القاعدة الرباعية في إعداد اللوائح المترشحة لانتخاب النواب في الدوائر أكثر من ثلاثة مقاعد
في يوم 12 ابريل 2012م صدر القانون النظامي رقم 2012-034 القاضي بتعديل بعض أحكام الأمر القانوني رقم 2006 -029 الصادر بتاريخ 22 أغشت 2006 المتعلق بولوج النساء للمأموريات والوظائف الانتخابية .
وتقول المادة 4 من هذا القانون النظامي بالنص:
[باستثناء اللائحة الوطنية للنساء ، تتكون كل لائحة مترشحة بالتناوب من مترشح من كل جنس في الدوائر الانتخابية التي بها أكثر من ثلاثة مقاعد ، وذلك مع مراعاة المبدأيْن التالييْن:
- في كل مجموعة كاملة من أربعة مترشحين حسب ترتيب اللائحة ، يجب أن يكون عدد المترشحين من كل جنس متساويا ؛
- لا يمكن أن يكون الفارق بين عدد المترشحين من كل جنس أكثر من واحد.
ستحدّد في مداولة للجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات إجراءات إعداد لائحة الترشحات].
وتنفيذا لهذا القانون أصدرت لجنة تسيير اللجنة الانتخابية المداولة رقم 12 بتاريخ 6 مارس 2013م التي تحدد آليات إعداد اللوائح المترشحة للانتخابات البلدية والنيابية لملاءمتها مع الحصة المخصصة للنساء.
وفي الباب الثاني من هذه المداولة الخاصِّ بالترتيبات المطبقة على المأموريات والوظائف البرلمانية ، نصتْ هذه المداولة على ما يلي :" للنساء الحق بالنسبة للانتخابات البرلمانية في حصة دُنيا من المقاعد في اللوائح المترشحة تُحدد طبقا للبيانات التالية :
(.....)
[باستثناء اللائحة الوطنية للنساء ، تتكون كل لائحة مترشحة بالتناوب من مترشح من كل جنس في الدوائر الانتخابية التي بها أكثر من ثلاثة مقاعد ، وذلك مع مراعاة المبدأيْن التالييْن:
- في كل مجموعة كاملة من أربعة مترشحين حسب ترتيب اللائحة ، يجب أن يكون عدد المترشحين من كل جنس متساويا ؛
- لا يمكن أن يكون الفارق بين عدد المترشحين من كل جنس أكثر من واحد].
وابان الترشحات للانتخابات البرلمانية 2013 ، اختلفت الآراء حول مراد المشرّع من "مراعاة المبدأيْن " الواردة في النص ، فكتب رئيس لجنة تسيير اللجنة الانتخابية رسالة إلى الأمانة العامة للحكومة يطلب منها توضيحا في الموضوع.وأنبهُ هنا إلى أن المستشار القانوني للجنة الانتخابية آنذاك هو الخبير الدستوري البروفسور أحمد سالم بن ببوط تغمده الله برحمته الواسعة وقد لا يستبعد أن يكون هو واضع النص القانوني أصلا.
هذا وبموجب الرسالة رقم 87 الصادرة بتاريخ 24 اكتوبر 2013 ، توصلت اللجنة الانتخابية من الحكومة بالجواب صريحا يحمل توقيع المدير العام للتشريع آنذاك وهو الخبير الدستوري د. محمد ادريس حرمه بابانا، وذلك على النحو التالي :
" نصت هذه المادة على تناوب المترشحين من كل جنس في الدوائر الانتخابية التي تُمثّل بأكثر من ثلاثة مقاعد.وحينما طالبت هذه المادة بمراعاة مبدإ تساوي المترشحين من كلا الجنسيْن ضمن كل مجموعة كاملة من أربعة مترشحين حسب ترتيب اللائحة أي القاعدة الرباعية ، فهذا يعني أن المشرّع قد أراد بإضافة هذه القاعدة أن يكون المطلوب عندئذ هو المساواة العددية بين الجنسيْن داخل التقسيمات الفرعية للائحة وليس التناوب الصارم الذي كان سيتحقق في كل الأحوال دون الحاجة لوضع هذه القاعدة الرباعية التي يجب أن يكون لإقرارها في القانون معنى.
لذلك سيكون الرأي القانوني حول هذه المسألة أنه عند تطبيق القاعدة الرباعية في الدوائر الانتخابية التي تُمَثّلُ بأكثر من ثلاثة مقاعد سيكون المطلوب هو فقط مراعاة المساواة العددية بين الجنسيْن داخل كل مجموعة كاملة من أربعة مترشحين حسب ترتيب اللائحة].
و هكذا فقد اعتمدت اللجنة الانتخابية هذا الرأي القانوني واستقبلتْ لوائح من بعض الأحزاب ابان انتخاب النواب في الجمعية الوطنية 2013 تتضمن "القاعدة الرباعية" في اللائحة الوطنية ، إذ تم فيها ترتيبُ الرجال في المقعدين الأول والثاني بينما احتلّ النساء المقعديْن الثالث والرابع .
كان ذلك ابّان الانتخابات البرلمانية 2013 و لم أعد أتذكر إن كان حصل شيء من ذلك القبيل ابان الانتخابات البرلمانية العامة سنة 2018.
ويبدو أن هذا الموضوع لم يكن مثار خلاف بين الحكومة والأحزاب السياسية إذ لم يرد في جدول أعمال التشاور المنظم حول تحضير انتخابات 2023.
ويجدر التنبيه هنا إلى أن هذه "القاعدة الرباعية" التي ظلت تقتصر على اللائحة الوطنية ، فإنها بموجب الاصلاحات المترتبة عن الاتفاق السياسي الأخير أصبحت تشمل فضلا عن اللائحة الوطنية (20 مقعدا) : مقاطعة انواذيبُ (4مقاعد) و ولايات انواكشوط الثلاث (7 مقاعد في كل ولاية ) و اللائحة الوطنية للشباب ( 11 مقعدا ).ولعل زيادة عدد اللوائح المعنية بهذه القاعدة ، هو ما جعل موضوع تأويل القانون المذكور يطفو على السطح من جديد.
وبالمناسبة ، فإنني أذكر بأنه بعد الاستفتاء الدستوري 2017 الذي أُلغي بموجبه مجلس الشيوخ ، جاء القانون النظام رقم 2018 -08 الذي يلغي و يحل محلّ المادة 4 (جديدة) من القانون النظامي رقم 2012-034 الصادر بتاريخ 12 ابريل 2012 القاضي بتعديل بعض أحكام الأمر القانوني رقم 2006 -029 الصادر بتاريخ 22 أغشت 2006 المتعلق بولوج النساء للمأموريات والوظائف الانتخابية.
و قد استعاد هذا القانون حرفيا نص الأحكام القانونية المتعلقة بحصة النساء في الانتخابات البرلمانية "في الدوائر الانتخابية التي تمثل بأكثر من ثلاثة مقاعد "..وهو النص ذاته الذي يتضمن "القاعدة الرباعية ".بخذافيرها!
وقد استعاد النص الجديد كذلك في نهاية القاعدة الرباعية، العبارة السابقة التي تقول:" ستُحددُ في مداولةٍ للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات إجراءاتُ إعدادِ لائحةِ الترشحات".
وحتى كتابة هذه التدوينة لم أعثر على مداولة للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات تقضي بتطبيق قانون 2018، إذ يلحّ عليّ تأويل بأن إلغاء قانون 2018 - 008 للمادة المعنية من قانون 2012-034 يتضمن تلقائيا إلغاءً لكل ما يترتب عن تلك المادة من نصوص وخاصة المداولة رقم 12 بتاريخ 6 مارس 2013م التي تحدد آليات إعداد اللوائح المترشحة للانتخابات البلدية والنيابية لملاءمتها مع الحصة المخصصة للنساء والرأي القانونيّ المتضمن في الرسالة رقم 87 بتاريخ 24 اكتوبر 2013.
وعلى ذلك الأساس، إذا كانت اللجنة الانتخابية لم تصدر حتى الآن هذه المداولة تنفيذا لقانون 2018، فإنني أعتقد أن ذلك سيكون فُرصة سانحةً لتوضيح أكثر لموضوع "إجراءات إعداد لائحة الترشحات " المعنية وذلك على أساس رأي صريح من المجلس الدستوري.
فإن ذلك من شأنه أن يرفع اللبس ويُزيل الإشكال ، إذ للممارسة والتطبيق قوة قانونية يُحسب لها حسابها في التأويل .
و أختم فأذكر بما سبق أن قلته في برنامج تلفزيونيّ مشترك مع بعض رؤساء الأحزاب السياسية ، ومفاده أنه لو كان لي من رأي في الموضوع لاعتبرتُ "القاعدة الرباعية " وُضعت لصالح النساء دون الرجال لجملة من الاعتبارات الموضوعية.
والله وليّ التوفيق..
حرر في انواكشوط بتاريخ 1 ابريل 2023م
محمدن بن سيدي الملقب بدنَّ