الحالة المدنية: من مشروع وثائق مؤمنة إلى واقع وثائق معقدة
لا يختلف اثنان من الذين يهمهم الشأن العام على حقيقة واهمية هذا الانجاز العظيم والذى يعتبر لبنة اساسية فى مشروع بناء الدولة بمفهومها الحديث. ويعود الفضل فى تحقيقه إلى العشرية الماضية ولنكن منصفين وواقعيين. فان فكرة الحالة المدنية وتأمين الوثائق يعود الفضل فيه إلى حقبة نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز . الحقيقة أن الإحصاء البيومتري إنجاز كبير وفي غاية الأهميّة، ولذلك ليست الانتقادات المسجلة هنا موجهة لأصل المشروع ولا إلى جدوائيته، وإنما إلى جوانب قصوره الأساسية: من مزاجية في التنفيذ وعدم عقلنته وتكييفه مع الواقع . واستغلاله السياسي الاعمى وعنصريته التعسفية في بعض الأحيان.
أولا: لا يُفترض أن تكون في ازدواجية الجنسية في موريتانيا اية مشاكل كبيرة، خصوصا بعدما اقرها القانون وسمح بها. إلا أن فرعنة القائمين على إدارة هذه الهيئة ، وقصر رؤيتهم، أفرغ ذلك المشروع من محتواه، وعطّل إحصاء العديد من المواطنين الموريتانيين ، لأسباب منها البيروقراطي والتمييزي والمحسوبي ....الغ.
والغريب في الأمر، أن مديرها "الإدارى" كما يسمونه ، يشترط اليوم على الموريتانيين حملة جنسيات أجنبية أن يمثلوا امام جلسات اسبوعية تقام على شكل لجان مشكلة من بعض رؤساء مراكز نواكشوط، هنالك يطلب من المترشح للإحصاء ان يحضر أقاربه وشهوده على أن يصور معهم ويتم التحقيق معهم وتحرر في حقهم محاضر يتم توقيعها وترسل بعد ذلك الى الادارة العامة لتمر على عدة مصالح قبل ان يرخص لإحصاء المعنى او لا.
اما اذا تعذر او استحال ابسط شرط من تلك الشروط الهمجية، خصوصا اذا لم تتم الاستعانة بأحد الأطراف المعنية، مهما كان السبب ، فالنتيجة ستكون سلبية لا محالة، هكذا يكون التعامل مع المواطن البسيط ، الذى لا يريد علوا فى الارض ولا فى السماء وانما يرجو رحمة الله ولطفه.
ولا اغرب من ذلك قصتى الشخصية : ضابط شرطة قضائية من قطاع الدرك الوطني ، خدمت تحت راية وطني ودفاعا عن أمنه واستقراره لمدة 14 عامًا وكان ذلك فى اعصب الأوقات.
صحيح انى غادرته سنة 2000 من اجل اكتشاف افق آخر وخوض مغامرة الهجرة من أجل اكتساب الخبرة وتأمين مستقبل افضل لي شخصيا ولمحيطى الاجتماعي ولبلدي الام طبعا. مع انى افتخر بكوني لم اكتب يوما سطرا معاديا لبلدى ولم أقف ضده ولم أشارك في اية مسيرة مناوئة له. عكس الكثير من من اعرفهم وهم الآن موريتانيون من الدرجة الأولى، بل من ضمنهم من هم مسؤولون فى مناصب سيادية .
اما انا فأحترامى الدائم للقانون لم يسمح لى بالاحتيال والمخادعة كما هو حال البعض . لم اهتم بالإحصاء طيلة السنوات الاولى (من ٢٠٠٠ الى ٢٠٠٩)لكونى احترم دستور بلدي الذى لم يكن حينها يسمح بازدواجية الجنسية انذاك . الغريب فى الأمر كوني اعرف اناسا كثر ، يحملون جنسيات اروبية مثلى وفى نفس الوقت اوراق موريتانية وفى كل زيارة لموريتانيا يستعينون عند نقاط العبور بمن يسهل لهم المرور . اما انا فكنت ادخل بتأشيرة مدفوعة الثمن ولكن بدون تحايل ولا مخادعة .
صحيح انه، كان بإمكاني الحصول على حق ازدواجية الجنسية عن طريق طلب موجه إلى رئيس الجمهورية السابق ، عبر طلب ممرر من وزا ة العدل. إلا أنى لم أجد تلك الطريقة مناسبة ولامقنعة ، بحكم انى لا اريد استعادة جنسيتى الموريتانية عن طريق منة ولا هبة من اي كائن كان. بل يشرفنى ان استعيدها كحق وبحق .
كانت المفاجأة بل الصدمة الكبرى ، عندما تقدمت امام مكتب الحالة المدنية التابع لهيئة الدرك الوطنى من اجل البدئ في الاجراءات اللازمة ، بعد البدئ في الاجراءات وتقديم الوثائق الاثباتية والمعززة بشهادة موقعة من طرف القيادة العامة للدرك الوطني تفيد بخدمتى في هذا القطاع المحترم والذي لا يمكن أن يخدم فيه إلا من هو موريتاني الجنسية بدون شك.
هنا أقف قليلا لاطرح سؤال مباشرة على المدير الادارى : "اذا كانت تعليماتكم الحالية تستوجب المرور أمام احدى لجان تحديد الهوية الثلاثة والمتمركزة خصيصا فى العاصمة انواكشوط، لمن يريد الإحصاء بغية الحصول على وثائقه المدنية. فكيف يمكنكم اذا ان تبرروا احتقاركم وتجاهلكم لمكاتب ووثائق وافراد قطاعاتنا العسكرية والامنية. الا تستحق من الاعتماد والتقدير والتزكية ما يناسبها ويليق بمكانتها فى نظركم ؟،
هل يعقل ان يغيب عن ذهنكم ان هؤلاء من اعوان وضباط شرطة قضائية ، هم المحلفون والمؤتمنون المصدقون امام مختلف السلطات وفى مقدمتهم القضائية والادارية.
اخيرا اود أن اذكركم أن كل من انتسبوا وخدموا الوطن تحت راية الجندية فهم من باب أولى مواطنون موريتانيون من الدرجة الأولى. بمجرد اثباتهم لتلك الصفة وذلك الشرف ،لم يعد حينئذ مبررا لإهانتهم والتنكيل بهم امام لجان تحديد الهوية المذكورة آنفا
كان ذلك يوم اثنين فبراير ٢٠٢٢، بعد استكمال الاجراءات ، اخبرني أعضاء المكتب بانهم سيرسلون في نفس اليوم رسالة إلى المدير الإداري للحالة المدنية من أجل إعطائهم الضوء الأخضر من اجل توثيق احصائي ،بعد انقضاء اسبوع ونظرا لقرب انتهاء عطلتي ، حاولت أن أعرف ماهو الرد على الرسالة ، بدون جدوى .
قمت بعدة محاولات من أجل مقابلة الاداري أو أحد مساعديه من اجل التوصل الى نتيجة. بعد انقضاء شهر بدون جدوى ، كنت مجبرا على السفر وترك الأمور كما هي. اليوم الأربعاء الموافق ١٨ مايو ٢.٢٢م ، بعد انقضاء اكثر من ثلاثة اشهر ومازلنا فى انتظار جواب المدير الاداري إلى حد الساعة. نرجوا من الله العلي القدير ان تكون تعليمات رئيس الجمهورية الأخيرة قد وصلت إلى مسامعه وان ينزل من أعلى عرشه للنظر وإجاد الحلول المناسبة للمشاكل والعراقيل الجمة التى تسببها صلابة إدارته.
وبالعودة إلى موضوع إزدواجية الجنسية والنظر إلى تعامل معظم دول العالم معها ، فإنه من الملاحظ أن حملة الجنسيات المزدوجة يعتبرون سفراء لبلدانهم الاصلية هاذا إضافة إلى كونهم مشستثمرين ومعيلين لكثير من الأسر والجمعيات الخيرية . التي تستقطب العقول المهاجرة ولنا فى دول الجوار : المغرب العربي ، السنغال ومالى ..الخ. على سبيل المثال: المملكة المغربية والتى لديها تسهيلات بل تشجيع رسميا لأبنائها في المهجر لاحتوائهم والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم
معظم دول أوروبا تمنح جنسيتها لأجانب بمجرد أنّهم عملوا بإخلاص وتفاني على أراضيها كما شاهدنا ذلك في فرنسا وإيطاليا وغيرهما في موجات كوفيد، فما بالكم بمن وُلد على هذه الأرض ونشأ وترعرع في كنفها بل وقدّم 14 سنة خدمة لها ، كيف يعقل أن يعود إلى وطنه ثم يجد أمامه هذا الكم الهائل من العراقيل والصعاب حتى يحرم من وثائقه المدنية؟
ومن هنا بات لزاما علينا توعية أصحاب الرأي العام والاحرار فى هذا البلد إلى هذه الاجراءات الفرعونية، المجحفة و التي يعامل أبناء هاذ الوطن بها . والتي تعد مانعا سلبيا ضد إرساء أسس حقيقية لبناء هاذا الوطن والدفع به إلى الأمام. هاذه العراقيل تمثل سور صين عظيم لمنع أبناء موريتانيا من العودة إلى وطنهم لبدأ استثماراتهم الاجتماعية والاقتصادية في وطنهم والمشاركة في بنائه وتمثيله بجدارة وباستحقاق على المستوى الخارجي، هذا من باب المصالحة الوطنية ، التى يهدف إليها الحوار الوطنى وعبر عنها رئيس الجمهورية مؤخرا وتمثلت فى التعليمات والتغييرات الأخيرة. كلى ثقة وأمل فى وزير الداخلية الجديد بما سمعت عنه من صدق نية وانصاف. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه انيب.
سيد احمد محمد سالم