دفاع المتهم السيد محمد ولد عبد العزيز: التمسك بالوهم.. والتعلق بالسراب

دأب دفاع المتهم الرئيسي السيد محمد عبد العزيز في الملف رقم 001/2021 (فساد) منذ بدء إجراءات متابعته قضائيا و مرورا بالتحقيق معه و انتهاء عند محاكمته  بإثارة دفوع إجرائية متذبذبة في الطرح ومضطربة ومتخاذلة، هدفها هو الحيلولة دون مساءلته عن الأفعال الإجرامية المنسوبة إليه  المتمثلة في: تبديد ممتلكات الدولة العقارية و النقدية و الحصول على مزايا مادية غير مستحقة من مجموعة عمومية والتدخل في  أعمال تجارية تنافي الوظيفة عن طريق أخذ وتلقي فوائد من عقود ومزادات و منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية، و استغلال النفوذ و إساءة استغلال الوظيفة و الإثراء غير المشروع وإخفاء العائدات الإجرامية و إعاقة سير العدالة و غسيل  الأموال ، و هي الأفعال المعاقب على ارتكابها بالمواد 164 و 165 و 169 و379 من قانون العقوبات و المواد 6 و10 و13 و 14 و 16 و17 و18 من قانون مكافحة الفساد و المواد 2 و36 و 37 و 38 من قانون غسيل الأموال .

 

و هي الأفعال التي تمت إحالته عليها أمام المحكمة المختصة بالجرائم المتعلقة بالفساد بموجب أمر الإحالة رقم 076/22 الصادر عن قطب التحقيق الخاص بمكافحة الفساد بتاريخ 01/06/2022  المبلغ إليه بحضور دفاعه، و المؤكد من طرف غرفة الاتهام بمحكمة استئناف نواكشوط بموجب قرارها رقم 862/22 الصادر بتاريخ 13/09/2022، والمؤكد من طرف الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا بموجب القرار رقم 628/22 الصادر بتاريخ 13/12/2022.

 

و فور مثول المتهم الرئيسي محمد و لد عبد العزيز و المتابعين معه أمام المحكمة المختصة بالجرائم المتعلقة بالفساد ، باشر دفاعه تقديم  دفوع واهية للحيلولة  دون استنطاقه تمثلت في :

  1.  الدفع بعدم شرعية اعتقاله للمثول أمام المحكمة بناء على المادة 256 من ق ا ج، ملوحين بأن أمر الإيداع كان عليه أن يصدر في نظرهم وقت الاستجواب التحضيري ، و هو الزعم الواهي و المردود بصريح المادة 153 من ق ا ج التي تنص على أن  المتهم المحال إلى المحكمة الجنائية يوقف قبل بدء الدورة بمقتضى أمر إيداع أو قبض صادر عن رئيس المحكمة  الجنائية ، و كذلك المادة 147 من نفس القانون التي تنص على أن لرئيس المحكمة المختصة إصدار أمر باعتقال المتهم إذا طرأت ظروف جديدة تجعل من الضروري اعتقاله- والتي من آكدها انعقاد الدورة الجنائية لمحاكمته - هذا ناهيك عن ترتيبات المادة 287 من نفس القانون  التي تنص على أن المتهم يقتاد بواسطة القوة العامة في اليوم المعين لمثوله في الجلسة، و بدهي أن الاقتياد لا يكون إلا بناء على أمر بالإيداع أو القبض  وليس عن طريق الاستدعاء، لأن المقتاد لا يمثل أمام القاضي إلا مستخرجا من  السجن و مقتادا منه بواسطة القوة العامة.
     

 و بالتالي يكون الدفع بعد شرعية اعتقال  المتهم محمد و لد عبد العزيز  و المتابعين معه واهيا و غير مؤسس ، و هو ما جعل المحكمة تصرف النظر عنه و يسعى مقدموه لاحقا إلى طلب حرية مؤقتة رفضته المحكمة أيضا لعدم قيام مبرراته.

 

  1. الدفع بعدم قانونية انتصاب الدولة الموريتانية كطرف مدني في المسطرة

لقد نسى أو تناسى مقدموا هذا الدفع أن الدولة شخص اعتباري بمفهوم المادة 18 من ق ا ع و بالتالي تتمتع بجميع الحقوق من أهلية و ذمة مالية و موطن و صفة تخولها حق التقاضي و القيام بالحق المدني في هذه المسطرة للضرر المباشر الذي أصابها و المترتب على الجرائم التي يتابع بها المتهم محمد و لد عبد العزيز والمشمولين معه في هذا الملف الذين عمدوا  باستغلال وظائفهم و نفوذهم إلى تبديد و نهب الذمة المالية للدولة للحصول على مزايا غير مستحقة و الإثراء غير  المشروع .

 

كما  تغافلوا أيضا عن كون الدولة قد تقدمت أمام  قطب التحقيق الخاص بمكافحة الفساد بقيامها بالحق المدني وتضمن أمر الإحالة رقم 076/22 الصادر عن هذا القطب بتاريخ 01/06/2022 طلباتها الواصلة إليه بتاريخ 30 مايو 2022 و التي  تقدر فيها بصفة أولية و مؤقتة حجم  الأضرار الكارثية  التي لحقت بها جراء الأفعال المنسوبة للمتهمين .

 

ورغم كل ذلك  تعامى أيضا مثيروا هذا الدفع عن صريح المادة 316 من ق ا ج التي تنص على تطبيق مقتضيات المواد 378  و381 إلى 384 من نفس القانون أمام المحكمة الجنائية ( المحكمة المختصة بالجرائم المتعلقة بالفساد ) و هي المواد التي تعطي لكل شخص الحق بالقيام بالحق المدني أمام المحكمة إذا لم يكن قد قام به أمام قاضي التحقيق .

 

و من هذا المنطلق تأكد تهافت هذا الدفع و صرفت المحكمة النظر عنه لعدم وجاهته واقعا و قانونا .

  1. الدفع بعدم اختصاص المحكمة على أساس المادة 93 من الدستور

لقد كان هذا الدفع مرتعا خصبا لتخاذل و تناقض ما أثاره دفع المتهم محمد و لد عبد العزيز، و من لاكه معه، ممتطيا المادة 93 من الدستور، فتارة يدفعون بعدم قبول المتابعة و تارة يدفعون بعدم اختصاص المحكمة و في آن واحد – أيضا- برفض قرار الإحالة لإخلاله - في نظرهم - للقواعد الآمرة للتنظيم القضائي .
 

لكن، المتصفح الأمين لمضمون المادة93  من الدستور سيدرك بكل تأكيد أن جميع التهم المنسوبة إلى المتهم الرئيسي محمد و لد عبد العزيز لا تندرج في نطاق ممارسته  لوظائفه  الدستورية أثناء ممارسته لها بصفته رئيسا للجمهورية .
 

و هنا، يجدر التذكير بهذه التهم ( تبديد ممتلكات الدولة العقارية و النقدية ، الحصول على مزايا مادية غير مستحقة من مجموعة عمومية، التدخل في أعمال تجارية تنافي الصفة الوظيفية عن طريق أخذ و تلقي فوائد من عقود ومزادات، منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية، استغلال النفوذ و إساءة استغلال الوظيفة ، الإثراء غير المشروع ، إخفاء العائدات الإجرامية ، إعاقة سير  العدالة ، غسل الأموال ) .
 

و هل هي في سياق متصل مع اختصاصات رئيس الجمهورية ووظائفه المسندة له دستوريا المتجسدة في حماية الدستور وتجسيد الدولة و ضمان السير المضطرد و المنظم للسلطات العمومية و ضمان الاستقلال الوطني وحوزة الأراضي و تحديد السياسة الخارجية للأمة و سياستها الدفاعية و الأمنية و السهر على تطبيقها وإصدار القوانين  في  الآجال  و اعتماد السفراء والمبعوثين فوق العادة إلى الدول الأجنبية منه و لديه ...إلخ.
 

لا شك أن خروج رئيس الجمهورية في فترة ولايته عن نطاق هذه الوظائف و نزوله إلى درك ممارسة أفعال أخرى لأغراض شخصية على حساب الدولة و استغلال وظيفته لذلك، يندرج في نطاق الفساد المحدد في المادة الأولى من قانون مكافحة الفساد  التوجيهي رقم 040/15 الصادر بتاريخ 23/12/2015 و التي تسائل كل شخص يشغل منصبا انتخابيا أو تنفيذيا  بصرف النظر عن مستواه الهرمي .
 

 و بالرجوع إلى التهم الموجهة إلى السيد محمد و لد عبد العزيز المذكورة أعلاه  يتضح بشكل لا مراء فيه أنها أفعال معاقبة جنائيا بمقتضى القانون الجنائي و القانون المتعلق بمكافحة الفساد و قانون غسل الأموال وأنها لا يتأتى مطلقا أن تكون متسقة مع اختصاصه ووظائفه الدستورية أثناء توليه  لمنصبه الانتخابي  والتنفيذي كرئيس للجمهورية.
 

و بالتالي، تكون المحكمة المختصة في الجرائم المتعلقة بالفساد هي صاحبة الاختصاص الحصري في محاكمته على هذه الأفعال طبقا للاختصاص المسند لها قانونا بموجب  المادة 33 من قانون مكافحة الفساد ، و لأن الظرف الزمني الذي كان يحول دون ذلك قد انقضى بانتهاء مأموريته كرئيس للجمهورية و أصبح مواطنا عاديا يساءل مدنيا و جزائيا عن الأفعال المرتكبة من طرفه، و لا مجال عندئذ للقول باختصاص محكمة العدل السامية لمحاكمته  لخروج هذه الأفعال عن نطاق اختصاصها .
 

هذا ناهيك عن أن المحكمة المختصة في الجرائم المتعلقة بالفساد التي يمثل أمامها السيد محمد و لد عبد العزيز و المشمولين معه قد تعهدت بواسطة أمر بالإحالة أكدته غرفة الاتهام بمحكمة الاستئناف والغرفة الجزائية بالمحكمة العليا .
 

 و قد نصت المادة 211  من ق ا ج على أنه إذا أكدت غرفة الاتهام أمر الإحالة الصادر من قاضي التحقيق، فإنه لا يجوز نهائيا إثارة عدم صحة الإجراءات  السابقة و لا التمسك بعدم اختصاص المحكمة  المحال إليها .

 

كما نصت المادة 548  من نفس القانون على أن الاختصاص في الماد الجنائية يتحدد نهائيا للمحكمة الجنائية (المحكمة  المختصة في الجرائم المتعلقة بالفساد)  و لا تثار عيوب الإجراءات السابقة بعد ما يصبح أمر الإحالة الصادر عن قاضي التحقيق نهائيا .

 

و معلوم من الأبجديات الحقوقية أنه من غير المعقول منطقا وواقعا و قانونا  أن تحيل المحكمة العليا  فيما تجهل الاختصاص فيه، خصوصا و أن المشرع الإجرائي  أتاح لها إثارة عدم الاختصاص تلقائيا بمجرد تعهدها بالطعن بالنقض،

 

و بالتالي،  يكون التذبذب في طرح  دفاع المتهم محمد و لد عبد العزيز لعدم اختصاص المحكمة المحال عليها وتسميته أحيانا بالامتياز القضائي  و أخرى بعدم الصلاحية و عدم القبول مرده  المحاولة اليائسة للالتفاف على صريح النصوص القانونية وبترها و تأويلها تأويلا تعسفيا  وخارج سياقها  للتمسك بوهم لم يغب عن المحكمة عندما قررت تأجيل البت في هذا الدفع المتهافت و ما يتصل  به إلى  الحكم في الأصل .

 

  1. الدفع بعدم دستورية المادتين 16 و 47 من قانون مكافحة الفساد و المادة 278 من ق ا ج .

إمعانا  في تعلق دفاع  المتهم  محمد و لد عبد العزيز بالسراب، عمد، إلهاء للرأي العام و تأجيلا لنظر المحكمة لموضوع التهم - والذي لا شك في غير صالحهم-  إلى هذا الدفع ، الذي تشي غاياته و مراميه بعدم وجود مصلحة مشروعة في تقديمه لممارسته خارج قواعد حسن النية و لكونه لم يقدم أمام المجلس الدستوري حتى الآن .

 

إن أي متمعن لهذا الدفع سيصل إلى نتيجة حتمية و هي أن النصوص القانونية مناط هذا الدفع لا تنتهك حقوقا و/ أو حريات يضمنها الدستور، فعند قراءة المادة 16 من قانون مكافحة الفساد التي تعاقب من لا يمكنه تبرير الزيادة التي طرأت في ذمته المالية مقارنة بمداخيله المشروعة، في ضوء قانون الشفافية الذي يلزم متقلدي الوظائف السامية بالتصريح بممتلكاتهم و الذي يخول  للسلطة القضائية الاطلاع على هذه  التصريحات ، و في ضوء النصوص  القانونية المتضمنة لمكافحة الفساد و تجريم غسل الأموال و تلك التي تبيح للسلطات القضائية الولوج إلى البيانات المتعلقة بالمستفيد الحقيقي و التقييدات التي يلزم بها القانون كل شخص طبيعي يمتلك أو يراقب بشكل نهائي مباشر أو غير مباشر ذاتا معنوية أو كيانا قانونيا، سيتضح حينئذ أن قرينة الثراء غير المشروع التي كرستها المادة 16 من قانون مكافحة الفساد، هي مجرد قرينة واقعية ترمي على استخراج واقعة مجهولة "و هي الثراء غير المشروع" من أخرى معلومة وهي "الممتلكات المصرح بها" ، و بالتالي، ليست قرينة نهائية  قطعية وتنسجم تماما مع قرينة البراءة ولاتنال منها مطلقا ، كما تنسجم أيضا مع محاربة إخفاء الأموال  و عدم الكشف عن  مصادرها التي تنادت الأمم على تجريمه دوليا، و تنسجم أيضا مع مبادئ و مقاصد الشرع الإسلامي  "من أين لك هذا".

 

و في سياق متصل ، فإن ما أثير بخصوص المادة 47 من قانون مكافحة الفساد عند تمعنه من خبير سيجد أنه يتضمن دفعا مبطنا برد قضاة المحكمة و ذلك لأن الدفع بعدم حياد القاضي ووجود مصلحة له في النزاع سبب من أسباب الرد يجب على المتهم أن يقدمه إلى رئيس المحكمة العليا و إلا كان باطلا ، قبل أيضا الترافع أمام المحكمة طبقا لترتيبات المادتين 603 و 604 من ق ا ج.

 

ولإدراك المغري من هذه المناورة الإجرائية التي قام بها دفاع المتهم محمد و لد عبد العزيز بالطعن بعدم دستورية المادة 47 من قانون مكافحة الفساد لاحتمال و جود شبهة لديهم في عدم حياد قضاة المحكمة و عدم سلوكهم لمسطرة الرد أمام المحكمة العليا، هو أن طلب الرد ميؤوس منه لأنهم قبلوا الترافع أمام محكمة مكافحة الفساد  و لأن هذا الدفع  أيضا لا يتيح التأجيل التلقائي لنظر المحكمة للتهم المنسوبة لموكلهم، عكس ما عليه الحال في الدفع بعدم الدستورية.

 

لكن الذي  غاب عن دفاع المتهم أو تصامم عنه أن  استرداد الأصول يعتبر أمر أساسيا في مكافحة الجريمة المنظمة و الفساد بغية تجريد المجرمين من أرباحهم غير المشروعة و ضمان عدم الاستفادة من الجريمة بتعزيز النطاق القانوني لحجز و مصادرة الأصول الجنائية الذي أصبح  ضرورة دولية لا مناص منها و ليس خيارا .

 

و بالتالي، يتضح أن صياغة المادة 47 من قانون مكافحة الفساد تتسم بخاصية العمومية و التجريد ولاتشكل ضغطا على القاضي يمس من نزاهة حكمه، و الأفضلية التي تضمنتها  لا تخالف المقاصد الدستورية و لا تتخطى حدودها، أما بخصوص المادة 278 من ق ا ج  فإن إثارة عدم دستوريتها هو غاية العبثية لأن علنية الجلسة مكفولة بعقدها في قاعة عامة بحضور المتهمين ودفاعهم وجمهور عريض من المهتمين و الصحافة و ذوي المتهمين والولوج إلى هذه القاعة متاح لكل من يرغب في ذلك وفقا لطاقتها الاستيعابية، ومكبرات الصوت تسمع من خارج القاعة ، وأطراف الخصومة يعقدون مؤتمراتهم الصحفية بسلاسة ويعلقون على مجريات المحاكمة من حين لآخر.

 

وعليه، فإن تقدير ضرورة التصوير و البث المباشر لجلسات المحكمة ضرورة تقدر بقدرها مواكبة للتطور التكنولوجي تماما كالتقاضي  الألكتروني و المحاكمة عن بعد  وما يتطلبه ذلك من المواءمة مع قيم المجتمع والتكريس الفعلي للأمن القانوني.

 

و في المحصلة، يتضح أن دفاع المتهم محمد و لد عبد العزيز يسعى بعشوئية إلى إغراق جميع مراكبه تماما كمن يطارد خيط دخان.

 

الأستاذ/ عبد الله اڴاه

 

 

3 March 2023