عين على ظاهرة المهق في موريتانيا
يخلد العالم بعد أيام قلائل اليوم الدولي للتوعية بالمهق ؛والذي أقرته الأمم المتحدة في الثالث عشر مايو عام 2015 ويهدف إلى الإحتفاء بحقوق الأشخاص المتعايشين مع المهق ،وإبراز أهم التحديات والعوائق التي تواجههم في مختلف جوانب الحياة ، والصحية الإجتماعية منها على وجه الخصوص.
إننا في المنظمة الموريتانية لدعم ودمج مصابي المهق وسعيا منا في التعريف بهذه الفئة الإجتماعية ،وتقديم صورة منابذة للتصورات الإجتماعية النمطية عنها ،وإبرازا للأدوار الطلائعية للمنظمة في دعم ومناصرة ذوي المهق إجتماعيا ،ونظرا لما للإعلام من دور ريادي في صناعة الوعي بالحقوق والقضايا بصورة عامة ،وفي إطار تخليدنا لليوم العالمي للتوعية بالمهق على الصعيد المحلي نتقدم إلى الرأي العام الوطني بهذه الورقة الموجزة عن المهق تعريفا به ،وإفرازا لتحديات ومطالب المتعايشين معه ،وإماطة للثام عن عمل المنظمة الرائدة في الإشتغال بقضايا هذه الفئة.
يعرف المهق طبيا أنه إضطراب وراثي نادر يسبب غيابا كليا ،أو جزئيا لصبغة الميلانين المسؤولة عن لون الجسم ؛وهو مايعطي مظهرا مختلفا للشخص الأمهق يميزه عن غيره.
ينقسم المهق إلى نوعين رئيسيين :
1-المهق البصري :ويؤثر على العينين فقط ؛فيسبب ضعفا في الإبصار لصاحبه.
2-المهق الجلدي البصري :وهو أكثر أنواع المهق إنتشارا ؛خاصة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء ،ويتجلى في تمظهرات خارجية ملحوظة ؛إذ يبدو الشخص الأمهق في هذه الحالة ذو بشرة بيضاء ،أو شاحبة ،وعينين زرقاوين ،أو بنيتين ؛وشعر أبيض ،أو أصفر بحسب كمية توفر صبغة الميلانين في الجسم .
إن المهق كغيره من الإضطرابات الوراثية له مضاعفات ولواحق صحية عديدة نذكر منها على عجالة :
أ-الحساسية المفرطة للمتعايشين معه إتجاه الشمس:
إن الشخص الأمهق معرض دائما لخطر نفاذ الأشعة فوق البنفسجية إلى جسمه مباشرة بفعل إنعدام التصبغ ،وتوفر جسمه على صبغة الميلانين ؛وهو ما يجعل من الشمس عدوه الأول ؛خاصة في البلدان ذات المناخات المدارية والمتسمة بإرتفاع درجات الحرارة في الغالب كبلدنا موريتانيا ؛وهو ما يحتم عليه إستعمال مراهم وكريمات واقية من شأنها أن تقيه خطر الحروق والتكلسات الجلدية التي يسببها له التعرض المزمن للشمس.
ب-ضعف الإبصار:
إن غياب أو نقص تصبغ شبكية العين بفعل إنعدام صبغة الميلانين يؤدي إلى تشتت الضوء داخل قرنية العين ؛وهو ما ينتج عنه ضعف شديد في قدرة صاحب الألبينية على الرؤية والإبصار بصورة طبيعية مما يتطلب استخدام نظارات طبية غير تقليدية من أجل الحد من هذ المعضل .
ج-رهاب الضوء
من المشاكل الصحية التي يفرزها غياب صبغة الميلانين عن الجسم الحساسية المفرطة إتجاه الضوء الساطع ؛إذ أنه ينفذ مباشرة إلى العين بفعل إنعدام التصبغ ؛وهو مايولد معاناة لدى الأمهق تتطلب أن يستخدم النظارات الشمسية بصورة دائمة ؛كما أن الرأرأة (حركة لا إرادية للعين ) تعد من لواحق المهق التي يعانيها الشخص المتعايش معه على مستوى الجهاز البصري
إن المهق من بين الظواهر الإجتماعية التي لم تحظ بالتفهم والإستيعاب ؛بل ظل ذوو المهق عرضة للغبن والتمييز ،والسخرية والتنمر ،ودرجات متقدمة من التجاهل ؛وهو وضع مختل بلا شك ،ونعزوه دائما في المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق إلى عاملين إثنين:
أولهما :النزوع الإجتماعي إلى تفسيرات غيبية مفارقة ؛تسلط منطق الخرافة والأسطرة على الظواهر العلمية غير المفهومة ؛خاصة في الأوساط الإجتماعية ذات الحظوظ التثقيفية المنخفضة كحال مجتمعنا ؛وهو ما ساهم في مراكمة إرث من المفاهيم والتصورات النمطية عن المهق والمتعايشين معه بعيدة عن الواقع و الحقيقة العلمية
أما ثاني الأسباب في إنعدام التفهم الإجتماعي لظاهرة المهق فذاتي ؛حيث إن غالب المتعايشين مع المهق يتنكب الحديث عن الظاهرة ،والتخوض في التحديات الصحية والإجتماعية التي تواجه أصحابه ،وهو الأمر الذي يمكن تفهمه جزئيا استحضارا لاعتبارات موضوعية معينة ؛ولكنه يبقى غير مبرر ولا مستساغ حين يجترح هذ الصمت من الأشخاص المتعلمين من هذه الفئة ؛والذين يقع عليهم الحمل الأكبر في التعريف بالمهق ،واستنبات الذهنية الإجتماعية صورة تخالف السائد عن المتعايشين معه.
إنطلاقا من الرؤية السابقة القائمة على العمل المدني المنظم أسست المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق بتاريخ السابع يوليو 2013 لتكون بذلك أول منظمة من نوعها في منطقتنا العربية تهتم بقضية المهق ،وتروم التعريف بهذه الشريحة ،وإبراز خصائصها ،وشواغلها الإجتماعية والصحية
يرتكز تفكيرنا في المنظمة على العمل المستمر والواعي بذاته وذلك من أجل :
-تعريف المجتمع بظاهرة المهق ،وخصائص المتعايشين معه ،ومنابذة الميتولوجيا الإجتماعية الزائفة ومانسجته من تصورات إجتماعية منافية للحقيقة العلمية ،وبعيدة من الواقع .
-العمل على الإنخراط مع الجهات المختلفة المعنية بالقضية ؛سواء أكانت رسمية (وزارة الشؤون الإجتماعية ؛وزارة الصحة ؛مفوضية حقوق الإنسان، وغيرها ) أو غير رسمية (جمعيات ومنظمات مجتمع مدني ،وفاعلين غير حكوميين ) في عمل إستراتيجي منظم يبتغي دعم ومؤازرة ذوي المهق من أجل التغلب على الهشاشة التي تلازمهم نظرا لوضعيتهم الخاصة ؛لاسيما في مجالات التعليم، والصحة ،والتشغيل ؛حيث يلاحظ نقص شديد في ولوج ذوي المهق إلى المرافق المذكورة مع أنها تعتبر ضمن ما يعرف بالجيل الأول من حقوق الإنسان.
-حث السلطات المعنية على وضع إستراتيجية عمل جادة من شأنها أن تشكل إطار عمل مشترك بين المنظمة والدولة الموريتانية ممثلة في السلطات المختصة (وزارة العمل الإجتماعي ،وزارة الصحة ،مفوضية حقوق الإنسان) خاصة أن عملا كهذ يناغم توجهات الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي في الإهتمام بالتحسيس حول المهق ،وحث الدول الإفريقية من خلال الخبير الأممي المعني بالتحسيس حول المهق على إعتماد إستراتيجيات وخطط عمل من شأنها حماية وترقية حقوق الإنسان لذوي المهق .
إننا في المنظمة الموريتانية لذوي المهق نعبر عن إستغرابنا من غياب أي دور للدولة الموريتانية ممثلة في السلطات المعنية في خطة العمل الإقليمية لدول إفريقيا حول المهق ؛والتي إستهدفت أساسا تغطية المجال الجغرافي لإفريقيا جنوب الصحراء ،وهو ما يعكس في أحسن الأحوال غياب الرؤية والإيمان بالعمل المشترك لدى الجهات المعنية بقضية المهق (وزارة العمل الإجتماعي ،وزارة الصحة ،مفوضية حقوق الإنسان ) ويشي بإنعدام الإرادة والسعي في الإنخراط في عمل جاد ومنظم من شأنه الإرتقاء بوضع هذه الفئة الإجتماعية في أسوء تلك الإحتمالات.
-إن رؤيتنا في المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق تقوم على طرح وإثارة قضية ذوي المهق ،والتحديات المختلفة التي تواجههم على كافة الصعد في أي حوار إجتماعي جاد يزمع تنظيمه إنطلاقا من قناعتنا الراسخة بسابقية القضايا الإجتماعية في في التأسيس للإستقرار السياسي والإقتصادي.
إن المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق تضم لفيفا من الكفاءات والأطر في مختلف المجالات المعرفية (هندسة ؛قانون؛تخصصات ) وهو ما يعبر عن جهود إستثنائية بذلها هؤلاء الأشخاص برغم العوائق والميئسات الكثيرة ؛وهو ما يبرر تمكينهم من الولوج إلى مصادر صنع القرار ،والعمل على الإستفادة من خبراتهم في مختلف المجالات .
لقد دأبنا في المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق على تخليد اليوم العالمي للتوعية بالمهق المصادف لتاريخ 13 يونيو من كل عام وذلك من خلال توزيع التعريف بالمهق ؛وأبرز الخصائص والتحديات التي تواجه ذويه ،وكذا توزيع مراهم وكريمات واقية من الشمس ،والقيام بفحوصات وكشوف طبية على مستوى الجلد والعيون لمنتسبي المنظمة من ذوي المهق وغيرهم سعيا لمواكبة الحاجات الصحية لذوي المهق، وتمكنت المنظمة وبالشراكة مع برنامج الوقاية من النزاعات وتعزيز الحوار بين الثقافات (السماح) من إفتتاح مركز مهني لتعليم المعلوماتية في مقر المنظمة ؛وذلك من أجل ضمان تعزيز نفوذ الأشخاص ذوي المهق لتعليم نموذجي يزيد من قدرتهم على الإندماج في الحياة النشطة ،وتقوية فرصهم في الحصول على عمل ؛بالإضافة إلى العمل الجاري على تمكين أعضاء المنظمة من الحصول على تمويلات لمشاريع صغيرة ومتوسطة تساهم في تحقيق الإستقلال المالي وتعزيز الإنتاجية.
وسعيا منها لتعزيز التعاون ،واستلهمام التجارب الرائدة في المجال عملت المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق على ربط شراكات تعاون مع المنظمات العاملة على قضايا ذوي المهق في دول المنطقة ؛خاصة السنغال ومالي
إن إيماننا الراسخ بتكاملية الحقوق الإنسانية ،وضرورة الإنخراط في حراك مزمن من أجل ترقيتها وتعزيزها سيظل الدافع القوي لذوي المهق بصورة عامة ،ولنا في المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق بصفة خاصة من أجل المضي في مسار المناصرة، والدعم والتعريف بقضايا ذوي المهق من أجل الإرتقاء بهم، وتمكينهم من التمتع بكافة الضمانات والحقوق الكافلة لحياة كريمة.
العاقل علي
نائب رئيس المنظمة الموريتانية لدعم ودمج ذوي المهق