في ذكرى الاستقلال
مع كل ذكرى لجلاء (المستعمر)، وطرد الغزاة..
مع كل ذكرى لاندحار الاحتلال، وإعلان الاستقلال..
مع كل تجدد لهذه الذكرى، وكل عودة لهذه المناسبة، علينا أن نتذكر:
1. جيل الاستقلال الحقيقي
إن الفضل فيما تحقق من هزيمة لمشروع الاحتلال والعدوان، واستقلال للبلاد والأوطان، يرجع بعد الله تعالى إلى جيل المجاهدين الأبرار، والعلماء الأخيار، والوطنيين الأحرار، الذين جمعوا بين جهاد اللسان، وجهاد السنان.. بين المقاومة العسكرية، والمغالبة الثقافية، والمناضلة السياسية، والمقاطعة الاقتصادية... الخ.
لقد كان جيلا فريدا، في قوة إيمانه، وصحة يقينه، وصدق توكله، ووضوح ولائه، وبرائه، لم تفت في عضده قلة أفراد أو عَدد، ولا ضعف إمكانيات وعُدد..
وفي مثل هذه المناسبة، يجب أن نتذكر هؤلاء العظماء الكبار، والجِلة الأخيار، بكل اعتزاز، وافتخار، ونُذكّر بتضحياتهم الجسيمة، ومواقفهم العظيمة، نصرة للدين، وذودا عن العقيدة، ودفاعا عن الحرمات، ونسأل الله تعالى لنا ولهم الرحمة والمغفرة، وأن يلحقنا وإياهم بالنبيين، والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
2. مفهوم (الاستعمار) و(الاستقلال)
من أكثر المصطلحات السياسية تضليلا وخداعا، مصطلحا (الاستعمار) و(الاستقلال) .
الاستعمار في اللغة من الإعمار، والإعمار يكون بالتنمية، والبناء في مختلف المجالات، وشتى الميادين.
ولكن (الاستعمار) في الواقع كان على النقيض من كل ذلك، فهو تدمير للمستعمرات، ونهب للخيرات، وسرقة للمقدرات، وإفساد في البلاد، وإذلال للعباد.
والاستقلال في دلالته يعني أول ما يعني السيادة الكاملة للأمة في المجالات المختلفة، وفي مقدمتها بالنسبة للمسلمين سيادة الشريعة الإسلامية وأحكامها، وما ينبني عليها، وينطلق منها من السيادة السياسية، والثقافية، والاقتصادية...الخ.
ولكن (الاستقلال) في أكثر (المستعمرات) (المستقلة) لم يعنِ في الغالب أكثر من مجرد إعلان سياسي شكلي، لا تتمتع بمقتضاه هذه الدول بسيادة حقيقية، ولا استقلال واقعي..
بل ظل (المستعمر) السابق يمارس نفوذه المطلق، وسيادته الكاملة على معظم تلك (المستعمرات) (المستقلة) من خلال ورثته من الحكام الجدد الذين أرضعهم لبانه، وأشربهم أفكاره، وسلمهم مقاليد الحكم عند خروجه من الباب، وقبل عودته من النافذة.
ومن المفارقات العجيبة أن يحقق (المستعمر) في بعض (مستعمراته) من النفوذ بعد (الاستقلال) ما عجز عن تحقيقه زمن (الاستعمار)!!
ومن الأمثلة على ذلك ما حصل في موريتانيا بعد الاستقلال من تحكيم للقوانين الوضعية، وتحجيم للشريعة الإسلامية، وتمكين للغة الفرنسية، وتهميش للغة العربية.
ومن المعروف أن المحاكم في البلاد كانت تحكم بالشريعة الإسلامية أيام (الاستعمار)، واللغة العربية كانت وما زالت لغة الدين، والثقافة عند الجميع، واللغة الأم عند غالبية السكان.
ولم تتمكن اللغة الفرنسية، وتعتمد رسميا إلا مع (الاستقلال)!!
مثلما خدعوا الشعوب المحتلة فسموا احتلالها (استعمارا)، خدعوها مرة أخرى فسموا ما هي فيه من التبعية (استقلالا)!!
نعم.. لقد تحققت إنجازات تستحق الذكر والشكر، وفي مقدمة ذلك ما تعيشه البلاد من عافية في السياسة، واستقرار في الأوضاع، واستتباب للأمن، مقارنة مع دول المحيط.
ولكن مهما كانت الإنجازات التي تحققت، والمكتسبات التي تمت، فإن الاستقلال يبقى فاقدا أساس معناه، وجوهر فحواه، ما لم نحقق أمرين أساسيين هما: تحكيم الشريعة الإسلامية في كل المجالات، وتمكين اللغة العربية في كل القطاعات، فتلك مقومات الاستقلال السياسي التام، والاقتصادي الكامل، والثقافي الشامل..
إنه لا معنى لاستقلال دولة مسلمة ما زالت تتحاكم في بعض محاكمها إلى قوانين المستعمر الكفرية، وتتخاطب برطانته الأجنبية، وتعطل فيها الحدود الشرعية، وتهمش لغتها الرسمية!!
ومع إدراكنا أن هذا الوضع هو تركة عقود سابقة، من أنظمة حكم متلاحقة، إلا أن إصلاح هذا الأمر، وتدارك هذا الوضع هو الواجب الأول، للمسؤول الأول، وهو السيد الرئيس.
إن تدارك هذا الأمر، وتحقيق هذا الواجب، والنهوض بهذه المسؤولية، ليس أمرا سهلا، ولا عملا هينا.
إنه أمر لا بد له من الاستعانة ببطانة صالحة تجمع بين العلم بالشرع، والغيرة على الدين، والفقه في الواقع، وتقوى الله في العمل.
ولا بد لمن يتصدى لهذه المهمة من إيمان قوي، ويقين صادق، وعزيمة ماضية، وإرادة صارمة، وخطة مدروسة، وبرنامج واضح.
هذه نصيحة، أسأل الله تعالى أن تكون صادقة، ولوجهه خالصة..
والدين النصيحة.. لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأيمة المسلمين وعامتهم.
اللهم هل بلغت؟
اللهم اشهد.
الشيخ محفوظ ولد الوالد