الفيضانات في إفريقيا.. الأسباب والنتائج (تقرير)
تعاني دول إفريقية كل عام، وخاصة خلال موسم الأمطار الغزيرة فيضانات قاتلة ومدمرة ناجمة عن تغير المناخ وارتفاع أعمال التحضر العشوائي.
وأعلنت السلطات السنغالية مؤخرا، وفاة شخص على الأقل جراء الفيضانات، وفي ساحل العاج لقي ما لا يقل عن 19 شخصا مصرعهم وأصيب آخرون في يوليو/ تموز الماضي بسبب نفس الظاهرة التي أودت أيضا في الفترة الأخيرة، بحياة نحو 20 شخصا في أوغندا.
الاحتباس الحراري
وقال كاتيلو غابتيا لاوان مدير مكتب الأرصاد الجوية في النيجر، للأناضول: "تسببت الفيضانات في وفاة 88 شخص عام 2020، بينما توفي 77 آخرون في عام 2021، وهذا العام سجلنا 24 حالة وفاة للأسباب نفسها".
وأشار كاتيلو، إلى أن هذا الوضع يتسبب في خسائر تقدر بعدة ملايين من الدولارات سنويا في النيجر، مستشهداً بأضرار في البنية التحتية وتدمير المزارع والمواطن البيئية.
وتواجه دول أفريقية أخرى تحديات مماثلة مرتبطة بتغير المناخ الذي يزيد من كثافة هطول الأمطار.
وأضاف كاتيلو، إن "تزايد هطول الأمطار الغزيرة يؤثر حاليا على مدن جديدة لم تصلها الفيضانات من قبل"، مستشهدا "بالوضع في نهر النيجر، الذي شهد ارتفاعا قياسيا في تدفق المياه عامي 2019 و2020".
وأكد كاتيلو، أن هذا الأمر يعد "انعكاسا للاحتباس الحراري".
والاحتباس الحراري هو الزيادة التدريجية في درجة حرارة أدنى طبقات الغلاف الجوي المحيط بالأرض، ما يرفع بالتالي درجة حرارة الأرض ، ويحصل ذلك بسبب زيادة انبعاثات الغازات.
الزيادة السكانية
وفي الكاميرون تدمر الفيضانات أيضا البنية التحتية للنقل والمواطن البيئية كل عام.
وقال أرميل يوبو خبير البيئة الكاميروني للأناضول: "لا يمكن إنكار ارتباط الأمطار الغزيرة التي تعقبها فيضانات بالتغير المناخي".
ويعتقد يوبو أنه "بالإضافة إلى المخاطر المناخية، هناك أسباب أخرى للفيضانات تشمل الاكتظاظ السكاني، ونقص التنمية الحضرية، وغياب البنية التحتية المناسبة، وسوء إدارة النفايات".
وأوضح أن "العديد من المدن الأفريقية ينقصها التخطيط الحقيقي".
بدوره قال عبد الله فاتي المحاضر بجامعة "الشيخ أنتا ديوب" في العاصمة السنغالية داكار للأناضول، إنه "بالإضافة إلى التغيرات المناخية الناتجة عن اضطراب الأحوال الجوية، فإن الفيضانات ناتجة بشكل أساسي عن نزوح جماعي من الريف، والذي يؤدي إلى تطوير مدن ذات أنظمة إسكان لا تتكيف مع الأنظمة الطبيعية لتصريف المياه".
أما بوغرين دومونغوي رئيس منظمة "بناء المستقبل" فقال للأناضول، إن "هناك مجموعة من العوامل السلبية (التي تسبب الفيضلنات) وهي تنبع من ظروف التربة الطبيعية، وعجز البنية التحتية، والتحضر العشوائي، والتخطيط الحضري غير الكافي".
وأشار رئيس المنظمة التي تقوم بحملات توعوية لأجل مدن مستدامة في إفريقيا، إلى أن "أنظمة الصرف الطبيعية صغيرة الحجم، كما يسيء الناس استخدامها وإعاقة تدفقها عن طريق رمي النفايات".
تجريف المساحات الخضراء
ويرى كاتيلو، أن "الفقر يدفع الناس لاستغلال الغابات بشكل سيء عن طريق قطع الأشجار وبيع أخشابها، مما يفاقم مشكلة التحضر العشوائي".
وأضاف: "إنهم يدمرون النظم البيئية من خلال تقليل المسطحات المائية، بينما يتسبب الغطاء النباتي المدمر في عملية تجريف تحمل معها المياه والرمال وتتسبب في رفع مستوى المياه في الأنهار".
وأكد كاتيلو، أن "قيام الناس بهذه الأعمال يخلق أيضا بيئة معرضة للفيضانات بشكل متزايد".
ويرى دومونغوي أن الناس "لا يعرفون فائدة المساحات الخضراء"، مؤكدا أن قدرتها على الاحتفاظ بالمياه "لا تؤخذ بعين الاعتبار كما يجب".
وأوضح أن "المساحات الخضراء تسمح بتسرب أفضل للمياه، وتحد من الجريان السطحي للتربة الذي يحدث أثناء الفيضانات".
حلول مقترحة
ولمواجهة هذه المخاطر المختلفة، يدعو الخبراء إلى "إنشاء مدن مستدامة على وجه السرعة".
ويرى دومونغوي، أن حل هذه المشاكل "يتطلب إرادة سياسية حقيقية، ووعيا بالمخاطر العامة في عصر تغير المناخ، إضافة إلى إعادة تطوير المدن من خلال وضع أنظمة إنذار بشأن مخاطر الأرصاد الجوية كجزء من التخطيط الحضري المستدام".
وأكد أن هذا "يعزز فهما أفضل للمناطق الحساسة وعمليات المعالجة التي تساعد في القدرة على التعافي".
وأشار دومونغوي، إلى أنه "على أقل تقدير يجب أن نختار أساليب متعددة الوظائف لإدارة مياه الأمطار، تجمع بين جميع أشكال التنمية النباتية التي في العادة تكون اقتصادية أكثر".
وقال: "يجب أن يدرك الأفارقة أن الكوارث الأخيرة في أبيدجان (في ساحل العاج) وداكار (عاصمة السنغال) ونيامي (عاصمة النيجر) وأماكن أخرى، من المرجح أن تصبح أكثر شيوعا في معظم بلدان جنوب الصحراء الكبرى".
ومن جانبه دعا كاتيلو، إلى "زيادة الوعي بين السكان وإعادة التفكير بشأن التخطيط الحضري"، مؤكدا "ضرورة النظر إلى البنية التحتية في سياقها الصحيح، بحيث تأخذ في الاعتبار تغير المناخ وضغوط الأحداث البيئية المتطرفة".
وأضاف: "يجب سن قوانين لحظر الإسكان في المناطق المعرضة للفيضانات، ويجب وضع نظم مراقبة وإنذار لتحذير الناس ومنع الأخطار من أن تتحول إلى كوارث".
وحذر الخبراء من مخاطر حدوث أضرار مناخية "أكبر"، إذا لم يتم تنفيذ هذه الإجراءات المختلفة.