الصناعة في موريتانيا واجب وطني... وليست خيارا
تعد الصناعة من أهم القطاعات الاقتصادية في العالم، فهي تلعب دورًا مهمًا في توفير الوظائف وزيادة الإنتاجية وتحسين مستويات الحياة للسكان. وعلى الرغم من أن موريتانيا تعتبر دولة ذات اقتصاد ريعي، فإن الصناعة يجب أن تشكل جزءًا مهمًا من اقتصادها.
تتمثل أهمية الصناعة في موريتانيا في تحقيق الاكتفاء الذاتي والتخلص من الاعتماد على الاستيراد، كما تساعد في تحسين القيمة المضافة للمنتجات المحلية وتوفير الفرص الوظيفية للمواطنين. ومع توفر العديد من الموارد الطبيعية في البلاد، مثل الحديد والذهب والنحاس والزراعة، يمكن تطوير قطاع الصناعة وجعله أحد أهم مصادر الدخل للدولة.
خلال مقابلتهم الأخيرة اتفق كل من الخبير الدولي السيد سيد أحمد ابوه والمدير العام لاسنيم السيد محمد السالك ولد هيين أننا في موريتانيا لا نشكل "سوقا" يمكن الاعتماد عليه للصناعات الخفيفة والصناعات التحويلية، وهو أمر شائع في الأوساط الإدارية العليا، فقد لمسته كمسلمة لدى غالبية رجال الدولة الذين التقيهم من حين لآخر، ليس لدي شك في أن من أصل لهذا الفكرة الخاطئة (حسب وجهة نظري)، هم نفسهم بعض الممولين والشركاء الاقتصادين الذين لديهم رغبة في أن نبقي نستهلك، ولا ننتج، مصالحهم تمكن في بقائنا سوقاً من الدرجة الرابعة.
كمقتنع بأن الصناعة في موريتانيا واجب وطني تُمكن من الاستقلال عن الآخرين، وتخلق قيمة مضافة وطنية، وليست خيارا يمكن الاستغناء عنه من خلال استهلاك ما يصنعه الآخرون، أود التعقيب على هذه المسلمة غير المبرهنة رياضيا، ولا اقتصاديا ولا حتى تجريبيا، في النهاية الصناعة محرك استراتيجي أساسي، فكما تصنع الصناعات الكبرة الصناعات المتوسطة كذلك تخلق الصناعات أسواقها، وليس العكس وهي محرك أساسي للاقتصاد الوطني، رغم أن الأمثلة كثيرة، سأعطي مثالين يمكن القياس عليهما ولكم الحكم.
المثال الأول: منتصف التسعينيات على ما أعتقد حينما أنشأ أحد رجال الأعمال مصنع للمعجنات هنا، وبدا بصناعة المعجنات، واقتصر التسوق في السوق المحلية، رغم أنه توجد بضاعة خارجية منافسة بنفس المواصفات وأحيانا جوده أعلى، رغم ذلك، بعد 20 سنة هناك أكثر من خمس مصانع حسب علمي مختصة في المعجنات، وهي تسوق محليا ونفس البضاعة الخارجية التي كانت تستورد لا تزال موجودة، فلا تزال سوق تستورد معجنات المغرب وإيطاليا وغيرهم بنفس المواصفات، وحسب علمي فإن المنتوج المحلي أفضل من حيث الجودة والسعر.
المثال الثاني: في الفترة نفسها تقريبا قامت سيدة أعمال مشهورة بإنشاء مصنع للألبان، وحاليا يوجد أكثر من ثماني مصانع للألبان بكامل طاقتها الإنتاجية تغطي السوق المحلية رغم وجود نفس البضاعة المستوردة من الخارج التي كنا نستوردها في تلك الفترة، بل على العكس زادت عينات وكميات الألبان المستوردة بشكل لا يتصور؛ ألبان من السعودية، من تركيا، من مصر، من المغرب، من الجزائر، من تونس، إلى آخره، رغم وجود مصانعنا المحلية.
رغم أنها لا تصدر غالبية إنتاجها لم تغلق تلك المصانع بل أنها توفر اليد العاملة لمئات المواطنين وبعضها استورد تكنولوجيا صناعية حديثة وجيدة، وطور صناعته لتشمل غالبية التخصص الذي اختاره كمستثمر (مثلا تجاوز صناعة الألبان إلى صناعة الياورت والزبادي والرائب وغيرهم من المشتقات، بالنسبة إلى المعجنات أيضا لديهم فروع لصناعة "الأعلاف" وغيرها من المشتقات الصناعية من المواد الأولية التي يستخدمونها).
الإسمنت بدء بشركة واحدة وها هم الآن أكثر من أربع شركات ولا نزال نستورد مادة الإسمنت، الصناعات الخفيفة الأمثلة فيها كثير وحتى الصناعات الثقيلة التي ذكر منها المدير العام السابق قضية إنتاجهم للحديد واستغنائهم عن الشركة الأجنبية... الأمثلة كثيرة جدا.
المصانع التي تحدث عنها الخبير سيدي أحمد، وهي مصنع السكر ومصنع الملابس وغيرها كانت في وقتها تغذي السوق المحلية أتذكر أننا في منتصف الثمانينيات كنا نستخدم سكر "الصاك" المحلي الصنع (التجميع) الذي أنتجته تلك المصانع للأسف توقفت بسب سوء الحكامة، وهو أمر مشهود، حيث ذكر أحد الإداريين الذين أداروا تلك المصانع في إحدى مقابلته مؤخرا، أنه تم بيع أحد تلك المصانع مقابل الأوقية الرمزية نظرا إلى التفاهمات بين رجال الأعمال الذين يستوردون البضاعة وبعض مقربهم من الدولة.. هذا ليس مشكلة القدرة على التسويق أو "السوق" ...هذه مشكلات التسيير وسوء الحكامة.
إذا أنشأنا هنا مصنع للطائرات أنا متأكد أن الموريتانيين سيشترون تلك الطائرات، وإذا كان هنا مصنع للسيارات تأكدوا أن الموريتانيين سيشترون تلك السيارات، وستكون السوق الموريتانية مؤهلة لشراء واستيعاب تلك السيارات أو الطائرات، فما بالك ببعض السلع الاستهلاكية بعض الصناعات التحويلية التي نستهلكها من مصانع دول أخرى نحن السوق للآخرين... شئنا أم أبينا نحن سوق للآخرين... على نحو عملي إذا لم نصنع أشياءنا سنكون نحن سوق الآخرين إذا صنعنا أشياءنا سنستهلكها ونصدر إلى دول أخرى مجاورة أو بعيدة، المهم أننا سوف نصدر (دول الجوار والدولة الأفريقية وغيرهم لدينا تجار لديهم قدرة عالية على تسويق أي منتج) هذا هو مبدأ الصناعة، وليس وجود السوق فقط هو العائق... المحتوي المحلي الذين نسوقه للشركاء في مجال الطاقة يجب أن يكون حقيقة وليس الفراغ.
على سبيل المثال يعتبر قطاع التعدين من أهم القطاعات التي يمكن أن نطور فيه صناعات محلية في موريتانيا، حيث توفر البلاد كميات كبيرة من الحديد والذهب والنحاس، وتمثل هذه الموارد نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد شهدت هذه القطاع تطورًا كبيرًا خلال العقود الأخيرة، مما أدى إلى زيادة الإنتاج فيها، كما يوجد أيضًا قطاعات أخرى يمكن أن تطور فيها صناعات مثل صناعة الإسمنت والبتروكيماويات والزراعة، والتي تشكل جزءًا مهمًا من الاقتصاد المحلي. كما أنها تساهم في تطوير المناطق النائية وتوفير فرص العمل.
العمل على تطوير قطاع الصناعة في موريتانيا يتطلب العديد من الجهود والإجراءات، من بينها وضع خطط استراتيجية واضحة ومحددة لتطوير قطاع الصناعة ، وتحديد الأهداف والخطوات اللازمة لتحقيقها، أيضا تعزيز البنية التحتية من حيث الموانئ والمطارات والكهرباء والاتصالات، إضافة إلى تعزيز التعليم والتدريب في المجالات الصناعة، وتوفير الفرص للشباب للحصول على التعليم والتدريب المناسب للعمل في الصناعة، وتوفير الدعم الحكومي، مثل تقديم الحوافز والتخفيضات الضريبية وتوفير التمويل والتأمين، هذا سيشجع الشركات والمستثمرين على الاستثمار في الصناعة، كما يجب تحسين بيئة العمل في الصناعة، من خلال تطبيق معايير السلامة والصحة المهنية وحقوق العمال، وهذا سيجعل العمال يعملون بشكل أفضل وتزيد من إنتاجيتهم، كذلك تحسين الجودة والابتكار في منتجات الصناعة المحلية، وتشجيع الشركات على تطوير منتجات جديدة وتحسينها، وهذا سيساعد على زيادة الطلب على المنتجات المحلية وزيادة التصدير.
في النهاية، الحل المثالي كما قال المدير العام يمكن عمليا في أن نجلس ونحدد أولوياتنا الصناعية، يمكن أن يحددها رجال أعمال (قطاع خاص) أكفاء لديهم القدرة المالية والقدرة الفنية وعلى الدولة موكبهم وتسهل لهم الجوانب الجمركية والضرائب، وتقدم لهم كل الضروري من أجل ضمان إنتاجهم وحمايته من المنافسة الخارجية.
كما يمكن للدولة أيضا أن تأخذ المبادرة من خلال شركات وطنية صناعية تخصصية حسب طبيعتها، وهذا موجود في الكثير من الدول العربية وحتى الدول الغربية والاسيوية (تقوم النهضة الصينية الحالية على شركات صناعية كبرى، والتي في غالبها تعود ملكيتها للدولة أو مشتركة بين الدولة والقطاع الخاص).
محمد فال ولد يحي