دعم المزارع أولى من دعم ملاك المصانع
استبشر المزارعون خيرا، برؤية فخامة رئيس الجمهورية المستنيرة لقطاعهم، تجسدت في حث المستثمرين وعامة الشعب في مناسبات عديدة على التوجه إلى الأرض، والاستثمار فيها، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الأساسية، وعلى رأسها مواد الأرز والقمح والخضروات. مما يمكن الطبقات الضعيفة من اقتناء حاجياتهم الأساسية، والعيش في ظروف مناسبة.
استجابت قطاعات عريضة من متوسطي الدخل وما هم دون ذلك من فئات الشعب، واستثمرت في مجال زراعة الأرز خاصة، ورغم التحديات الجمة التي واجهتهم من ارتفاع مذهل لأسعار السماد، وتضاعف أعداد الطيور الٱكلة لمحصولهم، ومحدودية الموجود من الحاصدات وارتفاع أسعارها، والحملة الإعلامية الرسمية المصاحبة لكل هذا، والتي تفند هذه التحديات ولا تعترف بها، وتدعي بأنها وفرت جميع حاجيات المزارعين، والحق أن هذه الجهات الرسمية لم تدخر جهدا في حملة القضاء على الطيور الضارة، لكن الوسائل المرصودة كانت دون المستوى، مما حال دون تحقيق نتائج مهمة، كما أنها وفرت الأسمدة بأسعار باهظة، واكتفت بتصديق هيئة أرباب العمل في ادعائها توفير الحاصدات، ورافقت كل هذه الإجراءات بحملة إعلامية كانت مضللة وضارة، وحالت دون تقييم سليم يمكن من بناء استراتجية تحقق الأهداف التي رسم فخامة رئيس الجمهورية.
رغم جميع العوائق المذكورة أعلاه، وغيرها، استطاع مزارعو الأرز بفضل الله أولا، ثم بعزيمتهم أن يحصدوا كميات معتبرة فاقت كل التوقعات، وقاربت تغطية 90% من حاجيات المواطنين من مادة الأرز.
سلوك ملاك المصانع الضار
ظلت ميكانيزما السوق تعمل لصالح الجميع المزارعون وملاك المصانع إلى أن قرر الملاك في اجتماعات منسقة التضامن والعزوف عن شراء مادة الأرز غير المقشرة إلا بأثمان متدنية (بدأت عملية شراء مادة الأرز غير المقشرة بـ15 أوقية جديدة للكلغ الواحد، وظل منحنى السعر في انخفاض إلى أن وصل الكلغ الواحد لـ7 أوقية جديدة)، و هذا السلوك مكن الملاك من تحقيق هدفهم والحصول على الأرز غير المقشر بثمن لا يغطي التكلفة المبذولة في إنتاجه، وتسبب ذاك في خسارات كبيرة للمزارعين وقضى على طموحاتهم، مما سينعكس سلبا على القطاع برمته، ويحول دون رجوع المزارعين إلى الحقول مما سيحول دون تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي الذي رسم لنا فخامة رئيس الجمهورية، وسيضاعف فاتورة الغذاء على طبقات عريضة من المجتمع.
ومما سيزيد من خسارة المزارعين، ما أعلنت عنه وزارة الزراعة، من إقناعها للحكومة بمباشرة شراء الأرز المقشر من ملاك المصانع، والضغط عليهم لشراء مادة الأرز غير المقشر بأسعار مناسبة من المزارعين، وهو إجراء سيزيد من هيمنة ملاك المصانع على السوق، ويزيد من إقصاء المزارعين، لأن المتتبع لسلوك ملاك المصانع، يدرك تماما سيطرت الفكر الرأسمالي المتغطرس على عقولهم، فرغم حصولهم على مدخلات مصانعهم بأسعار هزيلة، إلا أن ذلك لم ينعكس على سعر الأرز في السوق ولم يستفيد المواطن العادي من الهبوط الحاد لسعر مادة الأرز غير المقشر، (سعر خنشة 25 كلغ من الأرز المقشر ظل في تزايد من يناير الماضي إلى أن وصل اليوم إلى 700 أوقية جديدة)، و بقيت الأرباح تتكدس في جيوب الملاك على حساب خسارة المزارع وتضخيم فاتورة المعيشة على المواطن.
الحلول المناسبة
في علم الاقتصاد يتحدد سعر المنتوج عند نقطة التوازن بين الطلب والعرض، وكلما زاد العراض على الطلب تراجعت الأسعار، والعكس صحيح كلما ارتفع الطلب مقابل العرض تصاعدت الأسعار، لذلك من المناسب أن تعمد حكومتنا إلى زيادة العرض والاستثمار في وسائل تعظيمه، وعلى رأسها الوقوف إلى جانب المزارعين ودعمهم على جميع الأصعدة، بتوفير قروض ميسرة، وتوفير البذور الجيدة والسماد مجانا، أو بأسعار مخفضة جدا، وهذه إجراءات مطبقة في معظم الاقتصادات سواء على مستوى الدول المتقدمة أو تلك السائرة في طريق النمو، بالإضافة إلى توفير الوسائل المناسبة للقضاء على الطيور الضارة والآفات الأخرى...
وفي حالتنا هذه والتي سيطر فيها ملاك المصانع على السوق، وتمكنوا من تحديد السعر المناسب لطموحاتهم، سواء على مستوى اقتناء مدخلاتهم من الأرز غير المقشر والذي حصلوا عليه بأقل ثمن بيع به في هذا العقد من الزمن، أو على مستوى تسويق مخرجاتهم، حيث تمكنوا من بيع الأرز المقشر بأعلى سعر عرفته مادة الأرز في تاريخ البلد.
في هذه الحالة من المناسب أن تباشر حكومتنا الموقرة وعلى جناح السرعة، عمليات شراء واسعة للأرز غير المقشر و بأسعار تمكن المزارعين الصامدين من العودة لحقولهم ومزاولة أنشطتهم (بثمن 14 أوقية جديدة لكلغ الواحد على الأقل)، وتسهر على عملية بيعه لملاك مصانع التقشير بأسعار مناسبة مقابل موافقتهم على بيعه للمواطنين بأسعار في متناول الطبقات الهشة، ومساعدة المزارعين في هذه الحملة التي قضت على الكثير منهم عمليات البيع الاضطراري المفروضة عليهم، مساعدات عينية ومادية، تمكنهم من مواصلة العمل (يمكن الرجوع إلى سجلات مندوبية وزارة الزراعة، وسجلات مفوضية الأمن الغذائي للوقوف على لوائحهم).
بهذه الإجراءات، تساهم الحكومة في زيادة العرض وتحول دون الاحتكار، مما يعيد للسوق توازنه الطبيعي، ويساهم في انتشال المزارع من الضياع.
إن طموحات رئيس الجمهورية في مجال الزراعة لا حدود لها، ومن المناسب أن ترافقها إجراءات من الحكومة تساهم في تحقيقها، ليعم الرخاء وتتحقق الاهداف الكبرى للتنمية المستدامة.
د. محمد الأمين ولد شريف أحمد