هل أصبح الحكم العسكري المباشر فى خبر كان؟/ بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن
قانونيا و نظريا انتهى الحكم العسكري المباشر فى موريتانيا و بدأت التعددية الديمقراطية مع مطلع التسعينات،و استطاع ولد الطائع إبعاد بعض الضباط العسكريين عن الكثير من المراكز الوظيفية المدنية الحساسة،التى كانوا يتولونها طيلة فترة الحكم العسكري المباشر، منذو انقلاب 1978 و إلى غاية إصدار دستور 20 يوليو 1991،بل قد اتجه ولد الطائع إلى تعيين وزير مدني على حلقة التنسيق الإداري مع الحكومة(وزارة الدفاع)،و تناقص نفوذ العسكر كثيرا على الدولة، إبان حقبة ولد الطائع،غير أنه فى آخر فترة ولد عبد العزيز، تعزز مشهد نفوذ العسكر على الدولة عموما، و استمر هذا المشهد، طيلة ما مضى،من حكم ولد غزوانى،حيث يتولى السلطة التنفيذية(الرآسة) منحدر من المؤسسة العسكرية،كما يتولى السلطة التشريعية(البرلمان)،منحدر من المؤسسة العسكرية.
و يعتبر هذا طبعا ،فى نظر البعض، إجهاضا للمشروع الديمقراطي،ليس ضمنيا فحسب،بل ربما عمليا ،إذا لم ننتبه جيدا،و بحذر وحكمة و حنكة، لهذه الوضعية الحرجة جدا و الخطيرة جدا،على حاضر و مستقبل الحكم فى موريتانيا.
و قد نجح ولد الطائع كثيرا فى إقناع العسكر ضمنيا،بالطابع المدني و الديمقراطي الجديد، منذو مطلع التسعينات و إلى غاية خروجه من دفة الحكم، مع توجه ولد عبد العزيز بنفس الاتجاه، ثم تراجعه عن ذلك فى آخر حكمه،فعين ولد باي على رأس البرلمان و رشح ولد غزوانى للرآسة.
ما لا يفهم العسكر فى موريتانيا أن هذا النموذج من الحكم العسكري المباشر أو شبه المباشر بات فى حكم المستحيل،و ليتدبروا الحال السياسي فى العالم أجمع تقريبا،سوى حالات مأزومة، على وشك الانهيار التام،كما فى مصر مثلا،أما عندنا فى المنطقة، فلم ينتج هذا النموذج من الحكم العسكري، سوى التفكك و الحروب الداخلية،كما فى دولة مالى،بينما اختارت دولة الجزائر، التخفيف الكبير من الطابع العسكري للدولة و تعزيز الطابع السياسي و التسييري الشفاف لدولة الجزائر الكبرى،تناغما مع توجهات الرأي العام الوطني و ضغط الشارع الجزائري.
و فى الوقت الراهن يتجه ولد غزوانى لترشيح متقاعد عسكري آخر، لقيادة البرلمان،و إن كان من أكثرهم علاقات إيجابية مع المدنيين،كما يفكرون،ولو بعد عهدتين، فى خليفة ولد غزوانى ، و كلهم يتخيل ذلك ربما،ضمن مسلسل الحماقات و الوهم،التى قد تعنى تعميق أزمة اختطاف الدولة و تعميق حالة العصيان، ضد الطابع المدني و الديمقراطي،فإلى أين يتجه هذا الجو المريب المثير للجدل المشروع.
و مع صدور و تمرير قانون الرموز السيئ الذكر ، حاولوا التضييق على حرية التعبير،لكن انتصرت ضمنيا، من خارج و داخل صف النظام القائم، الإرادات الرافضة لذلك،و بقي هذا القانون الرجعي المتخلف حبرا على ورق فحسب!.
إن ولد غزوانى يعيش حالة من التردد، بين إرضاء العسكر و المدنيين،و مازال أميل لإرضاء الطابع العسكري، على حساب الطابع المدني و الديمقراطي، لكنه يدرك خطورة ذلك انتخابيا،كما أنه يدرك خطورة تسيير العسكر لمرافق، غير مؤهلين لأتقانها البتة،و ربما لا يدرك غزوانى بدقة أن أغلب الضباط و الجنرالات فى موريتانيا، يتجهون للعمل على الابتعاد النهائي عن شبح الانقلابات و الممارسات غير الديمقراطية ،لصالح تكريس الطابع الجمهوري للمؤسسة العسكرية و الأجهزة الأمنية.
و إذا كان الرئيس الحالي اتجه مع بداية حكمه لتطبيق قدر من اللامركزية،على مستوى القطاعات الحكومية ،لتثبيت التراتبية الإدارية و مفهومها التنظيمي،إلا أن البعض لسبب ما،لا يخضع لذلك تماما،مثل نلاحظ أحيانا، فى علاقة وزارة المعادن مع شركة معادن موريتانيا.
و لعل وزارة الداخلية مثالا لتبعية بعض القطاعات الأمنية، التى يقودها بعض الجنرالات.
فهل سيمثلون نموذج الانسجام الإداري المهني مع وزيرهم المدني المحترم،محمد أحمد ولد محمد لمين،خلاف بعض المناوشات اللفظية المحدودة بين بعضهم و وزيرهم السابق،مرزوك!.
و يجوز القول باختصار،إن الحكم العسكري المباشر فى موريتانيا فى خبر كان،و جهود إرجاعه غير مرغوبة إطلاقا، و لا تحظى برغبة أغلب قيادات المؤسسة العسكرية نفسها،فهل ينتبه لذلك الرئيس غزوانى و بعض المتباكين على أطلال النفوذ العسكري المطلق المتخلف،و لماذا نستعجل إتمام عبورقنطرة التحول إلى مرحلة الحكم الديقراطي الحقيقي؟!.
تلك ملابسات و حساسيات حرجة،تتطلب الحساب و التريث و التعقل.
فلا الوقت وقت الحكم العسكري، و لا العقبات و معوقات التحول الآمن يمكن تجاهلها و ضرورة التعامل معها، بموضوعية و حكمة،بإذن الله و عونه و توفيقه .