مقتل القتلة.. درس القوة الواثقة
من الصعب أن تجد في أدبيات تعاطي الحكومات الوطنية مع الحوادث المشابهة شبيها لـذلك التصريح المقتضب الذي أدلى الناطق باسم الحكومة قبل أيام، حين قال: "أؤكد لكم أنهم سيعتقلون".
صدقت الأيام الوزير سريعا، وأثبتت أن كل أرض الوطن تعتبر دائرة مغلقة بفضل كفاءة وتجهيز القوات المسلحة وقوات الأمن؛ إذ لا يمكن في منطق الإمكانات المتاحة أن يغادر هؤلاء القتلة أرض الوطن دون أن يقعوا في مصيدة إحدى الدوائر الأمنية والعسكرية المتربصة.
سيعلق مستعجل على المنشور بأن القتلة اكتشفوا من طرف سائق قابلهم صدفة، وأنهم كانوا في طريقهم إلى الفرار، ولكن هذا المعلق المعترض يتجاهل، أو يجهل، بعض التفاصيل الدالة؛ فقد أرغم القتلة على الخروج من غير الإعداد الكافي لعملية فرار منظمة. وكانت الاستجابة سريعة، وفعالة، وأعطت النتيجة المرجوة.
كما أن خروجهم من الوطن لم يكن مضمونا، لو لم يقابلوا السائق؛ فما زالت الطريق أمامهم طويلة، وما زالوا يحتاجون قبل الوصول إلى مأمنهم المفترض أن يقطعوا مفاوز تغطيها فرق الاستطلاع، وتمسحها الطائرات المسيرة.
يخرج المتأمل للقصة التي دامت حوالي أسبوع بخلاصات مهمة:
- تعاملت الدولة مع الملف بثقة عالية في النفس؛ فلم تلغ أي نشاط كان مبرمجا. لم يقطع رئيس الجمهورية زيارته إلى منطقة الخليج، ولم تمنع الأنشطة الجماهيرية. لم تغلق الطرق الرئيسية، ولم يفرض حظر التجوال.
- تجنبت الحكومة والأجهزة الأمنية المكابرة وإنكار أو تخفيف الوقائع، وسمت الأشياء بمسمياتها، وكان لدى وسائل الإعلام كم من المعلومات خلال ساعات، تضمن صور الهاربين وأسماءهم وصفاتهم.
- خلال بياناتها وخرجاتها الإعلامية، كانت الأجهزة الرسمية واثقة من أن العمل الفني الذي تقوم به باحتراف، وبمتابعة من الجهات العليا سيقود إلى النهاية الناجحة بالقضاء على المجموعة الهاربة، واجتثاث داعميها. لذلك لم تتورط في المهاترات، ولم تقل غير ما تريد قوله في الوقت الذي تريد. ولم تؤخذ عليها كذبة.
- العمل الفني المحترف أدى إلى انحسار دائرة المتابعات في المتهمين، ولم يتوسع في اعتقالات تعسفية، ولم يروع الآمنون في بيوتهم، وتنغص حياة الناس بالانتشار الأمني الكثيف والاستعراضي، من غير طائل.
- كشفت الحادثة عن ثغرة في تأمين وجود أمثال هؤلاء القتلة، وكشفت أن الحرص على معاملة كل السجناء وفق مبادئ حقوق الإنسان السجين، لا بد أن تعتمد على مقاربة دقيقة، وإجراءات أدق، تأخذ في الاعتبار خطورتهم، واستسهالهم إسالة الدماء من غير أدنى تحرج.
- أظهرت الحادثة أن كل فئات الشعب الموريتاني لديها موقف صريح وواضح من الإرهاب والعنف الأعمى، وأن لا حاضنة اجتماعية للإرهاب والقتل. لم يجرؤ أحد على التعبير العلني عن تعاطف أو دعم مع القتلة، وهذا ما لم يكن يحدث في السابق. كان يجب أن يكون الصوت أعلى في النكير، وكانت الحادثة فرصة لبيان خطورة الفكر المتطرف، وفرصة لمزيد من تحصين المجتمع ضد الأفكار الهدامة، ومزيدا من تنقية الخطاب الديني من كل شوائب التطرف، وتشريع العنف.
- حدثت ثغرة، كما حدثت من قبل أكثر من مرة، وكما قد تحدث في المستقبل، لكنها كانت ثغرة محدودة، بينت أن لحظات القلق هي الاستثناء، في حياة هذا الشعب، وأنها تتقلص كل مرة إلى أقصر مدى.
- خطونا خطوة جديدة باتجاه استعادة مصداقية الدولة وأجهزتها الأمنية، وهي نتيجة طبيعية لسلوك الدولة في عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي يؤمن بأن مصداقية الدول لا تنفصل عن مصداقية قادتها، وآن مصداقية القائد هي العقد الأخلاقي بينه وبين الشعب.
- رغم الخسائر المؤلمة يمكن القول إن الوطن ربح واحدة من أقسى المعارك؛ فسيفكر كل مجرم ألف مرة قبل محاولة الفرار، ولن يجد حاضنة توفر له مأمنا يؤويه. وستكتشف تنظيمات الإرهاب العابر للحدود أن هذا البلد حرم آمن، محمية أرضه، محصن أهله.
رحم الله الشهداء، وألهم ذويهم الصبر والسلوان، ولا نامت أعين الجبناء
محمد عبد الله ولد لحبيب