أكاديمي تونسي: تراجع التضخم لم يحسن الاقتصاد والإصلاح هو الحل

رغم إشادته بانخفاض معدل التضخم في تونس إلى 6 بالمئة خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، قلل أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية آرام بلحاج، من تأثير ذلك على التعافي اقتصاد البلاد.
وقال بلحاج في مقابلة مع الأناضول: "في المطلق، انخفاض التضخم إيجابي جدا، والنزول من أكثر من 10 بالمئة إلى 6 بالمئة ايجابي، ولكن هناك فرق بين التضخم المعلن والتضخم المحسوس".
وأضاف: "فالتضخم المعلن هو ما يعلنه المعهد الوطني للإحصاء استنادا إلى حسابات تقنية، ولكن التضخم المحسوس لدى المواطن مختلف تماما".
ووفق احصائيات المعهد الوطني للإحصاء (حكومي)، انخفض معدل التضخم من 10.4 بالمئة خلال فبراير/ شباط 2023 إلى 7.4 بالمئة خلال فبراير 2024 ثم إلى 6 بالمئة خلال يناير 2025.
وقال بلحاج إن التفسير للفرق بين التضخم المعلن والمحسوس هو أن "السلة التي من منطلقها يتم احتساب التضخم لا تعكس بالضرورة استهلاك المواطن، وقد تكون التقنيات التي يستعملها المعهد لاعتماد حاجيات المواطن لا تعكس الواقع".
وتابع: "التضخم المحسوس يبقى دائما برقمين 14 أو 15 بالمئة، وهذا يحسه المواطن الذي يريد أن يملأ سلته فلا يجد أسعارا بنسبة 6 أو 7 بالمئة بل يجدها بـ 14 أو 15 بالمئة، وهنا يكمن الخلل".
وقال بلحاج إن "المسح التقني مختلف عن الواقع، وبعض الخبراء نصحوا معهد الإحصاء بتغيير السلة عن طريق مسح استهلاك جديد".
** ثقة المستهلكين والمستثمرين
أستاذ الاقتصاد قال إن "المتعارف عليه أن نسبة الضخم يجب ألا تتجاوز 2 أو 3 بالمئة، ونسبة 6 بالمئة بالمقارنة مع المطلوب تبقى هامة، لأن النسب المنخفضة تجعل هناك اطمئنان وثقة من المستهلكين والمستثمرين".
وأضاف: "المستثمرون أمام نسب تضخم منخفضة يمكنهم انجاز مخططات استثمارية دون ارتفاع كبير في التكلفة، ونسب التضخم المنخفضة عامل أساسي لدفع الاستهلاك والاستثمار معا".
ولفت بلحاج إلى أنه "رغم الانخفاض المسجل في نسبة التضخم الرسمية، إلا أن نسب الاستثمار والاستهلاك لم تتجاوب إيجابيا مع ذلك".
وأوضح أن "تحقيق نسب نمو ضعيفة جدا تكاد تكون صفرية في عام 2023 و1.4 بالمئة في 2024، هو دليل إضافي أن نسبة التضخم المحققة لم تساعد في إرجاع الاستثمار إلى المستويات المعهودة، ولا إرجاع الاستهلاك إلى نسب تجعله يخلق نموا حقيقيا يدفع لحلحلة الأزمة الاقتصادية في تونس".
** تسديد الديون ايجابي ولكن!
وبخصوص نجاح تونس في تسديد ديونها الخارجية، آخرها تسديد 1.1 مليار دولار نهاية يناير الماضي، قال بلحاج إن البلاد "دأبت دائما" على تسديد الديون سواء كانت الداخلية أو الخارجية.
واستدرك قائلا: "السؤال الأهم هو كيف تمّ تسديد الديون؟ هل تمّ من خلال الموارد الضخمة للدولة أو من خلال الاحتياطي من العملة الصعبة أو من خلال احتياطي العملة الذي تملك الدولة جزءا منه أو من خلال آليات أخرى؟".
وتابع بلحاج: "تسديد الديون سواء خلال 2024 أو ما سيقع خلال العام الجاري يتأتى أساسا من احتياطي العملة الصعبة الذي هو في الحقيقة ملك الفاعلين الاقتصاديين وجزء منه ملك الدولة التونسية".
ولفت إلى أنه "خلال العام الماضي تم اللجوء إلى البنك المركزي بترخيص اقتراض 7 مليارات دينار (2.2 مليار دولار) لتمويل الميزانية، حيث ذهب جزء منها لتسديد الديون، وهذه السنة تتكرر العملية نفسها".
وقال إن "عملية تسديد الديون إيجابية وتكون ايجابية جدا حين يكون التسديد دون اللجوء إلى البنك المركزي أو عبر الاحتياطي من العملة الذي هو ملك للفاعلين الاقتصاديين، هنا تكون العملية غير سليمة 100 بالمئة".
** مخاطر تضخمية
وأوضح بلحاج أن "الرجوع للبنك المركزي للتمويل المباشر فيه عدد من المخاطر؛ أولها تداخل السلطة التنفيذية والسلطة النقدية".
وأضاف: "السلطتان التنفيذية والنقدية يمكن أن تعملا معا في إطار القانون، ويمكن التنسيق بينهما لكن في إطار القانون، ولكن تغيير القانون للسماح للبنك المركزي مرة واثنين وثلاث للتمويل المباشر، فيه انعكاسات سيئة وخطيرة وأولها التضخم".
وثاني المخاطر، وفق بلحاج، هي "الانعكاسات السلبية على سعر الصرف الذي إذا انحدر أو انهار تكون المساوئ كبيرة بما فيها التضخم المورِّد، وخدمة الدين التي تصبح كبيرة جدا، لذا جاء اللجوء إلى حماية قيادة السياسة النقدية عبر قوانين تسمى قوانين استقلالية البنك المركزي".
** أين تذهب أموال الاقتراض؟
وتساءل بلحاج: "إلى أين توجّه الديون؟ هل للاستهلاك اليومي للدولة وللفاعلين الاقتصاديين أم للاستثمار، إذا كانت الديون سواء الداخلية أو الخارجية توجّه إلى خلق الثروة والاستثمار، فهذا شيء ايجابي جدا".
أما إذا كانت الديون "تذهب إلى الاستهلاك والأجور والدعم وسداد الديون، فهذا غير سليم"، وفق بلحاج.
وتابع: "للأسف، في ظل ميزانية ثلثها للأجور وثلث لتسديد الديون، وجزء ضئيل للاستثمار، فإن التداين الداخلي والخارجي ليست عملية سليمة ولا تفضي إلى أي شيء".
وأضاف بلحاج: "إذا ذهبنا في نفس الاتجاه واعتمدنا على التداين لأغراض أخرى غير خلق الثروة وتمويل الاستثمار، فهذا لن يدوم طويلا".
وتابع: "7 بالمئة من الميزانية مخصصة للاستثمار، لكن نجد حجم تداين كبير جدا، فهذا أمر لا يستقيم وستكون له تداعيات سلبية جدا".
وقال: "رأينا آخر أرقام تنفيذ الميزانية لسنة 2024، حيث تمت برمجة 11 مليار دينار (3.7 مليارات دولار) ولكن وجدنا أنفسنا في حجم تداين في حدود 23 مليار دينار (7.6 مليارات دولار) كحجم تداين داخلي لهذا العام، وهذا رقم قياسي قد تنتج عنه مخاطر تضخمية ومخاطر على سعر الصرف وعلى الاقتصاد التونسي ككل".
** مقاطعة صندوق النقد الدولي دون بدائل
وبشأن استمرار اقتراض تونس من الخارج رغم عدم التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، قال بلحاج إن "إغلاق الباب أمام صندوق النقد الدولي كان خيارا سياديا وطنيا واستراتيجيا، والاستغناء عن الصندوق أمر ايجابي من حيث المبدأ، ولكن هل نجحنا في إيجاد بدائل؟".
وأضاف: "إلى الآن لم نر بدائل جدية تجعلنا نخرج من الأزمة، بما فيها أزمة الدين. وعندما أغلقنا الباب أمام صندوق النقد الدولي كان علينا إيجاد التمويلات اللازمة، وإلى حد الآن لم نتوقف عن الاقتراض من الخارج".
وتابع: "لا زلنا نقترض من الخارج بنسبة فائدة عالية للأسف، وعندما نعود للأرقام نجد خدمة الدين زادت، صحيح أن حجم الدين نقص قليلا، لكن بالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي فإن حجم الدين زاد من 79 بالمئة إلى 81 بالمئة".
واعتبر بلحاج أنه "ليس من السليم غلق الباب أمام صندوق النقد والاستمرار في الوقت نفسه بالحصول على قروض خارجية بنسب فائدة عالية".
** الحل في برنامج وطني بخيارات وطنية
وأكد بلحاج أن "الأسلم كان انجاز برنامج وطني بخيارات وطنية نتوجه به نحو صندوق النقد الدولي، وننجز اتفاقا معه".
وتابع: "إذا أنجزنا اتفاقا مع الصندوق الدولي للحصول على قروض بنسب معقولة، فإن ذلك يفتح الباب أمام الشركاء الذين يشترطون اتفاقا مع الصندوق لمنحك التمويلات اللازمة".
وشدد على أن "خيار إغلاق الباب أمام صندوق النقد الدولي لم يرفق ببدائل تسهل الخروج من الأزمة التي نعيشها، بما فيها أزمة الديون الموجودة".
وأكد بلحاج أن "البدائل دائما موجودة، لكن تقتضي الجرأة والشجاعة".
وأضاف: "البدائل تتمثل في إصلاح المؤسسات العمومية والنظام الجبائي والصناديق الاجتماعية وإصلاح الاقتصاد الذي ينخره الاقتصاد الموازي والتهرب الجبائي".