجزائريين تثير المعارضة اليمينية في فرنسا

صدمة جديدة تنتظر العلاقات الجزائرية الفرنسية المضطربة أصلا قبيل زيارة مؤجلة للرئيس عبد المجيد تبون، إلى باريس، بعد أن أثار رئيس أول حكومة في عهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قضية إعادة النظر في اتفاقية 1968 بين البلدين التي تمنح المهاجرين الجزائريين امتيازات استثنائية.

 

لم يكن رئيس الحكومة الفرنسي إدوارد فيليب (2017-2020) أول من أثار هذه المسألة، بل سبق لمارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابق)، وإريك زمور، المرشح الرئاسي السابق، وكلاهما من اليمين المتطرف أن طالبا العام الماضي، بإعادة النظر في اتفاقية 1968 مع الجزائر.

 

لكن بمجرد أن طرح فيليب، فكرة إعادة النظر في الاتفاقية، وبنفس المصطلحات التي استخدمها زمور ولوبان، خلال حوار أجرته معه مجلة " ليكسبريس" المحلية، في 8 يونيو/حزيران الجاري، حتى انفجرت الساحة السياسية والإعلامية في فرنسا بسيل من التصريحات والنقاشات حول الجدوى من هذه الاتفاقية.

 

ففليب، من يمين الوسط، ومن السياسيين "المحبوبين"، وفق الإعلام المحلي، ومرشح رئاسي محتمل، خاصة وأن هذه آخر ولاية رئاسية لماكرون، لذلك يريد أن يحجز مكانه في قائمة مرشحي الحزب الحاكم "الجمهورية إلى الأمام" للرئاسيات المقبلة.

 

ورغم أن موعد الرئاسيات المقبلة مازال بعيدا، ولن تجرى إلا في عام 2027، ومع ذلك فإن إرهاصاتها بدأت مبكرا، من خلال مغازلة فيليب، القاعدة الشعبية لليمين المتطرف المتصاعدة، في ظل تماهي أحزاب يمين الوسط مع مطالبها.

 

وهذه إشارة إلى أن المهاجرين وخاصة الجزائريين منهم سيكونون حطب الحملة الانتخابية المقبلة، خاصة من مرشحي اليمين المتطرف وحتى يمين الوسط.

 

مزايا الاتفاقية أفرغت بإجراءات إدارية فرنسية

في هذا السياق يرى مدير الهجرة السابق بوزارة الداخلية الجزائرية حسان قاسيمي، أن هناك حملة فرنسية مغرضة من أحزاب وشخصيات يمينية فرنسية بعضها متطرف، ضد اتفاقية الهجرة لسنة 1968 بين البلدين، مضمونها انتخابي خالص.

 

وأوضح حسان قاسيمي الخبير أيضا في شؤون الهجرة في حديث لـ "الأناضول" أن فرنسا حاليا تواجه أزمة اقتصادية وسياسية خانقة، مشددا على أن الدولة التي تحكم هذا البلد الأوربي حاليا ضعيفة وغير قادرة على السيطرة على زمام الأمور في البلاد.

 

ولذلك يضيف قاسيمي، هناك أطراف من دعاة "الجزائر الفرنسية" وتيارات لا تزال تحقد على الجزائر وتمارس الضغوط وأطراف أخرى صهيونية حتى بتمويل خفي، تشن حملة قاسية ضد مصالح الجزائر.

 

ويوضح محدثنا أن اتفاقية 1968 منبثقة عن اتفاقيات إيفيان (مفاوضات أفضت إلى استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962)، وهي معاهدة صادق عليها البرلمان الفرنسي وهي غير قابلة للمراجعة.

 

وعلق بالقول "لقد كانت فيه محاولات وحملات سابقا ضد الاتفاقية ولم تفلح.. لو تكون هناك مراجعة لها يجب أن تكون ثنائية بين البلدين وليس من طرف واحد".

 

واستطرد قاسيمي قائلا " كل ما كان موجود في الماضي من مزايا فيما يخص تنقل ودخول الرعايا الجزائريين وإقامتهم ولم الشمل العائلي ضيقت عليها عدة إجراءات إدارية اتخذتها السلطات الفرنسية".

 

وزاد "الحديث عن مزايا الجزائريين مبالغ فيه والاتفاقية أصلا أفرغت من محتواها بإجراءات إدارية".

 

وختم حسان قاسيمي بالتأكيد على أن هذه التطورات توضح جليا أن العلاقات بين البلدين لا تزال في مرحلة متأزمة، تتسم بجو مشحون وحملات ضد الجزائر، ربما ستكون من الأسباب الرئيسية التي ستمنع تنقل رئيس الجمهورية في زيارة إلى باريس.

 

وسرعان ما تحولت اتفاقية 1968، إلى قضية رأي عام بعد أن انضمت شخصيات وأحزاب يمينية إلى هذا النقاش، على غرار السفير السابق لدى الجزائر كزافيي دريانكور، الذي نشر مقالا في هذا الصدد في 22 مايو/أيار الماضي، وإيريك سيوتي، رئيس حزب "الجمهوريون"، الذي يقود المعارضة، وحزب التجمع الوطني بقيادة لوبان.

 

الذي انتقل من مجرد تصريح صحفي لمسؤول سابق ردد نفس مطالب اليمين المتطرف، حتى انتقل إلى قبة البرلمان.

 

ففي 7 يونيو الجاري، تقدمت الكتلة البرلمانية لحزب "الجمهوريين" إلى الجمعية العامة (الغرفة الأولى للبرلمان) بمقترح قانون يهدف إلى "تنديد السلطات الفرنسية بالاتفاق الفرنسي الجزائري المؤرخ في 27 ديسمبر/كانون الأول 1968".

 

فالجمهوريون (يمين وسط) رفعوا المزايدة على اليمين المتطرف بشأن المهاجرين الجزائريين، بنقل النقاش من الإعلام إلى البرلمان، وإدوارد فيليب، المرشح لخلافة ماكرون في 2027، لا يريد أن يتخلف عن هذه المزايدة السياسية.

 

وقبل أن يصل النقاش إلى مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) أدلى رئيسه جيرار لارشي، المنتمي لحزب الجمهوريون، بدلوه في هذا النقاش معربا عن رغبته في إعادة النظر في الاتفاقية مع الجزائر.

 

ويرى لارشي، في حوار مع إذاعة "فرانس أنتر"، أنه بعد 55 عاما من توقيع هذه الاتفاقية، التي تنظم دخول وإقامة وتوظيف الجزائريين في فرنسا، "الظروف تغيرت"، وأنه حان الوقت لإعادة النظر في هذه الاتفاقية.

 

وبالحديث عن تغير الظروف، فإن اتفاقية 27 ديسمبر 1968، هي استمرارية لاتفاقية إيفيان التي انتهت باستقلال الجزائر في 1962، والتي تهتم بالعمال الجزائريين في فرنسا والذين استعانت بهم بكثافة بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) لتعويض نقص اليد العاملة لديها.

 

وسعت هذه الاتفاقية "لتوفير حل شامل ودائم للمشاكل المتعلقة بتنقل وتوظيف وإقامة الرعايا الجزائريين على التراب الفرنسي".

 

ولم تكن هذه الاتفاقية جامدة أو لم تراع تغير الظروف كما يحاول السياسيون اليمينيون في فرنسا الإيحاء بها، حيث تمت مراجعتها في 1985، ثم في 1994، وآخر مراجعة كانت في 11 يوليو/تموز 2001.

 

وتضع الاتفاقية نظاما استثنائيا للجزائريين، مقارنة بالجنسيات الأخرى الخاضعة للقانون العام، حيث تسهل دخولهم وإقامتهم وتنظيمهم و إجراءات لم شمل الأسرة في فرنسا.

 

لكن الحديث حول إعادة النظر في هذه الاتفاقية بعدد 55 عاما من توقيعها يخفي في طياته السعي لإلغائها، أو على الأقل سحب الامتيازات الاستثنائية التي يتمتع بها الجزائريون عن غيرهم من الجنسيات في التنقل والعمل والإقامة ولمّ الشمل.

 

ومن شأن إعادة النظر في هذه الاتفاقية بالشكل المتداول إعلاميا أن يكون له عواقب سلبية على عدد كبير من الجزائريين المقيمين في فرنسا، أو الذين يخططون للذهاب إلى هناك قريبا.

 

فالجزائريون المقيمون بشكل قانوني في فرنسا يمثلون 12.7 بالمئة من المهاجرين، وفق آخر دراسة للمعهد الوطني للإحصائيات والدراسات الاقتصادية الفرنسي (حكومي)، نشرت في مارس/آذار الماضي، وهو ما يعادل نحو 890 ألف نسمة.

 

ويأتي الجزائريون على رأس قائمة المهاجرين في فرنسا، لكن هذه النسبة في تراجع فالمهاجرون الذين وصلوا إلى فرنسا في عام 2020 ولدوا في الغالب في المغرب (9.5 بالمئة)، في الجزائر (7.1 بالمئة) ، وفي تونس (4.5 بالمئة).

 

ورغم كل هذه الجلبة، فإن الحكومة الفرنسية لم تستجت لضغوط اليمين واليمين المتطرف، وأشارت المتحدثة باسم الخارجية، في 8 يونيو الجاري، أن النص قد "تم تعديله بالفعل" في عدة مناسبات لتكييفه مع مصالح البلدين والسكان، بما في ذلك مراعاة ضرورة مكافحة الهجرة غير النظامية، وأن التعاون في مجال الهجرة ظل موضوعًا تطرحه الحكومتان في إطار من "الحوار المنتظم".

 

بالمقابل، يتحرك وزير الداخلية جيرالد دارمانين، في اتجاه تشديد الهجرة، من خلال تقديمه مشروع قانون في فبراير/شباط الماضي، يهدف إلى "ضبط الهجرة".

 

ما يعكس أن اتفاقية 1968 ليست سوى ورقة سياسية يستخدمها اليمينيون لرفع أسهمهم في انتخابات مازالت بعيدة، بينما لا تمثل أولوية حكومية في الوقت الراهن، إلا أنها جزء من نقاش عام حول ملف الهجرة، الذي يشغل الفرنسيين منذ سنوات، وتتصاعد حدته مع اقتراب كل موعد انتخابي، بحسب المتابعين للشان الفرنسي.

 

 

17 June 2023