السياسات الجبائية في موريتانيا.. أية فعالية؟!

يوسف سيدي عال اعوين، مهندس مالي وجبائي

يوسف سيدي عال اعوين، مهندس مالي وجبائي

تعدّ السياسة الجبائية إحدى الأدوات الاقتصادية الأساسية التي تعتمدها الدول لتحقيق التوازن المالي والاستقرار الاقتصادي. فهي تمثل المصدر الرئيسي لتمويل الميزانية العامة، وتؤثر بشكل مباشر على بيئة الأعمال والاستثمار. ففي موريتانيا، يعتمد النظام الضريبي بشكل كبير على الجباية المباشرة وغير المباشرة، إلا أن فعاليته لا تزال موضع تساؤل بسبب مجموعة من العوائق، مثل ضعف التحصيل الضريبي، انتشار الاقتصاد غير الرسمي أي غلبة القطاع غير المهيكل، وارتفاع معدلات التهرب الضريبي.

 

وعلى الرغم من سلسلة الإصلاحات المتتالية خلال السنوات الأخيرة، ما زالت الفجوة واسعة بين الرهانات والأهداف المعلنة و التنزيل الواقعي.

 

و تشير البيانات المتاحة لعام 2023 إلى أن نسبة الإيرادات الضريبية للناتج المحلي الإجمالي في موريتانيا بلغت حوالي 14%، وهي نسبة تقل عن المتوسط الإفريقي البالغ 16%. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها الحجم الكبير للقطاع الاقتصادي غير المهيكل، والذي يمثل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى ضعف آليات الرقابة الجبائية، مما يؤدي إلى ارتفاع معدل التهرب الضريبي. هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى تآكل القاعدة الضريبية وتحد من قدرة الدولة على تمويل مشاريعها التنموية.

 

و خلال السنوات الأخيرة، سعت الحكومة الموريتانية إلى تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الجبائية بهدف تحسين الأداء الضريبي وتعزيز الامتثال الطوعي، تضمنت هذه الإصلاحات تبسيط الإجراءات الضريبية، وتوسيع القاعدة الضريبية، و تعزيز الرقابة على التحصيل. ومع ذلك، لا تزال هذه الجهود غير كافية لتحقيق قفزة نوعية على مستوى الإيرادات الضريبية، فالاقتصاد غير الرسمي لا يزال خارج نطاق الجباية، وبيئة الأعمال تعاني من تعقيدات ضريبية تجعل الامتثال مكلفًا وصعبًا على الشركات الصغيرة والمتوسطة.

 

ومقارنة بدول المنطقة، نجد أن المغرب قد نجح في تحقيق أداء ضريبي أكثر كفاءة، حيث بلغت نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 22.3% في عام 2023. ويعود ذلك إلى تبني المغرب لنهج أكثر تطورًا يعتمد على رقمنة العمليات الضريبية، وتوسيع القاعدة الضريبية من خلال سياسات إدماجية للقطاع غير المهيكل، وتحفيز الامتثال الطوعي عبر تقديم حوافز ضريبية للشركات التي تلتزم بالتصريح والدفع في الوقت المحدد. إضافة إلى ذلك، يعتمد المغرب على أنظمة رقابة متطورة تستخدم أحدث التقنيات لتحليل البيانات وكشف حالات التهرب الضريبي بفعالية أكبر.

 

و بناءً على أثر سلسلة الإصلاحات الوطنية والتجارب المقارنة، ينبغي على موريتانيا تعزيز الإصلاحات الجبائية من خلال تبني مجموعة من التدابير، من أبرزها تعزيز رقمنة الإدارة الجبائية، إذ يمكن أن يؤدي تعميم الفوترة الإلكترونية وتطوير منصات إلكترونية للتصريح والدفع إلى تقليل التعقيدات البيروقراطية.

 

كذلك، من الضروري العمل على توسيع القاعدة الضريبية من خلال إدماج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الجبائية عبر تقديم حوافز ضريبية تدريجية، مثل إعفاءات مؤقتة للمشاريع الصغيرة التي تلتزم بالتصريح الضريبي لأول مرة.

 

كما يعد تحسين بيئة الأعمال عنصرًا أساسيًا في تعزيز الامتثال الضريبي، حيث يمكن لموريتانيا مراجعة معدلات الضرائب لجعلها أكثر تنافسية، خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، مع تقديم تخفيضات ضريبية مشروطة بالاستثمار في القطاعات الإنتاجية. من جهة أخرى، ينبغي تعزيز الشفافية الضريبية من خلال تطوير آليات رقابية أكثر تطورًا، تعتمد على تحليل البيانات الضريبية باستخدام التقنيات الحديثة لرصد التهرب الضريبي، مع فرض عقوبات صارمة على المخالفين.

 

في الختام، يبقى النظام الجبائي في موريتانيا بحاجة إلى إصلاحات هيكلية عميقة تضمن تحقيق التوازن بين تأمين موارد مالية مستدامة للدولة وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني. فلا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة دون نظام جبائي عادل، شفاف، ومحفز للنمو. ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع موريتانيا تنفيذ هذه الإصلاحات بفعالية، أم أن العقبات الحالية ستستمر في إعاقة تقدم النظام الجبائي نحو مستوى أكثر كفاءة وعدالة؟.

 

15 February 2025