هل ينهي قرار الإحالة على المحاكمة أمر الوضع تحت المراقبة القضائية
أود في البداية أن أشير إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي أتناول فيها هذا الموضوع فلقد كتبت مقالا علميا حول الموضع تحت عنوان: (الوضع تحت المراقبة القضائية في التشريع الموريتاني والمقارن) وتم نشره قبل عدة أشهر في العدد 41 من مجلة الباحث للدراسات القانونية والقضائية بالمملكة المغربية الشقيقة وهو موجود على موقع المجلة الإلكتروني لمن يود الإطلاع عليه.
وألفت رأي السادة القانونيين داخل الوطن وخارجه إلى أن التعامل مع النصوص الجنائية عموما والإجرائية على وجه الخصوص يتميز ببعض السمات التي من أهمها التقيد بمبدأ الشرعية الجزائي الذي يفرض من بين أمور أخرى منع القياس ومنع التأويل لما للنصوص الجنائية من خطورة على حقوق وحريات الأفراد.
وانطلاقا من ذلك وبالرجوع إلى القانون الموريتاني عموما وقانون الإجراءات الجنائية الساري خصوصا نجد أن المشرع نص في الفقرة الخامسة من المادة 123 من هذا القانون على أن الأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية ينتهي إما بمبادرة من قاضي التحقيق نفسه أو بناء على طلب موجه إليه من طرف المتهم أو بناء على طلب من محاميه.
كما أضافت الفقرة السادسة من نفس المادة أن قاضي التحقيق يمكنه إلغاء الوضع تحت المراقبة القضائية أثناء جميع مراحل التحقيق إذا لم يمتثل المتهم الالتزامات المفروضة عليه بموجب أمر المراقبة وفي هذه الحال يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر بإيداع المتهم السجن بموجب أمر بالإيداع.
كما ينتهي أمر المراقبة القضائية تلقائيا بموجب انتهاء مدته وهي شهران قابل للتمديد خمس مرات.
ومن جهة أخرى نصت الفقرة الرابعة من المادة 186 من قانون الإجراءات الجنائية أن أمر الوضع تحت المراقبة القضائية قابل للاستئناف من طرف المتهم أو محاميه أمام غرفة الاتهام بمحكمة الاستئناف.
ولا وجود إطلاقا لأي إشارة صريحة أو ضمنية تأسس للقول بانتهاء أمر المراقبة القضائية بمجرد إحالة المتهم على المحاكمة.
ثم إن الرجوع إلى فلسفة المشرع من استحداث نظام المراقبة القضائية سنة 2007 تتمثل في إيجاد نقطة وسط بين حالة السراح وحالة الحبس الاحتياطي، ذلك أن نظام الوضع تحت المراقبة القضائية يحافظ على حقوق المتهم ومصلحة المجتمع فهو يصون للمتهم حريته إلى حد ما مقارنة بالحبس الاحتياطي كما يضمن للمجتمع مصلحته في منع المتهم المذنب من الهروب في وجه العدالة .
ثم إن إخضاع المتهم للمراقبة القضائية في بداية التحقيق ورفع هذا الإجراء عنه بعد أن تمت إحالته على المحاكمة يجعل إخضاع المتهم لذلك الإجراء أصلا تصرفا عبثيا لا معنى له، فالمبررات التي أخضع من أجلها المتهم أصلا للمراقبة القضائية لا تزال قائمة بل أصبحت أكثر وجاهة وأصبح المتهم أقرب إلى للإدانة من أي وقت مضى فتأكيد التهم من طرف قضاء التحقيق وهو- خلافا للنيابة العامة- يبحث عن أدلة البراءة وأدلة الإدانة على حد سواء يجعل إخضاع المتهم للمراقبة القضائية حتى يتم البت في ملفه أمرا أكثر وجاهة وأقرب إلى المنطق القانوني السليم.
كل تلك المبررات القانونية والمنطقية تجعل القول بانتهاء أمد المراقبة القضائية بمجرد الإحالة على المحكمة قولا يخالف القانون ومبادئه ويجافي المنطق السليم وينافي المصلحة العامة.
الدكتور الشيخ سيداتي أحمد مولود أستاذ القانون الجنائي بجامعة العلوم الإسلامية بلعيون