الخصائص المشتركة للمحاكم الجنائية
لقد نص المشرع الموريتاني من خلال الأمر القانوني رقم: 12/2007 الصادر بتاريخ: 8 فبراير 2007 المتضمن للتنظيم القضائي في المادة 50 على إنشاء محكمة جنائية في عاصمة كل ولاية تبت ابتدائيا في القضايا التي يسندها القانون إليها، وهذه المحاكم هي المحاكم الجنائية العادية، والتي تعرضت الفقرة الثانية من نفس المادة إلى تشكيلتها التي تشمل رئيسا ومستشارين قاضيين ومحلفين يتم اختيارهما طبقا لترتيبات قانون الإجراءات الجزائية.
ويمسك قلم كتابة الضبط حسب المادة 51 من نفس القانون كاتب ضبط رئيسي أو كاتب ضبط يساعدهما كتاب عدل ونيابة.
وتمثل النيابة العامة حسب المادة 52 من نفس القانون من طرف وكيل الجمهورية لدى محكمة الولاية أو أحد نوابه.
وتكون المحكمة الجنائية في تشكيلة خاصة عندما تتعرض لقضايا الأحداث وذلك طبقا لترتيبات التشريع الخاص بالحماية الجنائية للطفل.
هذا فيما يخص المحاكم الجنائية العادية التي تتوزع على الخارطة الترابية بحيث تختص كل محكمة ترابيا على عموم الولاية الموجودة فيها والتي لها اختصاص نوعي واسع النطاق مقارنة بمحاكم جنائية سنتطرق لها خلال هذ العرض المقتضب.
وقد أنشأت المادة: 33 من قانون مكافحة الفساد رقم: 14/2016 الصادر بتاريخ: 15 إبريل 2016 المحكمة الجنائية المختصة في الجرائم المتعلقة بالفساد في الدائرة الترابية لمجال اختصاص محكمة استئناف نواكشوط تختص وتتعهد بموجب أمر أو قرار الإحالة وحسب ترتيبات قانون الإجراءات الجزائية بجميع الجرائم المنصوص عليها في قانون الفساد، ويمتد اختصاص هذه المحكمة على جميع التراب الوطني، ليأتي المرسوم رقم: 19/2017 الصادر بتاريخ: 17 فبراير 2017 ليحدد بشكل قاطع مقر هذه المحكمة والمرافق المرتبطة بها والتي لا يمكن فصلها عنهاـ في إشارة إلى قطب النيابة الخاص بمكافحة الفساد، وقطب التحقيق الخاص بالتحقيق في الجرائم المتعلقة بالفساد، في دائرة محكمة الولاية بنواكشوط الغربية.
وتتكون هذه المحكمة حسب المادة: 3 من المرسوم السابق الذكر من رئيس ومستشارين (2) يعينون طبقا لأحكام النظام الأساسي للقضاء.
هذ بالإضافة إلى ثلاث محاكم جنائية مختصة نوعيا في جرائم الاسترقاق والممارسات الاستعبادية وتقاسمت اختصاص عموم التراب الوطني لتكون إحداها بنواكشوط الجنوبية تختص ترابيا بولايات الجنوب والثانية بولاية الحوض الشرقي يمتد اختصاصها الترابي على جميع ولايات شرق البلاد والأخرى بولاية داخلت نواذيبو ليشمل اختصاصها الترابي ولايات الشمال.
وقد أنشئت هذه المحاكم بموجب المادة رقم: 20 من القانون رقم: 31/2015 الصادر بتاريخ: 10 سبتمبر 2015 المجرم للعبودية ويعاقب الممارسات الاستعبادية.
وقد جاء المرسوم رقم: 02/2016 الصادر بتاريخ 01 يناير 2016 ليحدد مقر ودائرة الاختصاص الترابي للمحاكم الجنائية المتخصصة في مجال محاربة العبودية.
إذا نحن من حيث النوع أمام ثلاث محاكم جنائية:
- محاكم جنائية عادية واسعة الاختصاص النوعي،
- محكمة جنائية مختصة بالجرائم المتعلقة بالفساد،
- محاكم جنائية مختصة بجرائم الاسترقاق.
ومن المعروف أن الاختصاص الترابي للنوع الأول من هذه المحاكم لا يتعدى الاختصاص الترابي لمحكمة الولاية، والنوع الثاني من هذه المحاكم يمتد اختصاصه على جميع التراب الوطني، والنوع الثالث يقارب اختصاصه الترابي اختصاص محاكم الاستئناف بحيث يشمل عدة ولايات من ولايات الوطن.
مميزات في التشكيلة
لا يخفى إجرائيا أن بعض هذه المحاكم يختلف من حيث التشكيلة فمثلا محكمة مكافحة الفساد لا تضم في تشكيلتها محلفين بينما المحاكم الجنائية العادية تضم إلى جانب رئيس المحكمة والمستشارين محلفين 2 يتم اختيارهما طبقا لترتيبات قانون الإجراءات الجزائية.
وهنا تظهر أهم خصائص المحاكم الجنائية وهي تنوع تشكيلتها.
ومن هنا ننطلق من منطلق بالغ الأهمية إذ يجسد عماد الحرية والقانون وهو إسهام الشعب في إقامة العدالة وهذ يعد ضامنا لهيبة الدولة واستقرار شعبها وثقة الشعب في الأحكام الصادرة عن القضاء.
وبناء عليه تعد المحاكم الجنائية العادية ذات طابع شعبي تنفرد بطابعها عن باقي المحاكم الجزائية العادية لأنها تتشكل من نوعين من القضاة قضاة مهنيون إضافة إلى مواطنين عاديين تتوافر فيهم شروط معينة خولتهم أن يكونوا محلفين ضمن تشكيلة المحكمة.
ويمكن أن نلخص الخصائص المشتركة للمحاكم الجنائية فيما يلي:
1. نظام الدورات الجنائية:
خصص المشرع الموريتاني ضمن القانون رقم: 36/2007 المكمل والمعدل بالقانون رقم: 35/2010 والقانون رقم: 32/2020 والمتضمن للإجراءات الجنائية المواد من 222 إلى 339 لترتيبات خاصة بالمحكمة الجنائية.
وقد تعرضت هذه المواد بالتفصيل لجميع الإجراءات الخاصة من التعهد وحتى صدور الحكم في جلسة علنية وجمع أصول الأحكام.
ومن هذه الإجراءات والتي تسري على جميع المحاكم الجنائية بجميع أنواعها، وهذه الإجراءات يجب أن تكون عادلة وحضورية وتحفظ توازن حقوق الأطراف كما نصت على ذلك المادة التمهيدية لقانون الإجراءات الجزائية.
وتتعهد المحاكم الجنائية بواسطة أمر أو قرار بالإحالة صادر عن قاضي التحقيق أو بواسطة طلب من وكيل الجمهورية في حالة التلبس بالجناية.
وتنعقد الدورة الجنائية مرة كل ثلاثة أشهر على الأقل حسب المادة: 225 من قانون الإجراءات الجزائية، وفي حالة التلبس بالجناية يجب أن تنعقد الدورة الجنائية خلال شهر ما لم يأمر رئيس المحكمة الجنائية بإجراء تحقيق إضافي في القضية، وبطبيعة الحال فإن المحاكم الجنائية ونتيجة لنظام الدورات الذي يتطلب إجراءات وآجال خاصة، فإن المحاكم الجنائية تجد صعوبة في تكييف الجلسات مع آجال الحبس الاحتياطي المحدد في حالات التلبس الذي لا تتعدى صلاحية بطاقته الموقعة من طرف وكيل الجمهورية شهرا واحدا مما جعل المحاكم الجنائية بين أمرين: وهما أن تقارب دوراتها الجنائية كي تستوعب كل ملفات التلبس المحالة أو أن تلجأ إلى التحقيق التكميلي وإن لم يحدث أي من الأمرين استوجب إطلاق سراح المتهم بقوة القانون.
ومن خصائص هذه المحاكم أنه لا يمكن لأي قاض أن يجلس بصفته رئيسا أو مساعدا في قضية مقدمة للمحكمة الجنائية إذا كان قد قام فيها بإجراء متابعة أو تحقيق أو شارك في حكم أو قرار صادر من محكمة ما يتعلق بتلك القضية.
وهذ بطبيعة الحال مخالف لما عليه الحال في قضايا الجنح والمخالفات ومن أهم خصائص ومميزات المحاكم الجنائية حسب ترتيبات القوانين الإجرائية.
2. الاستجواب الإجباري أو التحضيري:
من أهم الإجراءات التي تقوم بها المحكمة الجنائية قبل افتتاح الدورة الجنائية هو إجراء الاستجواب التحضيري هذ الاستجواب الذي يؤسس لمحاكمة عادلة وتحتاط من خلاله المحكمة لبعض المسائل الأساسية منها:
- إبلاغ المتهم بإحالة ملفه إلى المحكمة، واستجوابه من طرف وكيل الجمهورية، واختياره لمحام، ـلوجوب المؤازرة أمام المحاكم الجنائية،
- وإبلاغه بموعد الجلسة وبأسماء المحلفين ويجب أن يكون هذ الاستجواب قبل افتتاح الدورة الجنائية بثمانية أيام على الأقل وتنحصر هذه المدة إذا كان المتهم قد أحيل إلى المحكمة من طرف وكيل الجمهورية في حالة تلبس لتصبح المدة ثلاثة أيام فقط قبل الجلسة الافتتاحية.
- ويستدعى المتهم الموجود في حالة إفراج مؤقت كما يستدعى المتهم الذي يوجد في حالة فرار، وإذا لم يستجب المتهم للاستدعاء حرر ضده أمر بالقبض وحينها تسقط إجبارية الاستجواب التحضيري وإذا لم ينفذ أمر القبض قبل التاريخ المحدد للحكم يكون الحكم غيابيا في حق المتهم ولرئيس المحكمة أن يحرر أمر إيداع للمتهم الموجود في حالة سراح ويودعه السجن كما يمكن له أن يقرر أن بطاقة الإيداع لا تكون نافذة إلا عشية افتتاح الدورة الجنائية.
وهنا نقف قليلا لنؤكد أنه حسب قانون الإجراءات الجزائية فإن المتهم الموجود في حالة إفراج مؤقت أو سراح أو فرار والمحال إلى المحكمة الجنائية معرض للاعتقال في أي وقت، لأن المحكمة الجنائية بطبيعتها لا يمكن أن يمثل المتهمون أمامها إلا بواسطة القوة العامة ولأن المادة: 153 من قانون الإجراءات الجزائية صريحة جدا بخصوص إيقاف المتهم المحال إلى المحكمة الجنائية قبل بدء الدورة الجنائية، ولم تقف عند ذلك فحسب بل عددت وسائل التوقيف لتشمل مع الإيداع أوامر القبض كما عددت مصطلح - المحكمة الجنائية - في نفس المادة فجاء في المرة الأولى صريحا (يوقف المتهم المحال إلى المحكمة الجنائية...) ومرة نسبة إلى رئيسها (صادر من رئيس المحكمة الجنائية) وهذ يرد على فرضية أن الحديث هنا خارج عن سياق الإجراءات التحضيرية للدورة الجنائية بتقدير ورود المادة في غير محلها وفي سياق يفترض أنه خاص بقاضي التحقيق وأن المعتبر هو ما ذهبت إليه المادة: 256 من قانون الإجراءات الجزائية التي منحت الحق لرئيس المحكمة أو القاضي الذي ينوبه في الاستجواب التحضيري أن يحرر بعد استجواب المتهم الموجود في حالة إفراج مؤقت بطاقة إيداع ويبلغها له ويمكنه آنذاك أن يقرر أن بطاقة الإيداع لا تكون نافذة إلا عشية افتتاح الدورة ويترك المتهم في حالة حرية إلى هذ التاريخ بناء على تعهد منه.
ومن الواضح هنا أن هذه المادة جاءت لتتيح للمحكمة إبقاء المتهم في حالة حرية وجيزة قبل عشية الدورة الجنائية لا لتلغي ترتيبات تحضيرية أخرى تقتضي الاعتقال في أي وقت بعد الإحالة وقبل الدورة الجنائية حسب المادة: 153 ق اج وترتيبات أخرى ذهبت إليها المادة: 147 من ق ا ج تقتضي الاعتقال مثل (ظروف جديدة طارئة أو خطيرة) ومن المعروف أن (أو) تقتضي الفصل وليس العطف ومن هنا نؤكد أن أي متهم بجناية يمكن أن يعتقل في أي وقت تحضيرا للدورة الجنائية ويكون اعتقاله شرعيا.
ومما لا شك فيه أن المادة: 153 من قانون الإجراءات الجزائية صريحة جدا وواضحة الدلالة والمعنى.
ومما درجت عليه المحاكم الجنائية توقيع بطاقة الإيداع مباشرة بعد الاستجواب التحضيري ويمكن أن يعلق تنفيذها حتى عشية الدورة الجنائية حسب المادة: 256 من قانون الإجراءات الجزائية الموريتاني.
3. مبدأ علنية الجلسات والإجراءات الاستثنائية:
وتكون المرافعات علنية حسب المادة: 276 ق ا ج ما لم يكن في علانيتها خطر على النظام العام والأخلاق وللرئيس عندئذ أن يأمر بأن تكون في جلسة مغلقة.
كما له أن يمنع القاصرين أو بعضهم من دخول قاعة الجلسة.
إن مبدأ علنية الجلسات مشروع لقصد ضمان المحاكمة العادلة وهي مصلحة معتبرة ويمكن أن يتعارض مع هذه المصلحة مصلحة أعلى منها، فيؤخذ بالمصلحة الأعلى ولذا اقتضت المصلحة الشرعية الاستغناء عن هذه القاعدة في بعض الحالات الاستثنائية والمحددة بدقة، وبما أن علانية المحاكمة ضمان دستوري فلا يستبعد إلا لحماية قيمة دستورية أخرى وهي قد تكون الحق في حماية خصوصيات الآخرين أو حماية النظام العام والآداب، ومن هنا يمكن أن ترد على هذه القاعدة استثناءات وهي اختيار سرية الجلسات.
ولكن يجب دائما وفي كل الأحوال أن يصدر الحكم في الأصل في جلسة علنية.
4. الحرص على حضور المتهم (مبدأ الحضورية):
يحضر المتهم أمام هيئة المحكمة بلا قيود ولا أغلال ولا يجوز إبعاده عن الجلسة أثناء نظر الدعوى إلا إذا وقع منه تشويش يستدعي ذلك، وفي هذه الحالة تستمر الإجراءات وعلى المحكمة أن تطلعه على ما تم في غيبته من إجراءات.
في افتتاح الجلسات الجنائية وحسب المادة: 286 من ق ا ج (يحكم في كل الأحداث العارضة التي يمكن أن تكون محل نزاع من طرف المحكمة الجنائية بعد الاستماع إلى النيابة العامة والأطراف ومحاميهم ولا يجوز أن تمس القرارات الخاصة بهذه الأحداث بالأصل ولا يمكن الطعن فيها بالاستئناف إلا مع الحكم الصادر في الأصل).
ومن هنا يتأكد أن للطرف المدني إبداء رأيه في كل المسائل العارضة، ويسأل المتهم عن هويته ومهنته ومحل إقامته وتتلى عليه التهم الموجهة إليه.
وقد نصت المادة: 317 من قانون الإجراءات الجزائية أنه (عندما ينتهي التحقيق في الجلسة يستمع لأقوال الطرف المدني ومحاميه وتبدي النيابة طلباتها ويقدم المتهم ومحاميه دفاعهم.
يسمح للطرف المدني والنيابة العامة بالرد عليه ولكن المتهم ومحاميه يكونان دائما آخر من يتكلم).
5. طبيعة المداولات في القضايا الجنائية:
بعد أن يقرر رئيس المحكمة الجنائية ختم المرافعات يخرج المتهم من قاعة الجلسة ويأمر القوة العامة بحراسة جميع أبواب غرفة المداولات التي لا يجوز لرئيس المحكمة والمستشارين والمحلفين أن يخرجوا منها إلا بعد أن يتخذوا قرارهم حسب ترتيبات المواد: 318، 319، 320 من قانون الإجراءات الجزائية.
يتداول أعضاء المحكمة الجنائية حول المسؤولية الجنائية للمتهم ويتعرضون للواقعة الرئيسية أولا، وفي ظروف التشديد وفي التكييف الاحتياطي وفي كل عذر من الأعذار الشرعية وفي النهاية حول منح ظروف التخفيف كما تفصل المحكمة في العقوبات التبعية والتكميلية.
ويصدر حكم المحكمة الجنائية في جلسة علنية وتكون مقتضياته مسببة.
بتاريخ: 04 فبراير 2023
ذ. محمد عالي محمدن (عدود)