نجاح الشرطة في كشف لغز "القابلة المختفية"... كفاءة مهنية أم توجيه انتقائي؟

أحمد ولد امبارك - خبير أمني
نجاح الشرطة في كشف لغز "القابلة المختفية"... كفاءة مهنية أم توجيه انتقائي؟ ولماذا يغيب التقصير عندما نرغب ويتحكم عندما نريد؟
إعلان الشرطة الموريتانية عن توقيف الفتاة، وقبل أن تخرج البلاد، يُعد برهانا ساطعا على أن الإرادة هي التي تنقص الشرطة لأداء دورها بالشكل الصحيح.
إن فشل الشرطة في التعامل مع ملفات أخرى أكثر حساسية والتي تؤثر بشكل بالغ على الأمن الوطني، يثير تساؤلا حول السبب في وجود الإرادة والحرفية في أعلى مستوياتها في هذه القضية بينما تغيب تماما في قضايا أكثر خطورة؟
هذه الحادثة تثير استفهامات قديمة تتجدد مع كل إخفاق أمني: أين تكمن المشكلة الحقيقية؟ هل هي في ضعف القدرات؟ أم في غياب الدافع المهني؟ أم أن هناك عوامل أخرى تجعل بعض القضايا تحظى باهتمام أكبر بينما تظل قضايا أخرى طيّ الإهمال؟
عندما يكون الضغط الشعبي هو المحرك الرئيسي لفعالية الشرطة، فإن ذلك يفتح الباب أمام تساؤلات أعمق: هل جهاز الشرطة يتبع معايير مهنية في تعامله مع القضايا المختلفة؟ أم أن الاستجابة تتأثر بعوامل أخرى مزاجية؟
يتبادر إلى الذهن سؤال خفي لكنه جوهري: إذا كان جهازنا الأمني يضم عناصر ذات كفاءة عالية، فلماذا لا تنعكس هذه الكفاءة في جميع الملفات؟ هل الأمر مرتبط بعدم كفاية الموارد؟ أم أن هناك عوامل داخلية تجعل بعض القيادات تتردد في اتخاذ قرارات حاسمة إلا عندما يكون الضغط قويا؟ وإذا كانت القاعدة تقول إن الأمن لا يُباع ولا يُشترى، فما سبب التفاوت في مستوى الأداء بين قضية وأخرى؟
هل انتبهت الجهات العليا إلى هذا التناقض الخطير والفجوة الكبيرة بين هذا وذاك؟
نتذكر جميعا قضية المرحوم الصوفي ولد الشين، ومحاولة إخفاء الجريمة، ولكن بعد أن أصبحت القضية رأيا عاما، كُشف المستور وعُرف الجناة وتم تقديمهم للمحاكمة باستخدام أحدث تقنيات التحقيق الإلكترونية التي قد لا تتوفر لكثير من دول المنطقة.
كما نتذكر الفيلم الوثائقي الذي نشرته الجزيرة الوثائقية تحت عنوان "الطريق إلى دكار"، وما صاحبه من إحراج كبير لجهاز الأمن، وردود فعل مؤقتة جاءت بعد ذلك.
ونتذكر أيضا ردود الفعل المؤقتة عندما يقوم أحد الهواة بتسجيل فيديو محرج لبعض عناصر الأمن.
لماذا لا نكون جادين إلا عندما نكون في زاوية ضيقة ويصبح الإحراج شديدا؟
الاقتراحات:
تستدعي التحديات الأمنية في موريتانيا استراتيجيات فعالة لتحسين أداء الجهاز الأمني، ومن بين الحلول الممكنة:
1. رفع الأجور وجذب الكفاءات: ينبغي زيادة أجور الشرطة بشكل جذري لجذب أفضل العناصر من الطلاب والمهنيين. والتعلم من التجارب الناجحة في دول مثل الفلبين وجنوب إفريقيا، حيث ساعدت الزيادة في الأجور التي وصلت إلى حوالي 1000 دولار (حوالي 400,000 أوقية قديمة) في تعزيز الكفاءة والقضاء على الاختلالات التي تشبه تلك الموجودة لدينا.
2. الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة: في ظل التحديات الأمنية الراهنة، يجب دمج التقنيات المتطورة مثل الكاميرات الذكية، والذكاء الاصطناعي، والخوارزميات في عمل الشرطة، لمساعدتها في أداء مهامها بفعالية. وفي نفس الوقت، ينبغي استخدام هذه التقنيات لمراقبة أداء الجهاز الأمني والقضاء على الفساد من خلال جهاز مستقل لا يتبع لإدارة الأمن.
3. زيادة كبيرة في عدد عناصر الشرطة: وفقًا لتوصيات الأمم المتحدة في تقاريرها حول الأمن وإدارة القوى الأمنية، يجب أن يكون هناك شرطي واحد لكل 450 مواطنًا. بناءً على ذلك، ومع اعتبار عدد سكان موريتانيا مع المهاجرين المقيمين فيها حوالي 8 ملايين نسمة، فإن عدد الشرطة يجب أن يكون حوالي 17777 شرطيا لضمان مستوى أمني يتماشى مع المعايير الدولية.
وبالمجمل فإن تحسين الجهاز الأمني يتطلب بناء هيكل مؤسسي محترف لا يتأثر بالعوامل الخارجية ويجيد فن التوقع من خلال الإجراءات الاستباقية.
ولكن، هل ستكون موريتانيا قادرة على تحقيق ذلك؟ أم أن التحديات التي تواجهها ستظل قائمة طالما أن الضغوط هي من تقود هذه التحركات بدلا من الواجب المهني؟